الكاتب: حسن حردان
لم يكن قادة الحرب الصهاينة يتوقعون أن يغرق جيشهم النازي في مستنقع غزة، وأن يفشل في تحقيق أهداف حربهم التي أعلنوها اثر هجوم المقاومة الصاعق في غلاف غزة في 7 اكتوبر، رغم دخول الحرب شهرها الرابع.. فقد صُدم قادة العدو وجنرالاته مما يواجهه جيشهم من شدة وقوة المقاومة وقدرتها على خوض حرب الشوارع والعصابات بحنكة وذكاء، معززة بالجاهزية والاستعداد والقدرات التي تحوز عليها لمواصلة حرب استنزاف طويلة النفس ضدّ جيش الاحتلال الذي وجد نفسه عرضة لهجمات المقاومين، وكمائنهم وعبواتهم الناسفة، لا يعرف من أين يخرجون له من أنفاقهم وينقضون على دباباته ومدرّعاته وجنوده.. ومن ثم يتوارون عن الأنظار…
هذا الواقع الميداني أدى عملياً، بعد أكثر من ثلاثة أشهر على بدء العدوان، إلى ما يلي:
أولاً، نجاح المقاومة في تكبيد جيش الاحتلال خسائر كبيرة بتدمير مئات الدبابات والمدرعات والجرافات، وقتل وجرح الآلاف من ضباطه وجنوده.. مما أجبر لواء غولاني على الخروج من المعركة بعد ان مُني بخسائر تجاوزت 40 بالمائة من عديده وآلياته..
ثانياً، عدم تمكن جيش الاحتلال من فرض سيطرته على المناطق التي دخل إليها ودمّرها، بفعل استمرار هجمات المقاومة.. مما أجبره على الانسحاب منها لتجنب ضربات المقاومة.
ثالثاً، فشل جيش الاحتلال في القضاء على المقاومة أو النيل من قدراتها باعتراف وزراء في حكومة العدو، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
رابعاً، إخفاق جيش الاحتلال في الوصول الى أماكن تواجد قيادات المقاومة وغرفة عملياتها، وبالتالي فشله في ضرب مركز القيادة والتحكم في إدارة المقاومة لحرب الاستنزاف ضدّ قوات الاحتلال..
خامساً، عدم تمكن جيش الاحتلال من استعادة زمام المبادرة من المقاومة التي ظلت تتحكم بالميدان ويدها هي العليا..
سادساً، فشل جيش الاحتلال في تحرير بعض أسراه لدى المقاومة، وعجزه عن تحقيق صورة نصر يستطيع من خلالها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو القول انه حقق إنجازاً بعد أكثر من ثلاثة أشهر على عدوانه النازي على قطاع غزة.
سابعاً، عجز جيش الاحتلال، رغم تفوّقه وسيطرته على أجواء غزة وحصي أنفاس أهلها، في منع المقاومة من مواصلة إطلاق صواريخها ضد مدن ومستعمرات الاحتلال في جنوب فلسطين المحتلة، وحتى تل أبيب..
هذه النتائج من الفشل والإخفاق، لجيش الاحتلال، دفع قيادته إلى اتخاذ قرار الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، التي تستهدف إعادة انتشاره قواته والبدء بإخراجها من داخل غزة، ومستنقع الاستنزاف، والعمل على التمركز في مناطق تحدّ من تعرّضه لهجمات المقاومة، والعمل على إقامة منطقة حزام أمني بعمق كيلومتر داخل غزة، واستخدامها منطلقاً لشنّ هجمات نوعية ضد المقاومة.. غير انّ هذا القرار لقيادة جيش الاحتلال أدى إلى تفجير الخلاف بينها وبين نتنياهو الذي رفض البحث بالانتقال إلى المرحلة الثالثة، ويريد استمرار الحرب حتى تحقيق اهدافها، للتهرب من المحاسبة عن الإخفاق في 7 اكتوبر، وزاد من حدة الخلاف إعلان رئيس الأركان هرتسي هاليفي عن تشكيل لجنة من جنرالات سابقين برئاسة رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز، مهمتها التحقيق في أسباب الفشل والإخفاق في 7 اكتوبر.. حيث نظم نتنياهو هجوماً ضد هاليفي..
على انّ هذا الخلاف أدى إلى انفجار الانقسام داخل الحكومة بإعلان عضو مجلس الحرب بني غانتس أنّ نتنياهو يختار السياسة، على الوحدة والأمن.. فيما أعلن 169 جنرالاً وضابطاً سابقين تضامنهم مع هاليفي…
هذه الانقسامات داخل الكيان تعتبر مشهداً غير مسبوق، لا سيما أنها ترافقت مع تزايد أعداد الاسرائيليين المطالبين باستقالة نتنياهو والإطاحة به خلال الحرب، بما يزيد من عدم الثقة بقدرة نتنياهو على قيادة الكيان وتحقيق أهداف الحرب، الأمر الذي يعكس حدة الانقسام، والتي عززها دعوة رئيس الأركان السابق يائير غولان بني غانتس للاستقالة من الحكومة لأنّ بقاءه فيها يحمي حكومة نتنياهو من السقوط.
وقد عزز من هذا الانقسام وتزعزع وضع نتنياهو، اتساع التظاهرات التي شهدتها يوم السبت الفائت، مدن تل أبيب وحيفا والقدس وشارك فيها عشرات الآلاف طالبوا باستقالة نتنياهو والعمل على إيجاد حلّ للإفراج عن الجنود الأسرى، وإلا فإنهم سيصعّدون احتجاجاتهم، على انّ المطالبة بوقف الحرب وإيجاد حلّ سياسي يشكل تطوراً غير معهود في زمن الحرب.. يتمّ ذلك في وقت تستمرّ فيه الانقسامات على خلفية احتدام الخلافات بين نتنياهو وقيادة الجيش، وبين نتنياهو وغانتس..
الخلاصة انّ الاتهامات التي وجهها نتنياهو لقيادة الجيش أدخلت الكيان مرحلة جديدة من الانقسام السياسي داخل الحكومة وخارجها، في ظلّ فشل جيش الاحتلال في تحقيق أي من الأهداف التي شنّ الحرب من أجلها.. وحاجته الملحة إلى الخروج من مستنقع غزة، الذي أدماه، مما يعني تكريس فشل العدوان، واتجاه الأمور حكماً نحو الرضوخ لشروط المقاومة لتبادل الأسرى، والتي يسبقها وقف الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع وفك الحصار.. وهو ما يرعب نتنياهو الذي سيكون أول من سيدفع ثمن الهزيمة أمام المقاومة…
المصادر: البناء