حسن حردان
عشية إعلان حركة حماس ردّها على مقترح اجتماع باريس لتبادل الأسرى.. أعلن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو ثلاث لاءات:
الأولى، رفض انتهاء الهدنة بوقف النار.
الثانية، رفض الانسحاب من القطاع.
الثالثة، رفض إطلاق جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال مقابل إفراج المقاومة عن الأسرى الصهاينة لديها.
هذه اللاءات التي أعلنها نتنياهو، جاءت بعد ان سرّب على لسانه قوله لعائلات الأسرى الصهاينة خلال الاجتماع بهم، انه مستعدّ لإنجاز صفقة تبادل الأسرى حتى ولو أدّت إلى انهيار حكومته، في إشارة إلى احتمال ان تتضمّن الصفقة شروطاً للمقاومة لا يوافق عليها وزراء اليمين المتطرف في حكومته الذين هدّدوه بالاستقالة في حال وافق عليها…
ماذا يعني ذلك؟
يعني انّ نتنياهو بات بين نارين او في مواجهة قوتي ضغط «إسرائيليتين»:
الأولى، قوة ضغط حراك عائلات الأسرى الصهاينة، والذين باتوا يحصلون على مزيد من التأييد لمطلبهم بإعطاء الأولوية لإطلاق أبنائهم، حتى ولو أدّى ذلك إلى قبول وقف النار والإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين كما تطالب المقاومة الفلسطينية.. كما يحظى مطلب هذه العائلات بتأييد بعض وزراء حكومة الحرب، والمعارضة.
الثانية، قوة ضغط الأحزاب الصهيونية المتطرفة داخل حكومته، الذين يرفضون وقف النار، والانسحاب من غزة، ويطالبون بمواصلة الحرب، واذا قبل نتنياهو صفقة تستجيب لمطالب المقاومة فإنهم سوف يستقيلون من الحكومة ما يعني انهيارها، وانتهاء مستقبل نتنياهو الذي توجه اليه اتهامات الفساد والمسؤولية عن الفشل في 7 أكتوبر.. ما سيجعله أمام احتمال دخوله السجن لا سيما أنه سيتمّ تحميله أيضاً المسؤولية عن فشل الحرب في غزة في تحقيق أهدافها والتسبّب بهزيمة جديدة أكثر فداحة في تداعياتها على الجيش والكيان برمته.. وستشكل انتصاراً كبيراً ومدوياً للمقاومة الفلسطينية تعزز من قوتها وشعبيتها.
أمام هذا الواقع ورفض نتنياهو لعرض زعيم المعارضة يائير لابيد إعطاء حكومته شبكة أمان في حال قبل صفقة تبادل الأسرى وانسحب وزراء الأحزاب اليمينية المتطرفة من الحكومة، أقدم نتنياهو على الذهاب نحو سلوك خيار رفض الصفقة من خلال ردّه على الصيغة التي تقدّمت بها حماس، جواباً على مقترح اجتماع باريس، وقرّر مواصلة التصعيد في الميدان والطلب إلى الجيش الاستعداد لاجتياح محافظة رفح آخر محافظات قطاع غزة التي لجأ إليها نحو مليون ونصف مليون نازح من الشمال والوسط، هرباً من حرب الإبادة الصهيونية، ويقيمون حالياً في مخيمات مؤقتة في المناطق الخالية على طول السياج الحدودي مع مصر.. ويراهن نتنياهو الذي حصل على ضوء أخضر أميركي لتنفيذ عملية اجتياح رفح، زعم أنها ستحترم القانون الدولي الإنساني، وذلك في سياق مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن له، بأن تكون العملية وفق خطة مدروسة تضمن حياة المدنيين.. يراهن بأن تؤدي هذه العملية إلى تحقيق جملة الأهداف التي فشل في تحقيقها في الشمال والوسط وخان يونس، وهذه الأهداف هي:
الهدف الاول، سحق الكتائب الأربع من قوات القسام المولجة الدفاع عن رفح.
الهدف الثالث، تحرير الأسرى الصهاينة من دون شروط.
الهدف الثالث، النجاح في قتل او اعتقال قادة القسام.
الهدف الرابع، تهجير أكبر عدد من سكان غزة إلى سيناء هرباً من القصف..
واعتبر نتنياهو في مقابلة مع شبكة ايه بي سي الأميركية، «أن من يقولون لإسرائيل انه لا ينبغي لها اجتياح رفح، كأنهم يقولون ان عليها خسارة الحرب».
