كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
عقدت آلية المراقبة الخماسية المشرفة على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار اجتماعها الثاني لها منذ تشكيلها في مقرّ قيادة “اليونفييل” في الناقورة، الأربعاء الفائت، في الوقت الذي لا تزال قوّات الإحتلال “الإسرائيلي” منتشرة على التلال المقابِلة لمكان الإجتماع، وتقوم بأعمال تجريف للمنازل، وفي ظلّ الإستمرار في خرق الإتفاق المذكور. الأمر الذي جعل البعض في الداخل يتساءل عن جدوى هذه اللجنة برئاسة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، وعمّا إذا كان الأميركي يتحيّز للإسرائيلي ويغضّ النظر عن خروقاته للإتفاق التي وصلت الى أكثر من 130 خرقاً منذ 27 تشرين الثاني المنصرم؟ علماً بأنّ اللجنة تتألف من الفرنسي و”اليونيفيل” واللبناني أيضاً. فضلاً عن التساؤل إذا ما كانت “إسرائيل” تستغلّ اتفاق وقف النار لتشريع بقاء قوّاتها في الأراضي التي احتلتها أخيراً، أم أنّها ستنسحب منها بعد انقضاء فترة الـ 60 يوماً التي تنتهي في 27 كانون الثاني المقبل، في ظل وجود اللجنة التي تُشرف على تنفيذ الإتفاق؟
أوساط ديبلوماسية مواكبة لعمل لجنة المراقبة اعتبرت أنّ “اتفاق وقف النار” نصّ على انسحاب القوّات “الإسرائيلية” من الأراضي اللبنانية خلال فترة الـ 60 يوماً التي حدّدها، في حين أنّ مهندس هذا الإتفاق الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين تحدّث قبل تشكيل “آلية الإشراف على الإتفاق” أنّ “إسرائيل” ستنسحب من الأراضي اللبنانية في أقلّ من هذه الفترة. غير أنّ لبنان حتى الساعة لم يُسجّل أي إنسحاب للقوّات “الإسرائيلية” من المناطق الحدودية التي دخلت اليها، بل تقوم فيها بما لم تتمكّن من القيام به خلال الحرب بينها وبين حزب الله. ولهذا يُخشى من أن تتملّص “إسرائيل” من وقف اتفاق النار، وأن تبقى قوّاتها في جنوب لبنان وتستمر في خرقه رغم موافقته عليه.
ويُفترض أن تعمل لجنة المراقبة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الخروقات، حتى من دون أن تنتظر أن تتقدّم الحكومة اللبنانية اليها بالشكاوى عنها سيما وأنّها تراها بأمّ العين خلال وجودها في المنطقة الجنوبية. وإلّا فإنّ وجودها سيكون من دون جدوى، على غرار الأمم المتحدة التي أودع لديها لبنان أكثر من 35 ألف خرق “إسرائيلي” للسيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً وللقرار 1701 منذ 11 آب من العام 2006، وحتى 7 تشرين الأول من العام 2023، ولم تتخذ أي إجراء أو قرار يدين “إسرائيل” أو يُرغمها على وقف الإعتداءات وعلى احترام القرار المذكور والإلتزام ببنوده.
