“سي آي أيه” للشاباك: ثقتنا بكم كانت في غير محلها… لقد فشلتم في أداء مهمتكم

ما لا يمكن أن تقوم به CIA من أعمال قذرة يمكن أن يقوم بها الشاباك، فهو يؤدي دور القفازات التي يتم لبسها وتنفيذ بعض الأعمال القذرة بها، حرصاً على عدم تلوث جسد مرتكب الفعل الرئيس.

د. منذر علي أحمد

مدير الإعلام الإلكتروني في وزارة الإعلام السورية

"سي آي أيه" للشاباك: ثقتنا بكم كانت في غير محلها... لقد فشلتم في أداء مهمتكم


كأن لسان حال قادة الـ «سي آي أيه» يقول لقادة الشاباك إن تركيزنا كان خاطئاً، وثقتنا بكم كانت في غير محلها. لقد فشلتم في أداء المهمة التي كُلفتم إنجازَها.

بغضّ النظر عما ستؤول إليه الأمور في غزة بعد الحرب الهمجية التي تقف في واجهتها “إسرائيل”، بينما تقودها الولايات المتحدة الأميركية من خلف الستار، لا شك في أن جردة حساب سريعة تفضي إلى أن هناك مراجعات كثيرة ستقوم بها الولايات المتحدة وأجهزتها.

ولعل الجهاز الذي سيقوم بالمراجعة الشاملة هو جهاز الاستخبارات الأميركية CIA . هذا الجهاز سيُعَدّ من أكبر المقصرين، فهو ليس جهاز استخبارات عادياً يدار عبر موازنات وكفاءات تقليدية، بل هو جهاز يدير ويدرب أو يشرف على أجهزة أمن واستخبارات في دول متعددة، من بينها جهاز الشاباك، الذي يعدّه ذراعه الضاربة وعينه التي يرى بها عن قرب ما يجري في دول الشرق الأوسط وغيرها من الدول، التي يكلَّف القيام بعمليات تجسسية فيها.

فما لا يمكن أن تقوم به CIA من أعمال قذرة يمكن أن يقوم بها الشاباك، فهو يؤدي دور القفازات التي يتم لبسها وتنفيذ بعض الأعمال القذرة بها، حرصاً على عدم تلوث جسد مرتكب الفعل الرئيس.

لعل عدة تقارير فضحت حجم الاعتماد والتفويض الكبيرين، واللذين مُنحا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وخصوصاً بعد ازدياد العبء على الولايات المتحدة الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والتي (إذا افترضنا أنها لم تكن فعلاً أميركياً مدبراً) يمكن أن يُنظَر إليها، في أبسط الأمور، على أنها فشل استخباري فظيع.

وبناءً على نتائج تلك الهجمات، تم ما يشبه إعادة هيكلة وترتيب للبيت الاستخباري الداخلي الأميركي، بحيث قدمت مقترحات، مفادها أن دائرة الأعداء للولايات المتحدة اتسعت، وأن القطب الأوحد للعالم يحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياته ومعرفة الدرجة والمستوى لخطورة أعدائه.

من هنا، جاءت أهمية إعادة تشكيل ما يعرف بـمجتمع الاستخبارات الأميركية I.C، والذي يشمل جميع وكالات الاستخبارات الخارجية والعسكرية ومكاتب الاستخبارات والتحليل التابعة للإدارات التنفيذية الاتحادية، والذي كان تأسس في عام 1981 بأمر من الرئيس الأميركي حينئذ رونالد ريغان، وهو اتحاد يضم 16 وكالة استخبارية حكومية، تقوم بأنشطتها المتعددة من أجل دعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركيين. وتشير التقديرات إلى أن المجتمع يتألف من أكثر من 800 ألف موظف ومتعاقد.

منذ عام 2004، تم تنظيم وكالة الاستخبارات المركزية تحت إدارة مكتب مدير الاستخبارات الوطنية. وعلى الرغم من نقل بعض صلاحياتها إلى مدير الاستخبارات الوطنية، فإم حجم وكالة الاستخبارات المركزية نما كرد فعل على هجمات 11 أيلول/سبتمبر.

ولعل أبرز إخفاقات هذا المجتمع الاستخباري قبل تأسيس مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، كان فشله في التنبؤ ومعرفة التخطيط للقيام بهجمات الـ 11 من أيلول/سبتمبر 2001، والتي توصلت تحقيقات لجنة الكونغرس الأميركي إلى أن أسبابها تعود بصورة رئيسة الى عدم التعاون المعلوماتي بين أجهزة الاستخبارات (بين الـ CIA والـ FBI).

وبناءً عليه جاءت التوصية بإنشاء وكالة استخبارية مستقلة تشرف على كل الأجهزة الاستخبارية وسير التعاون والتبادل فيما بينها. وفي عام 2013، ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أنه، في السنة المالية 2010، كان لدى وكالة الاستخبارات المركزية أكبر ميزانية لجميع وكالات مجتمع الاستخبارات، متجاوزة التقديرات السابقة.

