حسن حردان
فجأة تبدّلت لغة قادة مجلس الحرب الصهاينة، من تصلّب ورفض تقديم ايّ تنازلات للمقاومة الفلسطينية مقابل إطلاق جزء من الأسرى الإسرائيليين، إلى إعلان الموافقة على صفقة تضمّنت تنازلات واضحة من قبل حكومة العدو، عكست رضوخاً لشروط المقاومة، التي أثبتت أنّ يدها العليا في الميدان ترجمتها في ميدان التفاوض ثماراً وانتصاراً يكمل انتصارها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبالتالي كسر شوكة الاحتلال وعنجهيته وتحطيم غطرسته وإذلاله، وانْ كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حاول القول انّ الموافقة على الصفقة، والهدنة المطروحة لإتمامها لا تعني انتهاء الحرب والسعي لتحقيق أهدافها، لكن نتنياهو نسيَ أن يعترف بأنه تخلى عن لاءاته التي رفعها في بداية حربه وهي إطلاق الأسرى من دون شروط، وعدم القبول بوقف النار المؤقت قبل استعادة أسراه، لأنّ ذلك يعطي متنفساً للمقاومة، ولن يسمح بدخول الوقود الى جنوب وشمال قطاع غزة، وحاول قلب المسألة في معرض تبريراته قبول الصفقة، بالقول إنها ستعطي جيشه فرصة للاستعداد لمواصلة الحرب، وتلبية طلب عائلات الأسرى باستعادة أبنائهم، لكنه اعتراف بالقرار الصعب الذي اتخذته الحكومة بالتصويت على الصفقة…
لذلك فإنّ اتفاق تبادل جزء من الأسرى المدنيين، بين المقاومة الفلسطينية وحكومة العدو الإسرائيلي، إنما يعكس رضوخ حكومة العدو لشروط المقاومة بدون ايّ مواربة، إنْ كان لناحية إطلاق جميع الأطفال والنساء المعتقلين في سجون الاحتلال، مقابل الإفراج عن الأسرى المدنيين لدى المقاومة، على مرحلتين، أو لناحية وقف النار لمدة أربعة أيام في كلّ مرحلة، وعدم تحليق طيران العدو خلالها فوق جنوب قطاع غزة، ولمدة 6 ساعات يومياً في شمال غزة، او لناحية فرض إدخال كميات كبيرة من مواد الإغاثة والوقود والمستلزمات الصحية والأدوية إلى القطاع، وهو ما كانت حكومة الحرب الصهيونية ترفض القبول به وتماطل بشأنه، في محاولة لتحقيق إنجاز في الميدان والوصول إلى مكان بعض الأسرى وإطلاقهم من دون دفع الثمن، وممارسة الضغوط على قيادة المقاومة للإفراج عن بقية الأسرى بلا مقابل، لكن رهانات حكومة العدو لم تتحقق، حيث بعد 46 يوماً على العدوان ونحو ثلاثة أسابيع على الهجوم البري جاءت النتائج مخيّبة لآمال قادة العدو وفي مقدّمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي وجد نفسه أخيراً أمام طريق مسدود ومجبر على تبرير دفع ثمن إطلاق جزء من الأسرى، عبر القبول بصفقة تبادل وفق شروط المقاومة، ما يعني إنجازاً كبيراً للمقاومة، وبداية أول تراجع إسرائيلي عن أهدافه وهو إطلاق الأسرى من دون شروط، الأمر الذي لم يتحقق..
على انّ حكومة العدو أكرهت على القبول بذلك وتقديم التنازلات في هذه الصفقة، بسبب العوامل التالية:
العامل الأول، استمرار صواريخ المقاومة بالانطلاق من غزة على مدن ومستوطنات الاحتلال.. وهذا يعني أنّ جيش الاحتلال وطيرانه الأحدث في العالم فشل في تدمير منصات الصواريخ ووقف صواريخ المقاومة من مواصلة إطلاقها.
