رضوان عقيل-“النهار”
كثيرون قرأوا في اطلالة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على “تلفزيون لبنان” ان المسائل المطروحة في وثيقة بكركي المنتظرة والتي تحظى برعاية خاصة من البطريرك بشارة الراعي مفخخة بجملة من الهواجس والثقة المفقودة بين الافرقاء المتحاورين للرد على قضايا حساسة تخص كل اللبنانيين وفي مقدمها انتخابات رئاسة الجمهورية. وتكفي عبارة جعجع انه ليس مقتنعا بلقاء بكركي ووصفه إياه بـ”طبخة بحص” للدلالة على الهوة والمساحات المتباعدة بينه وبين “التيار الوطني الحر” في شأن جملة من الامور التي لا يتفق عليها الطرفان، والخشية من تطيير كل ما بذلته الكنيسة المارونية من جهود لجمع الافرقاء المسيحيين والتي ستذهب حصيلتها سدى جراء هذا الكمّ من الخلافات. وثمة من يقول ان قرار “تيار المردة ” بعدم المشاركة في هذا اللقاء كان في محله لمعرفته المسبقة بان حصيلتها لن تحقق الاهداف المتوخاة. ثمة مشتركات عدة بين المتحاورين على مستوى التوازن الوطني، إلا ان الخلاف يكمن في متن الوثيقة من حيث وحدانية السلاح وحصره بيد الجيش اللبناني فقط واعلان التأييد لكل القرارات الدولية بما فيها الـ 1559، وغرق المناقشات في ما بين الالتباس والوضوح.
وثيقة بكركي
وكشفت المواقف الاخيرة للمجتمعين الذين التقوا تحت ضغط من الرأي العام المسيحي في جلستهم الاخيرة ان هناك تباينا كبيرا حيال المواضيع التي ستتضمنها الوثيقة في الرد على جملة من النقاط الساخنة، وابرزها موضوع سلاح “حزب الله” إذ تطالب “القوات” وحزبا الكتائب والوطنيين الاحرار بتسليم الحزب سلاحه الى المؤسسة العسكرية حيث لا يجاريهم “التيار” في هذا الطرح. وعندما شعر جعجع عبر ممثله النائب فادي كرم بان لا قدرة على تضمين الوثيقة ما يضمره حيال هذا السلاح ومطالبته بنزعه،
عمدت “القوات” الى التشكيك في جدوى حوار بكركي.
مصادر نيابية “قواتية” لا تؤيد من يقول ان كلام جعجع قضى على الوثيقة، وقد عمل على تعطيلها قبل ولادتها بحيث ستكون بكركي اول المصدومين لعدم قدرتها على جمع المسيحيين حول جملة من القضايا التي وعدت بالتعاطي معها من منظار وطني لتكون نواة موادها قواسم مشتركة مع كل اللبنانيين.
تقول “القوات” هنا إن ما قصده رئيسها هو التحذير من تكرار تجارب الماضي والوقوع في فِخاخها مرة اخرى، وهو يريد بالفعل تحصين الوثيقة وليس اجهاضها “كما حاول البعض تفسير كلام الحكيم بطريقة خاطئة”.
ويأتي تحذير “القوات” من زاوية ان “التيار” لا يلتزم مضمون ما يتم الاتفاق عليه على الورق ويتنصل منه. وهي لم تنسَ بعد ما رافق “اتفاق معراب” وما خلفه على الفريقين ابان ولاية الرئيس ميشال عون.
ورغم كل الملاحظات التي قدمها جعجع، إلا ان ذلك لا يعني انه سينسحب من لقاء بكركي الذي من المقرر ان يعاود جمع ممثلي المسيحيين بعد الاعياد.
في المقابل، لا ينفك “التيار” عن تأكيد تمسكه بالحوار المفتوح في بكركي والاصغاء لكل نصائح البطريرك الراعي. وفي تعليق على كلام جعجع ترى مصادر في “التيار” ان جعجع لا يريد هذا الحوار في الاصل ولم يكن في وارد تلبية دعوة بكركي الى ان لمس انه غير قادر على عدم المشاركة في اللقاء، ولا سيما بعد تيقّنه من انه لا يستطيع وضع ما يريده في الوثيقة، وان الاجواء المرافقة لا تصب في مصلحتها، ولذلك يعمل على التنصل من الوثيقة إذ عمد الى اطلاق النار على اللقاء، “وهذا الهجوم الذي استهدف التيار الوطني الحر اصابت شرارته بكركي اولا، وان الهجوم على الآخرين بهذه الطريقة لا يساعد المتحاورين ولن يؤدي بالطبع الى ولادة الوثيقة المطلوبة”.
وكان “التيار” قد لاحظ في الاجتماع الاخير حصول تبدل في مواقف ممثل “القوات” من بنود الوثيقة وانه سيستمر في المشاركة في لقاء بكركي ولن ينجر الى أي ردود، وسيواصل التعاطي من خلال مساحة البُعدين المسيحي والوطني في آن والتجاوب مع ما يطرحه البطريرك، وهو ليس في حاجة الى دروس وتنبيهات من اي جهة.
وثمة ثوابت يركز عليها “التيار” ولا مانع لديه من طرحها على طاولة بكركي، في مقدمها عدم السير بأي مشروع يجر المسيحيين الى مغامرات جديدة أثبتت فشلها في الماضي ولم تجلب إلا الضرر.
واذا كان “التيار” لا يؤيد “حزب الله” (الغائب – الحاضر في الوثيقة) في معادلة “وحدة الساحات” وتجاوز مساحة الدفاع عن لبنان، الى الاعتراض على ضرب مفهوم الشراكة الذي يتمثل في اكثر من محطة في الحكومة، ورغم كل ذلك لن يقدم “التيار” على عزل “الحزب “.
من جهة اخرى، يرد “التيار” على مسؤولين “قواتيين” يكررون ان باسيل يستعجل لقاء جعجع للحصول على صورة معه بالقول ان “أي كلام من هذا النوع لا اساس له من الصحة ونحن لم نطلب اي لقاء”. وتبقى العلاقة محصورة بين الطرفين بواسطة نواب مشتركين يتولون متابعة “لجنة جهاد أزعور”، فضلا عن اللقاء القائم في بكركي وتحت مظلتها، مع تشديد العونيين على حماية الوثيقة من اطلاق النار عليها من اي جهة.