من هنا بدأ التركيز الاستخباري ينزاح ويزداد باطّراد، ويتوسع إلى أهداف تسعى للسيطرة عليها. وخير مثال ما جرى من تركيز وتغلغل في بلدان، مثل أفغانستان والعراق وإيران والصين وروسيا، في حين تم إيلاء مهمة مراقبة أنشطة حماس والفصائل الفلسطينية بصورة مباشرة لـ”إسرائيل”.

فالأصيل هنا تخلى عن مهماته للوكيل، بسبب انشغالاته المتعددة ونتيجة إيمانه بأن هذا الوكيل نضج وأصبح قادراً على القيام بالأمور بنفسه، لكن أحداث غزه الأخيرة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر جاءت لتقول عكس ذلك، فالتركيز كان خاطئاً، ويبدو أن المهمة التي مُنحت للشاباك كانت أكبر من إمكاناته.

من المعروف أن أجهزة الأمن الإسرائيلي العام تضم ثلاثة أجهزة رئيسة، تشمل كلاً من وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) و(الشاباك)، وهو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي.

لعل الفشل الاستخباري غير المسبوق في غزة، والتفاصيل المخزية عن أجهزة “إسرائيل” ومجريات ما جرى هناك، في ظل غياب وجهل وعملية تعمية وتضليل لأجهزة الشاباك لفترة امتدت أعواماً طويلة، وليس فترة قصيرة سبقت تنفيذ الهجوم، أمر يوازي بل يفوق حجم الفشل الذي عانته أجهزة الاستخبارات الأميركية عقب أحداث أيلول/سبتمبر.

ولعل محاولة رئيسَي الشاباك وأمان تقديم اعتذار إلى الإسرائيليين، وإعلان أنها يتحملان المسؤولية الكاملة عن الفشل الاستخباري الذي وقع في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لن يخففا حجم الملامة الملقاة عليهما من أهالي الأسرى والجنود الاسرائيليين الموجودين في قبضة حماس.

الشاباك، أو “شين بيت”، هو أصغر الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، لكنه أكثرها حضوراً وتأثيراً في صنّاع القرارين السياسي والعسكري في “إسرائيل”. ولا يمكن مقارنة تأثيره الطاغي بتأثير أي جهاز أمني آخر في “إسرائيل”.

والسبب في هذا النفوذ أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكنها أن تتخذ قراراً يتعلق بالصراع مع الشعب الفلسطيني من دون الحصول على موافقة قيادة الشاباك. وتُجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الحكومة تضرب بعرض الحائط توصيات سائر الأجهزة الأمنية الأخرى، إذا كانت تتعارض مع التوصيات التي يقدمها الشاباك.

وأعلن رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، أنه يتحمل مسؤولية هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة. وفي رسالة كتبها إلى موظفي الشاباك وعائلاتهم، قال بار: “على رغم سلسلة من الأنشطة التي قمنا بها، فإننا، للأسف في يوم السبت، لم ننجح في خلق تحذير كاف قادر على إحباط الهجوم. كمن يقف على رأس المنظمة، فإن المسؤولية عن هذا تقع عليّ، وسيكون هناك وقت للتحقيقات، لكننا الآن نحارب”.

حجم الفشل الكبير لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والذي ظهر جلياً خلال أحداث غزة، قد يُضطر الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في خططها وفي تمويلها واعتمادها على أجهزة فاشلة عجزت عن حماية نفسها، وعن معرفة ما يدور في بيتها الداخلي.

فبطبيعة الحال، هي غير مؤهلة لحماية “الأمن القومي” الإسرائيلي، الذي هو امتداد للأمن القومي الأميركي والمصالح الأميركية، بحيث أشارت تقارير صحافية إلى أن كتائب الشهيد عز الدين القسّام استطاعت خداع كبار مسؤولي كيان الاحتلال الأمنيين والعسكريين والسياسيين وتضليلهم، واستطاعت أيضاً خداع وكالة الاستخبارات المركزية وتضليلها.

كل هذا جرى والمياه تجري من تحت أقدام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي عجزت عن كشف أي خيط من خيوط ما يجري في غزة، على رغم إنفاقها مبالغ كبيرة على تجنيد الجواسيس وزرعهم في غزة. لقد أثبتت الوقائع، التي جرت في غزة، خطأ المسؤولين الإسرائيليين في تقديرهم للتهديد الذي تشكله حماس، طوال أعوام، وبصورة أكثر خطورة في الفترة التي سبقت الهجوم، وعدم وجود أي خطة طوارئ لمواجهة أمر كهذا.

المقاومة خدعتنا جميعاً
ذكر بعض المصادر المطلعة على التقويمات الأمنية أن التقويم الرسمي للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي، منذ أيار/مايو 2021، هو أن حماس ليس لديها مصلحة في شن هجوم من غزة قد يستدعي رداً مدمراً من “إسرائيل”.

وبدلاً من ذلك، قدّرت الاستخبارات الإسرائيلية أن حماس كانت تحاول إثارة العنف ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية. وحتى في ليلة تنفيذ الهجوم، قام مسؤولو الاستخبارات والأمن القومي الإسرائيليون بإقناع أنفسهم بأن حماس ليس لديها مصلحة في خوض الحرب، وافترضوا في البداية أن الأمر كان مجرد تدريب ليلي.

