هل تتحقق المصلحة اللبنانية إذا تخلى حزب الله عن مساندة غزة… مقابل الإغراءات؟

حسن حردان

يدور نقاش واسع في بعض الأوساط السياسية، بشأن خلفيات رفض حزب الله الإغراءات الكبيرة التي عرضت على لبنان من قبل المبعوثين الأميركيين، لقاء وقف النار في جنوب لبنان.. وتتساءل، لماذا لا يقبل حزب الله باغتنام فرصة حصول لبنان على أموال وفكّ الحصار الاقتصادي والسماح باستخراج نفطه وغازه، والبحث بانسحاب كيان الاحتلال من الأراضي اللبنانية المحتلة وصولاً إلى خط الحدود الدولية، مقابل الموافقة على وقف النار على جبهة الجنوب مع شمال فلسطين المحتلة؟
وهناك من وصل به، من حلفاء المقاومة، حدّ ان عبّر عن انتقاده لحزب الله لرفضه هذا العرض السخي الذي يقدّمه الموفدون الأميركيون، والذي كشف اعتراف واشنطن بوقوفها وراء الحصار على لبنان ومنع استخراج النفط والغاز والتسبّب بانفجار ازماته المالية والاقتصادية.
هذه التساؤلات والانتقادات عدا عن أنها تنطلق من اعتقاد خاطئ بأنها تغلب المصالح اللبنانية البحتة، والقول، لماذا نعرّض لبنان للخطر من أجل مساندة غزة؟
فإنها تغفل حقائق غاية في الأهمية حتى من زاوية المصالح الوطنية اللبنانية، عدا طبعاً عن الروابط القومية…
أولاً، تغفل حقيقة خطر نجاح العدو الصهيوني في الاستفراد بقطاع غزة وتحقيق أهدافه بالقضاء على المقاومة الفلسطينية، والعمل على تنفيذ مشروعه لتصفية قضية فلسطين، وما يعنيه ذلك من تعبيد الطريق أمام شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وفرض مخططات توطينهم في الدول العربية المجاورة، ومنها طبعاً لبنان، الذي نص دستوره على بند رفض التوطين، لما يعنيه من ضرر بالغ الخطورة يصيب لبنان، وحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه فلسطين.
ثانياً، تغفل حقيقية انّ العدو الصهيوني، إذا ما نجح في تحقيق أهدافه في غزة، سوف يزداد عدوانية ويتجه إلى التحضير لشن الحرب على لبنان بغية تحقيق أهدافه التي فشل في بلوغها خلال حرب تموز عام 2006، وفي مقدمها، سحق المقاومة، التي تحمي لبنان، والسيطرة على ثروات لبنان المائية والنفطية، وفرض اتفاقية استسلام على لبنان، شبيهة باتفاقية 17 أيار المشؤومة، التي أسقطتها مقاومة الشعب اللبناني، وتنتقص من سيادته واستقلاله.
ثالثاً، تغفل حقيقة انّ المقاومة، ومن خلال انخراطها في معركة استنزاف كيان الاحتلال، مساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته، إنما تسهم في تعميق مأزق العدو، وإيصال عدوانه إلى طريق مسدود، وتمكين المقاومة الفلسطينية من إحباط أهدافه.. مما يقطع الطريق على أحلام قادة العدو، ويدخل كيانهم في أزمة عميقة، ويجعل الشعب الفلسطيني أقرب من ايّ وقت مضى من تحقيق أهدافه في تحرير أرضه والعودة إليها.
رابعاً، تغفل حقيقة، أنّ انتصار غزة إنما هو انتصار للبنان، وكلّ العرب، لأنه سيؤدّي إلى إحداث تحوّل في موازين القوى لمصلحة قوى المقاومة والتحرر، وإضعاف المشروع التوسعي الصهيوني، وبالتالي تمكين لبنان من تحقيق مصالحه الوطنية، وإبعاد الخطر الصهيوني عنه.. ذلك أنّ كلّ ما تعرّض له لبنان من حروب وفتن داخلية وتدخلات أجنبية، واحتلال، إنما كان نتيجة العدوانية الصهيونية وأطماع الكيان الصهيوني، التي طالما حذر منها الوزير السابق المرحوم موريس الجميّل في كراسه الشهير «مطامع إسرائيل في لبنان وسياسة النعامة».
خامساً، تغفل حقيقة الرابط القومي بين الشعب اللبناني عموماً، والشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، التي هي قضية عربية قبل أن تكون قضته فقط، لأنّ المشروع الصهيوني من خلال احتلال فلسطين، يستهدف ولا يزال كلّ الدول العربية، في سياق السعي لتحقيق الحلم الصهيوني في السيطرة على كلّ المنطقة.. وبالتالي فإنّ إحباط هذا المشروع إنما هو مصلحة لبنانية وليس فقط فلسطينية.. ولهذا فإنّ شعار لبنان أولاً، إنما هدفه، كان، منذ البداية، محاولة نزع لبنان من انتمائه العربي، وهذا الشعار يحضر اليوم من خلال ممارسة الضغط على حزب الله للقبول بالإغراءات المعروضة، للتخلي عن مواصلة دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته.. من دون أن يدرك أصحاب هذا الشعار مخاطره على مصالح لبنان الوطنية، وان لبنان لا يستطيع أن يعيش في جزيرة بعيدة عن التفاعل مع محيطه العربي، وقضية فلسطين.. ولهذا لا يمكنه ان ينأى بنفسه عن مواجهة الخطر الصهيوني الذي يهدّده باستمرار، والذي لا يمكن ردعه إلا من خلال التمسك بالمقاومة ومعادلتها الذهبية، ونصرة حق الشعب الفلسطيني، قولاً وعملاً، حتى يتمكن من تحقيق أهدافه الوطنية بتحرير أرضه من الاحتلال والعودة إليها.. والذي يشكل المدخل الحقيقي لتحقيق الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.
انّ ضمانة لبنان لتحرير ما تبقى من أرضه المحتلة، وجبه الخطر الصهيوني، وفكّ الحصار الاقتصادي والمالي عن لبنان، واستخراج نفطه وغازه، إنما تكمن في التمسك بمعادلة قوة لبنان في مقاومته، التي أثبتت نجاعتها.

Exit mobile version