ان ما تقدّم يعني انّ نتنياهو يراهن بأن تؤدي العملية إلى تحقيق النصر الذي يحلم به لتقديمه إلى الرأي العام الإسرائيلي وبالتالي نسب هذا الإنجاز اليه وتعزيز موقفه السياسي واستعادة شعبيته المتراجعة وحماية مستقبله السياسي.
لكن السؤال المطروح هو، هل سيتمكن نتنياهو من تحقيق ما عجز عنه في الشمال والوسط وخان يونس؟
اولاً، الوقائع المعطيات تؤكد انّ ما يحصل هذه الأيام، بعد 130 يوماً على العدوان، من معارك ضارية بين المقاومة وقوات الاحتلال في شمال ووسط غزة وفي خان يونس، لهو أكبر برهان على فشل جيش الاحتلال في سحق المقاومة او إضعاف قدراتها على مواصلة القتال، او الوصول إلى بعض قيادات المقاومة، وبالتالي لم يتمكن حتى من تحقيق صورة نصر يرفع بها معنويات جيشه وجمهور…
ثانياً، فشل مدوّ في القدرة على تحرير الأسرى او استعادة بعضهم أحياء.. حيث أخفقت محاولات جيش الاحتلال في تحرير بعض الأسرى، وأدّت إلى مقتل خمسة منهم برصاص قواته…
ثالثاً، فشل في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء على الرغم من حرب الإبادة التي شنها ضدّهم لدفعهم إلى التخلي عن صمودهم ومقاومتهم واللجوء إلى سيناء.
رابعاً، فشل في الابقاء على وحدة الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلف قرار الاستمرار في شن الحرب.. فقد أدّى الإخفاق في تحقيق أيّ من الأهداف المذكورة آنفاً الى ظهور معارضة لخيار استخدام القوة لتحرير الأسرى، او عدم إدراج هدف استعادتهم كأولوية..
في المقابل أدت الخسائر الفادحة في صفوف جيش الاحتلال نتيجة المقاومة الضارية ونجاحها في إغراقه في مستنقع من الاستنزاف إلى التسبّب بحصول حالة إحباط وإنهاك وتعب ويأس من إمكانية تحقيق النصر، فيما أصيب آلاف الجنود باضطرابات نفسية وهلوسات، بما يذكر بعقدة فيتنام التي إصابت الجيش الأميركي.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ نتنياهو الذي يحاول اليوم الهروب إلى الأمام عبر مواصلة الحرب، واجتياح رفح عله يحقق نصراً عجز جيشه عن تحقيقه حتى الآن، لن يحصد سوى نفس النتائج من الخيبة والفشل، لأنّ جيشه سيواجه مقاومة ضارية لا تقلّ عما واجهه ولا يزال في شمال ووسط غزة وفي خان يونس، ويفقد آخر أوراقه العسكرية التي راهن عليها لأجل تحقيق إنجاز او صورة نصر تمكن، وبالتالي سيكون أمام اشتداد واتساع دائرة المعارضة الإسرائيلية ضد خياراته العسكرية الفاشلة وضغط كبير على المستويين الشعبي والسياسي للقبول بشروط المقاومة لتبادل الأسرى، وما تعنيه من هزيمة مدوية امام المقاومة، والتي سيكون لها تداعياتها مزلزلة داخل الكيان على جميع الصعد..
لذلك سنرى في غضون الأيام المقبلة ما اذا كان تهديد نتنياهو باجتياح رفح سيترجم على الأرض، ام انه يندرج في سياق محاولة للتهويل والضغط على المقاومة لدفعها إلى تقديم تنازلات في المفاوضات الجارية في باريس للاتفاق على صيغة لتبادل الأسرى.. ام سيقوم باستخدام الاثنين معاً، تنفيذ التهديد، مع مواصلة الضغط العسكري الذي يروج له نتنياهو بقوة، خصوصاً بعد تحرير أسيرين كانا لدى عائلة فلسطيني.. لكن في كلا الحالتين فإنّ كلّ المؤشرات تؤكد انه سيواجه بموقف صلب وحازم من المقاومة برفض ايّ اتفاق ما لم يحقق الحدّ الأدنى من مطالبها.. التي تحفظ التضحيات الكبيرة التي قدّمها الشعب الفلسطيني، وتحمي القضية من مخاطر التصفية.