كتب هبد الغني طليس في “اللواء”:
يشبه وضع نتنياهو اليوم وضع المؤرّخ اليهودي الإسرائيلي زئيف آرليخ الذي قرّر أنها لحظة مؤاتية له ليصل إلى بلدة «شمع» وإلى مقام النبي شمعون الصفا تحديداً، باحثاً عن آثارٍ ما، عن حجر، وربما عن نبتة يستطيع من خلالها دعم نظرياته بيهودية الأرض اللبنانية التي يحارب فيها جيشه باحثاً عن نصر.
لا نتنياهو سيعود منتصراً، بسبب المقاومة التي لا تزال كامنة له خلف كل نسمة هواء مُكبّدةً جيشه الموت والجراح، ولا آرليخ الحزين الذي ما أن أخذ صورة تذكارية حتى قُتِل. وكما ضاعت أوهامه في لحظة، ستضيع أوهام نتنياهو في لحظة ويقبل وقف النار.
هي أيام إضافية طلبها نتنياهو لتغيير شيء ما على الأرض في الخيام ليتباهى باحتلال مدينة جنوبية، أو في محيط نهر الخردلي لأخذ صورة تذكارية لجنوده يقول من خلالها لشعبه أنه حقق وعْده بالوصول إلى الليطاني.
وبمجرّد الإطلاع على خريطة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة عبر «غوغل»، تكتشف أن دخول الجيش الإسرائيلي من خلف قرية دير ميماس (المسيحية التي لا تقاتل فيها المقاومة) أملاً في الوصول إلى الخردلي (والليطاني هناك إسمه الخردلي) دونه وديان محروسة ومضبوطة عسكريا من المقاومة وهناك استحالة ميدانية لبلوغ النهر عبرها. لكنها جغرافياً تُعَد الأقرب إلى أقصى حدود إسرائيل الشمالية – الشرقية.
لقد قدّم نتنياهو وعداً لشعبه اليهودي باحتلال الأرض إلى الليطاني. وما دامت حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان تبعد عن الليطاني عشرات الكيلومترات المفخّخة بالمقاتلين، فإن عبوره منها، أي من «شمع» و«البياضة» وصولاً إلى نهر الليطاني محفوف بالمخاطر والكمائن، والانتشار العسكري المتدرّج للمقاومة يبلغ أوجَه فيها. والمعارك على الأرض تثبت ذلك. فكان التوجّه إلى منطقة دير ميماس لأنها على مرمى مسافة أقصر بكثير من المسافة بين الناقورة ساحلاً والليطاني. واختيار المسافة الأدنى من دير ميماس أشبه بمن لا يستطيع الوصول إلى حديقة، فيقف خارجها ويرمي ثمارها بالطوب ويلتقطها للادّعاء بأنه.. دخل الحديقة! وليس كل الناس في إسرائيل أو لبنان لديهم الوقت والقدرة على التركيز في الخريطة لمعرفة هذا «الاحتيال» السخيف على الجغرافيا بهدف الحصول على صورة يقول نتنياهو إنه سينسحب بعدها خلال ستين يوماً إلى إسرائيل.
نكرّر: المؤرّخ زئيف آرليخ لم يأخذ معه غير صورته التي انتشرت في الإعلام العالَمي طارحة الوهم اليهودي المتمادي على كل الأرض العربية، أما رئيس حكومته نتنياهو فلن يحصل حتى على الصورة أبداً كما يقول المدافعون عن الأرض والعرض،
وسيلاقي جنوده في محاولات اقتحامهم، مصير آرليخ، وربما يروح هو فيها إلى لجنة التحقيق المنتَظَرة ولهذا يعمل حالياً على سنّ قانون في إسرائيل يمنع تشكيل لجنة تحقيق في عملية ٧ أكتوبر العام الماضي، في أكبر محاولة لطمس دوره في «تخريب» إسرائيل كما قالت صحيفة عِبرية.
الأسبوعان اللذان طلبهما نتنياهو عسى أن يُبدّل موازين الميدان في الجنوب، هما بالضبط اللذان طلبهما رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت في عدوان تموز ٢٠٠٦، وجاءت فوراً وزيرة خارجية الولايات المتحدة إلى لبنان لتقول للقيادات اللبنانية من ١٤ آذار في اجتماع السفارة الأميركية إن أولمرت يريد أسبوعين إضافيّين لإنهاء المقاومة فانتظروا. وكما كانت النتيجة مع كوندوليزا ستكون النتيجة مع هوكشتاين: وقف إطلاق النار بناء على حاجة إسرائيل الفورية له.
لا تشبع العقلية اليهودية من العبث. فالمؤرّخ آرليخ لم يكفِه أن شعبه التلمودي حفر تحت المسجد الأقصى بالذات، كما حفر في مئات المواقع الفلسطينية علّه يحظى بكَسرة حجر تدلّ على يهودية الأرض فباء بالفشل، فجاء إلى قرية «شمع» الجنوبية للهدف ذاته. وراح فيها. ونتنياهو لم يقتنع أن أرض الجنوب التي هزمَته في ٢٠٠٠ بانسحاب مُذِل، وفي ٢٠٠٦ بهزيمة أقرّتها لجنة ڤينوغراد، تستطيع أن تهزمه مجدّداً، فلجأ إلى الأمل والحديد والتدمير فوق التدمير، متوقعاً أن المشهد سيكون لصالحه هذه المرّة.
إنه حديث النار والنار المضادة في أواخر أيام عدوان ٢٠٢٤. لا بأس من تجريب المجرَّب.