كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
ما فعله «حزب الله» أمس الأول من استهداف صاروخي غير مسبوق لقلب الكيان الإسرائيلي و»شريانه» تل أبيب، انطوى على دلالات عدة، وشكّل مفاجأة بالنسبة إلى كل من بنى حساباته على أساس أنّ قوى الحزب خارت وأنّه تمّ تقليم أظافره.
حتى أكثر المتفائلين بقدرات «حزب الله» والواثقين في استعادته لعافيته لم يتوقعوا على الأرجح أن يستطيع توجيه مثل هذه الضربة الثقيلة، كمّاً ونوعاً، إلى أهداف متنوّعة في الداخل الإسرائيلي، بعد كل الذي مرّ فيه وعانى منه.
لقد كسر الحزب في هجومه الصاروخي الواسع مجموعة أرقام قياسية دفعة واحدة، إذ وللمرّة الأولى منذ اتساع نطاق الحرب، أطلقت المقاومة في يوم واحد نحو 340 صاروخاً على شمال الكيان ووسطه، ونفّذت 51 عملية عسكرية، وقصفت تل أبيب 4 مرّات، وفرضت على الجبهة الداخلية إطلاق صفارات الإنذار ما يزيد على 500 مرّة، وأجبرت 4 ملايين مستوطن على النزول إلى الملاجئ وفق الإحصاءات الإسرائيلية.
وبينما كانت التقديرات الإسرائيلية تفيد أنّه تمّ تقويض القوة الصاروخية للحزب وإضعاف مجمل قدراته القتالية عقب الضربات القاسية التي كان قد تلقّاها في المرحلة السابقة، أتت الموجة النارية غير المسبوقة التي غطّت مساحات واسعة من الأراضي المحتلة لتوحي وكأنّ الحزب هو في اليوم الأول من الحرب الواسعة وليس في نهاية شهرها الثاني.
وهكذا، بدا أنّ ما حقّقه الاحتلال من إنجازات تكتيكية في سياق المواجهة فَقَد جدواه مع مرور الوقت، بعدما ابتلعت الصواريخ والمسيّرات من لبنان كل مفاعيله، ما يعني أنّه كان من المبكر جداً أن يحتفل الإسرائيليّون بـ»النصر» الذي هلّلوا له عقب اغتيال السيد نصرالله، قبل أن يتبيّن أنّ هذا النصر مصنوع من «الزجاج» الذي تحطّم تحت وطأة دوي الانفجارات في تل أبيب ونتانيا وأشدود وحيفا وعكا والكريوت وصفد ونهاريا وكريات شمونة.
وبهذا المعنى، يمكن الاستنتاج أنّ الحزب أنهى كلياً فترة العلاج والنقاهة التي أعقبت انتكاسات الأيام العشرة بين 17 و27 أيلول، وعاد بحيويّته وجهوزيّته إلى مرحلة ما قبل استشهاد السيد حسن نصرالله وقادة الرضوان، بل حتى إلى ما قبل ضربتَي «البيجر» واللاسلكي.
وإذا كان نتنياهو قد قرّر استكمال التفاوض السياسي بالنار لانتزاع أقصى التنازلات الممكنة من لبنان، فإنّ المقاومة ردّت بأنّها قادرة أيضاً على التفاوض بالنار ومضاعفة الضغوط على الكيان لتحصين موقع المفاوض اللبناني، في محاولة لإفهام نتنياهو أنّه يُخطئ إذا ظنّ أنّ في مقدوره تحصيل أي مكاسب في الوقت الفاصل عن ولادة اتفاق وقف إطلاق النار.
وضمن هذا السياق، هناك مَن يعتبر أنّ التصعيد الأخير هو جزء من مقدّمات التسوية المفترضة، ويندرج في إطار آخر المحاولات لتحسين شروط الصفقة، فيما يرجّح البعض الآخر أن يكون ما حصل يوم الأحد مؤشراً إلى نمط التصعيد في المرحلة المقبلة إذا لم يتمّ التقاط الفرصة الحالية لوقف الحرب، وأنّ «حزب الله» أوصل رسالة ميدانية واضحة بأنّ الشوط الثاني من المواجهة سيبدأ حيث انتهت مجريات أمس الأول، أي من وسط تل أبيب.
ولكي لا يتوسع الإسرائيليّون في أوهامهم، وحسماً للسقف التفاوضي بالنسبة إلى لبنان الرسمي، نقل زوار عين التينة عن الرئيس نبيه بري قوله: «ما يفكروا (الإسرائيليّون) أنّ في إمكانهم أن يأخذوا أكثر ممّا اتفقنا عليه مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين».
ويضيف بري: «المَيدان هو ميزان حرارة التفاوض، والمقاومة قوية كما أثبتت مدينة الخيام وغيرها، وبالتالي لن يحصل العدو الإسرائيلي على ما لا يسمح به الميدان».