العامل الثاني، قدرات المقاومة لم تضعف والقتال لم يتوقف للحظة في كلّ المناطق التي دخل اليها جيش الاحتلال حيث ظلّ، حتى قبيل دقائق من دخول الهدنة حيّز التطبيق، يواجه هجمات وضربات المقاومة التي توقع الخسائر الفادحة في صفوف قواته التي توغلت إلى بعض مناطق غزة وتمنعها من السيطرة على ايّ منطقة، فيما جنود العدو لم يترجّلوا من دباباتهم ما يعني أنهم خائفون من مواجهة رجال المقاومة وكمائنهم في حرب الشوارع..
العامل الثالث، عدم نجاح جيش الاحتلال في الوصول الى مكان تواجد الأسرى الصهاينة، عدا عن إخفاقه في تحرير جزء منهم…
العامل الرابع، فشل جيش الاحتلال في الوصول الى مراكز السيطرة والتحكم لقيادة المقاومة التي لا تزال تعمل ولم تتأثر أو يحصل ايّ ارتباك لديها في إدارة المعركة في ميدان القتال ما يعني أنّ جيش الاحتلال فشل أيضاً في توجيه ضربة لقيادة المقاومة..
العامل الخامس، عدم تمكن العدو من الوصول الى الأنفاق الهجومية التي تستخدمها المقاومة في الانطلاق منها لشنّ هجماتها ومن ثم العودة إليها، وبالتالي فشله في تدمير مخازن الصواريخ أو توجيه ضربة لقدرات المقاومة البشرية، التي تشير كلّ الوقائع إلى أنها لا تزال بكامل جاهزيتها ولم تتأثر نتيجة القصف التدميري غير المسبوق الذي قام به طيران ومدفعية العدو.
العامل السادس، ازدياد ضغط عائلات الأسرى الصهاينة على حكومة نتنياهو لإعطاء الأولوية لإطلاق الأسرى عبر التبادل، والقلق من تنامي شعور عام لدى الرأي العام الإسرائيلي بأنّ الحكومة لم تعد تهتمّ لحياة الاسرائيليين..
العامل السابع، تزايد ضغط الإدارة الأميركية عل حكومة نتنياهو للقبول بصفقة للإفراج عن الأميركيين من حملة الجنسية المزدوجة.. وذلك لتمكين الرئيس جو بايدن الحدّ من نقمة الرأي العام الأميركي، وتراجع شعبيته.. على خلفية دعمه اللامحدود للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وارتكابه المجازر الوحشية ضدّ الأطفال والنساء وقصف المستشفيات ودور العبادة إلخ…
هذه العوامل أوصلت نتنياهو إلى طريق مسدود في سعيه إلى تحقيق أهدافه في القضاء على المقاومة أو إضعاف قدراتها واستعادة الأسرى الصهاينة بلا قيد ولا شرط، ولهذا أجبر في نهاية المطاف على الإقرار بفشله والتخلي عن لاءاته والرضوخ لشروط المقاومة، الأمر الذي اعتبره المعلقون الصهاينة هزيمة لـ «إسرائيل» وانتصاراً لحركة حماس.. وهو ما أقرّت به الصحف الاسرائيلية حيث رأت «يديعوت احرونوت»، «انّ هذه ليست صفقة.. هذا ابتزاز واضطرار، ولم يكن هناك مفرّ من دفع هذا الثمن، وأـنه «لا مكان لهتاف النصر ولا حتى لأدنى هتاف.. والادّعاء الذي تعالى من أقوال بنيامين نتنياهو كأنّ إسرائيل حققت إنجازاً كبيراً في المفاوضات بعيد عن الحقيقة».. مشيرة إلى «أنّ السنوار حصل في النهاية على مراده».
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول انّ المقاومة نجحت في كسر استراتيجية نتنياهو ومجلسه الحربي، وأجبرته على التراجع وتقديم التنازل، والرضوخ لشروطها، وهو ما يشكل انتصاراً يكمل انتصار 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك بفضل صمود وإنجازات المقاومين في الميدان الذين أحبطوا أهداف جيش الاحتلال وأغرقوه في مستنقع من الاستنزاف لم يسبق أن شهده من قبل