حسن حردان
مرة ثانية أحبطت المقاومة الفلسطينية الخطة الأميركية الإسرائيلية لفرض هدنة مؤقتة يجري خلالها تبادل الاسرى وإدخال بعض المساعدات، من دون أن يكون هناك أي أفق لوقف النار وانسحاب قوات الاحتلال وفك الحصار المحكم على غزة.. وبالتالي ذهبت رهانات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومعها طفلها المدلل كيان الاحتلال، أدراج الرياح وأصيب بايدن بالخيبة وتحطمت آماله بتمرير هدنة على قياسه تخدم مصلحته الانتخابية، وتحقق أهداف كيان العدو لإراحة قواته والاستعداد مجدداً لاستئناف عدوانه عندما ينتهي مفعول الهدنة المؤقتة، ويتمّ انتزاع ورقة الأسرى من ايدي المقاومة..
لقد اعتقدت واشنطن وتل أبيب انّ المقاومة أنهكت وأنها باتت بحاجة إلى هدنة بأيّ ثمن لإنقاذ شعبها من المجاعة، وحاولتا ممارسة ضغوط استثنائية لإحراج المقاومة امام أهلها، ووضعها بين خيارين:
الخيار الأول، إما القبول بالهدنة – الفخ – وبالتالي الاستسلام للشروط الأميركية الاسرائيلية، والتي تستهدف خلق المناخات المواتية للقضاء المقاومة وتصفية قضية فلسطين والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..
الخيار الثاني، رفض هذه الهدنة المسمومة، واتهام المقاومة بالمسؤولية عن تفويت فرصة إدخال مساعدات الإغاثة العاجلة لتجنيب شعبها آلام المجاعة التي تفتك بالأطفال والنساء، والشيوخ والجرحى والمرضى.. وبالتالي محاولة تأليب وتحريض أهل غزة ضدّ مقاومتهم الباسلة وإحداث فتنة ينفذ من خلالها الاحتلال للنيل من المقاومة، بعد أن عجز جيش العدو على مدى الشهور الخمسة الماضية في تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة أو إضعاف جذوتها، وتحرير أسراه من قبضة المقاومين من دون شروط..
غير انّ قيادة المقاومة، أدركت جيداً أبعاد ومخاطر هذا الفخ الأميركي الصهيوني، عندما سارع الناطق باسم كتائب القسام ونيابة عن جميع فصائل المقاومة، إلى رفض الصفقة المسمومة، والتأكيد انّ المقاومة ثابتة على شروطها لتبادل الأسرى، والتي تنصّ على…
ـ وقف العدوان وانسحاب العدو من القطاع، وإغاثة أهل غزة وعودة النازحين، وانّ العدو يماطل ويخادع ويراوغ، وانّ فشل المفاوضات سببه تعنّت العدو ورفضه وقف العدوان والانسحاب من غزة.
أما الدور الأميركي الفجّ فإنه كان يسوّق لهدنة ملغومة، ويعمل على تعطيل مشاريع القرارات في مجلس الأمن لوقف العدوان.. فيما الجسر الجوي والبحري لتزويد كيان العدو بالسلاح لم يتوقف لتمكين جيش الاحتلال من مواصلة عدوانه، أما بايدن فلا همّ لديه سوى القول انه يريد تحرير بعض الرهائن متناسياً الأسرى الفلسطينيين.. مقابل بعض فتات المساعدات للظهور بثوب إنساني يمتصّ من خلاله نقمة الأميركيين والرأي العام العالمي ضدّ سياسته الموغلة في دعمها لاستمرار العدوان..
في المقابل فإنّ الشعب الفلسطيني في غزة، ورغم المعاناة القاسية التي تسبّبها حرب الإبادة والجماعة، فإنه لم يصدر منه ما يؤشر إلى انه خضع للابتزاز الأميركي الصهيوني، او ضعفت عزيمته على التحمّل والصبر، مفوّتاً الفرصة على المكيدة المنصوبة له ولمقاومته.
على ماذا يدلل هذا الثبات والصمود للمقاومة والشعب الفلسطيني؟
أولاً، إنّ المقاومة تدير معركة المفاوضات باقتدار وأنها نجحت في إعادة رمي الكرة في الملعب الأميركي الإسرائيلي، بتحميل واشنطن وتل أبيب المسؤولية عن المجاعة التي تطال أيضاً الأسرى الصهاينة ومزدوجي الجنسية من الأميركيين، وانّ حكومة بنيامين نتنياهو إنما تتلاعب بحياة الأسرى الصهاينة وتصرّ على عودتهم إلى عائلاتهم بالتوابيت.
ثانيا، إنّ المقاومة لم تضعف قدراتها على مواصلة القتال، وخوض الحرب طويلة النفس، وانّ الميدان يدلل على مدى الإنجازات التي تحققها هجماتها المستمرة ضد جيش الاحتلال وتكبّده الخسائر الفادحة بالأرواح والعناد.. وانّ المقاومة تواصل مفاجأة العدو، وأنها عندما نفذت هجوم طوفان الأقصى النوعي، كانت قد استعدت جيداً لمعركة طويلة.. وهو ما أثبتته قوّتها في الميدان وصلابة موقفها في المفاوضات..
ثالثا، إنّ المقاومة، لم يعد لديها ما تخسره، بعد ان دمّر العدو قطاع غزة وارتكب المجازر المروعة ودفع الشعب الفلسطيني الثمن الكبير، وأنها تزداد قناعة بأنّ الطريق الوحيد أمامها لوضع حدّ لحرب الابادة الصهيونية الأميركية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني من مخطط التصفية، إنما يكمن في مواصلة الصمود والمقاومة والعضّ على الجراح، عملاً بقاعدة، انّ النصر صبر ساعة، وفي هذه المعركة. من عضّ الأصابع، فإنّ العدو يدفع أيضاً المزيد من الخسائر والأثمان، وانّ جبهته الداخلية، مع كلّ يوم يستمرّ في فشله بتحقيق أهداف عدوانه، مرشحة لمزيد من الإنقسام وارتفاع حرارة التظاهرات في الشارع للمطالبة بوقف الحرب وإطلاق الأسرى واستقالة حكومة نتنياهو، فيما تحتدم الصراعات والخلافات في داخل مجلس الحرب، وفي أوساط مجتمع المستوطنين، وظهرت إلى العلن حالات اليأس والإنهاك داخل جيش الاحتلال وضعف معنويات جنوده وعزيمتهم على مواصلة القتال، والتي عبّر عنها في حالات التمرد على الخدمة في غزة، والاستقالات الجماعية في وحدة الدعاية العسكرية.. وتسريب المعلومات التي تحرّض الصهاينة ضد حكومته، التي تصرّ على مواصلة الحرب غير آبهة بحياة الجنود ولا بحياة الأسرى…