وتحدّثت الأوساط عن أنّ هناك 3 سيناريوهات محتملة للتمادي “الإسرائيلي” على الحدود الجنوبية، لا سيما بعد سقوط النظام السوري واحتلال القوّات “الإسرائيلية” لجبل الشيخ والبقاء فيه من دون اعتراض من أي جهة، في ظلّ التزام حزب الله ببنود إتفاق وقف إطلاق النار، وعدم خرقه إيّاه سوى مرتين للردّ على الإعتداءات الإسرائيلية، هي:
1- إنسحاب القوّات “الإسرائيلية” بعد انتهاء فترة الـ 60 يوماً التي حدّدها اتفاق وقف إطلاق النار، أي بعد 27 كانون الثاني المقبل، من المناطق الحدودية التي توغّلت اليها واستقرّت فيها خلال الحرب الأخيرة مع حزب الله، والإلتزام بوقف إطلاق النار. علماً بأنّها مرغمة على الإنسحاب من كامل الأراضي اللبنانية وفق الحدود الدولية المتفق عليها في اتفاقية الهدنة في العام 1949 والتي هي بحدود 82 كلم بموجب هذه الإتفاقية. ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر والنخيلة التي احتلّتها “إسرائيل” في العام 1967 ذُكرت في المادة العاشرة من القرار 1701، إذ دعت فيها الى ترسيم الحدود في المناطق المتنازع عليها والمناطق غير المحدّدة أو غير المؤكّدة، ومنطقة مزارع شبعا، مشيرة الى “الإهتمام بقضية مزارع شبعا”. ولكن ما ينصّ عليه القرار المذكور لم يحصل. فرغم اتخاذ هذا القرار بقيت المناطق المتحفّظ عليها، كما هي، لا بل تقدّمت “إسرائيل” الى الخط الأزرق، وقضمت 17 منطقة من خط الهدنة، بما فيها بلدة الغجر والماري، ولم تنسحب من مزارع شبعا. علماً بأنّ الخط الأزرق ليس خطّاً دولياً، إنما هو خط التحقّق من الإنسحاب “الإسرائيلي”.
2- إمكانية أن تنسحب “إسرائيل” من المناطق الحدودية التي دخلت اليها ولا تلتزم باتفاق وقف النار، على غرار ما فعلت بعد اتخاذ القرار 1701 إذ استمرّت في خروقاته لها وللسيادة اللبنانية.
3- عدم الإنسحاب من البلدات الحدودية وعدم وقف إطلاق النار. وهو الإحتمال المرجّح أكثر من سواه، لا سيما في ظلّ ما تشهده هذه المناطق من خروقات “إسرائيلية” علنية تتمثّل بهدف المنازل وجرف الأراضي وما الى ذلك.
فالعدو “الإسرائيلي”، على ما أضافت الأوساط، حاول منذ ما قبل إعلان موافقته على “اتفاق وقف النار” مع لبنان، الترويج الى أنّه أخذ ضمانات أميركية في ملحق مرفق بالإتفاق عن “حرية التحرّك في لبنان”، الأمر الذي نفى المسؤولون اللبنانيون وجوده ضمن الإتفاق، وقالوا بأن لا علاقة للبنان باي إتفاق جانبي يُعقد بين أميركا و”إسرائيل”. ولكن في ظلّ التحرّكات التي تقوم بها “إسرائيل” اليوم على هواها في لبنان وسوريا، لا سيما بعد سقوط النظام، إذ تقدّمت الى بُعد كيلومترات من العاصمة دمشق، و12 كلم من معبر المصنع، لا يشير الى أنّها ستُنفّذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار بعد انقضاء الفترة المحدّدة، بل ستُحاول عدم الإلتزام بما ينصّ عليه لجهة الإنسحاب من الأراضي اللبنانية، لكي تبقى في المناطق الحدودية وتُنفّذ الخروقات التي تريدها ووقتما تشاء، طالما أنّ “آلية المراقبة” تقوم بحمايتها بدلاً من أن تُطالبها بتطبيق بنود الإتفاق، والبدء بالإنسحاب التدريجي من المناطق الحدودية، سيما وأنّ الجيش اللبناني انتشر في المنطقة الجنوبية، وبات بإمكانه أخذ مواقعها بعد إخلائها.
ولكن لكي لا يتمّ الحكم على النوايا، على ما عقّبت الأوساط، لا بدّ من انتظار ما ستقوم به القوّات “الإسرائيلية” بعد انتهاء مهلة الـ 60 يوماً، وما هي الإجراءات التي ستتخذها “آلية المراقبة” بحقّها خلال هذه المدّة، ما دامت لا تزال تقوم بالخروقات، وتدّعي بأنّها تدخل ضمن “حقّها في الدفاع عن النفس”، في حين أنّ الواقع هو عكس ذلك تماماً. مع الإشارة الى أن لا أحد يواجهها اليوم، سيما وأنّ حزب الله أوقف إطلاق النار، ويلتزم بالإتفاق الذي وافق عليه، وترك للحكومة اللبنانية مهمّة الأمن وحماية الحدود. الأمر الذي سيجعل الجيش اللبناني يُواجهها في حال رفضت الإنسحاب من الجنوب.