ما يجري على أرض فلسطين المحتلة اليوم وتحديداً في قِطاع غزَّة ليس من قبيل الفعل ورد الفعل كما في كُلِّ مرَّة، وإنَّما هو مُخطَّط يتجاوز القِطاع، بل كُلُّ فلسطين المحتلَّة، وهذا المُخطَّط أخذت ملامحه تبدو مع كُلِّ يوم، ومع كُلِّ موقف، ومع كُلِّ قنبلة وكُلِّ سلاح مُحرَّم دوليًّا، ومع كُلِّ انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وكما في كُلِّ مُخطَّط تآمري لا يخلو من أطراف أصيلة وأخرى وكيلة وأدوات تنفيذ.
ومن مسار الأحداث الجاريةِ فصولُه على أيدي الفاشيَّة والنَّازيَّة الجديدة ضدَّ قِطاع غزَّة ومعه الضفَّة الغربيَّة، وحالة الصَّمْت المُطْبق، أو بالأحرى حالة التأييد في السِّر والعَلَن، يتبيَّن أنَّ فلسطين ليسَتْ استثناءً من بَيْنِ الدوَل العربيَّة الفاعلة الَّتي جرَى تدميرُها ومحاولة إخراجها من المعادلة الإقليميَّة وجميع المعادلات، وعزْلُها عن القضيَّة الفلسطينيَّة، وعن دعم الشَّعب الفلسطيني ونضاله ضدَّ الظلم والإرهاب والاحتلال.
لكن ما يُلفتُ الانتباهَ مع كُلِّ مُخطَّط تآمريٍّ أنَّ هناك مَنْ قَدْ باعَ وخانَ، ومَنْ هو على طريق البيع والخيانة منتظرًا العروض ومقدارها، ومعرفة موقعه ما بعد إنجاز المُخطَّط، فكما رأى العالَم وعَلِمَ كيف جرَى الإعداد لغزو العراق واحتلاله، ووقف على الأسماء الحاملة للجنسيَّة العراقيَّة باسم «المعارضة» وكيف هيَّأت الأجواء، ومارسَتْ دَوْرًا في عمليَّة الإقناع بالمشاركة في التضليل والفبركة والتدليس ضدَّ الحكومة العراقيَّة القائمة آنذاك، وكما رأَى العالَم وشاهَدَ الأمْرَ ذاته في سوريا وليبيا واليمن، يُتابع (العالَم) اليوم فصول المشاركة في عمليَّة الإبادة الجماعيَّة بحجَّة أنَّ انتصار غزة في عمليَّة «طوفان الأقصى» سيُمثِّل تحدِّيًا وتهديدًا خطيرًا لمستقبل دوَل الجوار والدوَل الأخرى، والمصالح الغربيَّة في الإقليم، لِتصلَ عمليَّة انتهاز الفرص وبلوغ حالة العمالة والخيانة مبلَغها بالتصريح علنًا ودُونَ تورُّع عن أنَّ المستشفيات في قِطاع غزَّة وفي مُقدِّمتها مستشفى الشفاء هو مركز قيادة حركة حماس وجناحها كتائب الشهيد عز الدين القسَّام، مُواكِبًا هذا التصريح ومُتناغِمًا مع حمَلات الكذب والتضليل والافتراء الَّتي قادَها كيان الاحتلال الصهيونيِّ والبيتُ الأبيض.
اللافت أنَّ افتضاح الكذب والتضليل هو القاسم المشترك، فكما افتُضحَ الكذَّابون والمُضلِّلون الأميركيون والبريطانيون ومن ورائهم العملاء المحسوبون على العراق بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، ها هُمُ الصهاينة وساكنو البيت الأبيض والبنتاجون ومَنْ معَهم في رام الله المحتلة بالمقاطعة وخارج فلسطين مَنْ ينتظر اللحظة، ينكشف كذبهم بعدم وجود مراكز قيادة تحت مستشفى الشفاء، ولِيَسْترَ المُرجفون من الصهاينة وعملائهم سوءاتهم حاولوا إخراج المسرحيَّة الهزليَّة بتصوير أسلحة بالية قَدْ عفَا عَلَيْها الزمن وأكل وشرب.
إذًا، حقيقة ما يجري ويُخطَّط له هي التهجير القَسريُّ لسكَّان قِطاع غزَّة، وتدميرُ المستشفياتِ والقضْمُ التدريجيُّ للمباني السَّكنيَّة بنَسْفِها على رؤوس ساكنيها إحدى الوسائل لتفريغ القِطاع من أهْلِه، حيث الباعة والشركاء في المُخطَّط يستعدون لإقامة مستشفيات خارج غزَّة لعلاج المُصابِين أو ترحيلهم إلى دوَل تتشارك المُخطَّط، وهذا يعني عدم إمكان عودة هؤلاء إلى قِطاع غزَّة، أو محاولة تدجينهم وتوظيفهم عملاء، كما حصلَ مع السوريِّين الَّذين هُجِّروا قَسْرًا وجرَى تدجينُهم والزَّجُّ بهم في التنظيمات الإرهابيَّة لِيكونُوا رماحًا تنحر الوطن السوريَّ.. حقًّا لا ينحر الأوطان مِثل خوَنَتُها للأسف الشديد. وكما وجد مِنَ الباعة مِنْ قَبل أنْفُسَهم في مزابل التاريخ تطاردهم وصمة العار، سيجدُ مَنْ بعدهم المصير ذاته، هذه هي حقائق التاريخ.
خميس بن حبيب التوبي