ربما عرفت “إسرائيل” أن قوة حماس تزداد مع مرور الوقت، بفضل الدعم والتدريب المقدمين من محور المقاومة. فحماس عام 2009 ليست حماس عام 2023، لكن المسؤولين الإسرائيليين اعتقدوا أن في إمكانهم احتواء حماس عبر غرس شبكة واسعة من المندسين والجواسيس، وأدوات مراقبة متطورة من شأنها تقديم إنذارات مبكرة بشأن الهجمات، وتحصينات حدودية لردع أي هجوم بري محتمل لحماس.

كما اعتمدت على نظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية” في اعتراض الصواريخ والقذائف التي تطلق من غزة، وتحصينات خاصة بالبوابات وجدار الفصل ومجسّاته فوق الأرض وتحتها، لكن لم يخطر في بالهم أن هجوم حماس سينحو ذلك المنحى غير المسبوق من ناحية التخطيط والتنسيق والتوقيت والمعدات.

لقد جاء الهجوم من فوق الأرض وتحتها ومن سمائها. وعلى الرغم من التقنيات التكنولوجية المتطورة، والتي تمتلكها “إسرائيل” في مجال التجسس، فإنه كان لافتاً خضوع مقاتلي حماس لتدريب مكثف على الهجوم، بحيث لم يتم اكتشافهم فعلياً لمدة عام على الأقل.

وزاد في قوتهم تنظيمهم وتسلحهم بالمعلومات الدقيقة، بحيث كان لدى المقاتلين، الذين تم تقسيمهم إلى وحدات متعددة ذات أهداف محددة، معلومات دقيقة عن القواعد العسكرية الإسرائيلية ومخططات الكيبوتسات، مستفيدين من حالة التراخي الإسرائيلي والاستهتار بقوة الخصم وداعميه.

وهذا الاستهتار وصل إلى مراحل خطيرة، بحيث تم التوقف عن متابعة أجهزة اللاسلكي المحمولة الخاصة بمقاتلي حماس. وذكر بعض التقارير أن وكالة استخبارات الإشارات الإسرائيلية، والتي تُعرف بالوحدة 8200، توقفت عن التنصت على تلك الشبكات قبل عام، لأنها عدّت ذلك مضيعة للجهد والوقت. ربما سياسة النفَس الطويل، وعملية التضليل الطويلة الممنهجة والتي اتبعتها المقاومة الفلسطينية، أدتا إلى اتخاذ “إسرائيل” مثل هذا القرار وغيره من القرارات التي استغلتها المقاومة خير استغلال، وأدت إلى تحقيق تلك النتائج غير المسبوقة.

ما لا شك فيه أن الجهل والغياب للاستخبارات الإسرائيلية سيؤديان، بطريقة حتمية، إلى إعادة الولايات المتحدة إلى طريقة تفكيرها وتعاملها مع هذه الأجهزة التي أثبتت فشلها في معرفة خبايا ما يجري على مقربة منها، فما بالك بمقدار الجهل والعجز فيما يتعلق بملفات أكثر حساسية في بلدان، مثل إيران وسوريا والعراق واليمن وبعض دول أفريقيا وحلفائها.

فهل هناك أي ثقة بعد الآن بأي من التقارير والدراسات التي يمكن أن يقدمها الشاباك إلى سيده الأميركي؟ هل إن قال له إن إيران غير مستعدة وغير جاهزة لأي مواجهة عسكرية مع أميركا سيتم تصديق هذا الأمر وهذه التقديرات؟ بالتأكيد لا، فأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فقدت ثقة الأميركي، وسجل جهاز الاستخبارات الإيراني هدفاً في مرمى “سي آي أيه”، ستحتاج “إسرائيل” وأميركا إلى أعوام كي يتم رده.

لعل التصريحات غير المسؤولة، والتي يتفوه بها مسؤولو الكيان الصهيوني، والتي كان أبرزها تصريح وزير التراث ‎الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، والذي أكد أنه يؤيد قصف القطاع بقنبلة نووية، مؤكداً أن مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جزء من ثمن الحرب، تلك التصريحات تقول إن هذا الكيان المهتز يعيش حياة سجين نزع مسمار أمان قنبلة، وهو قابع في غرفة سجنه، فبات غير قادر على أن يلقيها أو أن يحتفظ بها فترة أطول. فعاجلاً أو آجلاً سوف تنفجر فيه.

إن كان هذا حال الشاباك مع قطاع غزة، الذي يقع تحت مجهره ومراقبته، براً وبحراً وجواً، ويعرف تعداد ما فيه من حجر وبشر وشجر. فكيف سيكون حاله في أي مواجهة مع حزب الله وقلعته الحصينة، وهو الحزب الذي عجزت أكبر أجهزة الاستخبارات عن اختراق أسراره وخططه ومعرفة خباياه، عندما قال السيد حسن نصر الله إن “إسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت. فالجميع بات يدرك صواب ما قاله وصدقه، لأنها عجزت عن حماية ما سرقته من الشعب الفلسطيني.

Exit mobile version