يعد الإعلام من الأسلحة الأهم والأبراز التي تصاحب الحروب، فلا حرب دون إعلام وصورة ودعاية وإشاعة، وعبر التاريخ كان للإعلام دور بارز في قلب الموازنات وكتابة الانتصارات، ومع انطلاق الحرب على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى، لوحظ تحول لدى الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية، ناتج عن التحول السريع في أدوات الإعلام الذي كسر القيود وأتاح لمشاهد المجازر بالوصول سريعا إلى هذا الرأي العام.
وفي هذا السياق أشارت الأستاذة الجامعية والباحثة الدكتورة نهوند القادري في حديث خاص لوكالة ” شفقنا ” إلى أن هناك تحولا كبيرا حاصل في العالم مع دخولنا في عصر الرقمنة والفضاء الإلكتروني الافتراضي وهذا الأمر له انعكاسات كبيرة على مستوى الدول والأنظمة الديمقراطية والرأي العام، ما جعلنا نشهد ولادة نوع جديد من الحروب وهي حروب البيانات، وأطرافه هم كبرى الشركات التي تدير الأنظمة الإلكترونية والتطبيقات ومحركات البحث.
ولفتت القادري إلى أن زمام المبادرة الدعائية لا يزال بيد الإسرائيليين، فهم لديهم باع طويل بالدعاية وتحوير الحقائق وجذب الانتباه خلال المعارك والحروب والأحداث المفصلية، وأشارت إلى أننا شهدنا مع بداية عملية طوفان الأقصى كيف شبهت الدعاية الإسرائيلية حركة حماس بتنظيم “داعش”، في سعي منها لتحويل الصراع من صراع بين شعب أرضه محتلة إلى صراع بين الأصوليات وضد المسلمين المتطرفين في العالم.
وأضافت القادري: الإعلام بشكل عام ليس جمعية خيرية، بل هو أسير من يملكه ويموله، لذلك لا يمكن الإغفال عن حجم الهيمنة الكبير على الإعلام الغربي، ورغم هذه الهيمنة تبقى بعض الأصوات المؤيدة لفلسطين من هنا وهناك تظهر وتنتشر إنما لا تشكل تحولا كبيرا، لأن القضية الفلسطينية منبوذة من سياقها منذ البداية، السياق الذي يظهر من خلال وجود شعب محاصر ومستوطنات تقتطع أراضيه، وشعب مقهور يمارس بحقه أبشع أنواع الممارسات، لذلك كان من الطبيعي أن يبحث عن طريق للخلاص ولا سبيل لخلاص إلا من خلال العمل المقاوم.
كيف يمكن أن يساهم هذا التحول في تقليب الرأي العام الغربي وجعله قوة قوية تواجه القرارات الغربية التي لا تصب في مصلحة فلسطين؟
“هناك تحول كبير حاصل في العالم، ولم يعد هناك شيء اسمه رأي عام” قالت القادري، وأضافت أنه يبقى هناك تحركات هنا أو هناك للعديد من الناس الذي تأثروا بالمجازر، لكن هذه التحركات يكون دافعها الشفقة والاستنكار، ولا تتسبب بخض الأنظمة الغربية وتحدث تحولا في مراكز القرار فيها، لأن هناك شركات كبيرة تتحكم بمصير الدول الديمقراطية مثل التي كانت تعمل بها دول العناية ودول الرعاية لم تعد موجودة الآن، فأصبح التحول اليوم نحو النيوليبرالية ونحو الرأسمالية المتوحشة، التي تمثل مجموعة من المصالح الاقتصادية والنفعية وتتحكم من خلالها بالعالم، وبالتالي لم تساهم التظاهرات التي تشهدها ساحات الدول الغربية بتغيير المعادلات.
وتابعت القادري: الحكومات المؤيدة لإسرائيل هي اليوم مستشرسة ، فهي تشعر أن مصالحها المادية والاقتصادية مهددة، هذا من جانب، ومن جانب آخر ما يعزز هذا الإستشراس هو غياب الضغط العربي ومواقف الدول العربية الخجولة التي لا تشكل تهديدا لمصالح هذه الدول، لافتة إلى أننا نشهد اليوم نهاية الفلسفة والأخلاق والإنسانية، صحيح أنه ستبقى هناك مجموعات تخرج وتستنكر وتعبر عن غضبها، لكن هذه الأنظمة بنهاية المطاف تمتص هذه التحركات، ورأينا كيف تعرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش إلى حملة كبيرة طالبته بالاستقالة لمجرد تصريحه بأن ما حصل في طوفان الأقصى يستند إلى سياق مرتبط بالحصار والتجويع.
ما هو الدور الذي يمكن أن نلعبه لمخاطبة هذا الجمهور كي يطلع على قضايانا خاصة وأنه فوجئ بعد أحداث طوفان الأقصى بمعرفة الوجه الحقيقي لإسرائيل؟
أكدت القادري أنه علينا قبل أن نخاطب الجمهور الغربي أن نخاطب جمهورنا، فلا يمكننا أن ننسى أن الدعاية الإسرائيلية والتضليل الذي مارسته تغلغل في رؤوس ونفوس عدد كبير من المواطنين العرب والمسلمين، وفي غياب التوحد العربي لا يمكننا أن نحدد مصالحنا المشتركة، فنحن ليس لدينا لغة واحدة نتوجه بها للعالم، وذلك لأننا مشرذمين وننتظر الدول الغربية لتنصر قضيتنا، وأشارت إلى أنه في الإعلام فإن المصالح الاقتصادية هي التي تتكلم، فهناك مكنة دعاية تدرك كيفية شراء ذمم الإعلاميين من خلال تأمين مصالحهم، وأيضا لديها باع طويل في تهديد أولئك الذين يحيدون عن الخطوط المرسومة بلقمة عيشهم ورزقهم.
في فقه الحروب، سلاح الإعلام من أوجب الواجبات، فإذا أردت ان تنتصر، عليك أن تحسن التعامل مع هذا السلاح، وهذه المسؤولية اليوم ملقاة على كل حرٍ يعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة له
المصدر: شفقنا