كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
حالة من الضياع والإرباك على مختلف المستويات تحكم الواقع الراهن لـ”منطقتنا الشرق أوسطية”، في ظل معايير “سوريالية” لا ترتبط بحقيقة ما تشهده المجريات اليومية من مستجدات عسكرية لاسيما الخروقات والاعتداءات على كل المحاور، بدءاً من الهمجية الصهيونية في غزة مروراً باللا إنسانية في جنوب لبنان، ووصولاً إلى الجبروت العدواني سوريا، تُضاف إليها بعض محاولات قوى “محور المقاومة” في اليمن والعراق كرد فعل على الاعتداءالـ”صهيو-أمريكية”.
ميدانياً، يمكن توصيف ما يجري على الأرض، فنعيش بين الساعة والأخرى تقلبات عسكرية كانت في السابق أقرب إلى “ظواهر فريدة”، لكنها أصبحت اليوم حاجة مُلحّة، بعدما تبيّن أن ّالجماعات التكفيرية التي لا تزال متمترسة في سوريا، تلعب دوراً أساسياً في “مرحلة التغيير“ التي وصلت أوجها فجر 8 كانون الأول الجاري، بل أعطت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف المبرر “المتفق عليه مُسبقاً طبعاً” بضرب القوى العسكرية للجيش السوري، وتدمير كل قواعده التي شملت الطيران والذخيرة العسكرية على أنواعها، وحتى مخابر الطعام، بما يعنيه ذلك كل ما له علاقة بالجيش السوري كمخزون.
كشف المجهول “المعلوم”
رغم ضبابية الأمور، وعدم اتضاح الصور للكثيرين، إلا أنّه خلال أيام قليلة سرعان ما ظهرت للعيان، أدلة دامغة على اتفاق مُبرم سلفاً يرتبط بكل هذه العمليات العسكرية، بين الإدارة الأمريكية “القديمة والجديدة” وبين الكيان الاستيطاني، والتنفيذ بأيدٍ تكفيرية، يتظهّر بشكل وثيق من خلال صورة الأحداث السورية المُستجدة على المنطقة، مع الاستفادة حتماً لـ”فلول الحلم العثماني والإمبراطورية الأردوغانية“، التي أسّست مرتكزات لها في سوريا، من خلال الجماعات المُسلّحة العاملة بإشراف من أنقرة.
يترافق ذلك مع حالة لافتة من التناقضات بين هذه المجموعات ببعضها البعض، ما يعطي هامشاً من التحرك للإدارة الأميركية والعدو الصهيوني لاستغلال الثغرات، والعبور من خلال ناحية الضغط على “حاكم أنقرة” للقبول بأي ترتيبات مستقبلية لهذه الجماعات، ناهيك عن هواجس “قوات سوريا الديمقراطية – قسد“ المتواجدة اصلاً على الجبهة في الشمالالسوري، وتخاف من ضياع حلم استلام السلطة من بين يديها رغم الغطاء الذي توفّر إدارة البيت الأبيض لها.
يتجلّى هذا الغطاء الأمريكي من خلال تمكين “قسد” من التحكّم بالمقدرات السورية في منطقة دير الزور المنتجة لأكثر من 1900 ألف برميل نفط، وهذا المعيار يكفي لقيام مصالح مشتركة بين أنقرة وواشنطن راهناً، لذلك كانت حركة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن باتجاه عواصم عدّة، وأولها لقاءه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطمأنته إلى أنّه لن تكون هناك أي مخاطر تتعلق بوجود القوى الكردية المطالبة للمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة لإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة.
خارطة إسرائيل الكبرى
أما العامل الجديد داخل هذا الصراع فمحصور بالداخل السوري، وهو الاستغلال الصهيوني للوضع المتفلت وانهيار النظام الدمشقي، فسارع إلى فتح جبهة جديدة والتوغل بجيشه إلى نقاط استراتيجية في المنطقة، لا سيما هضبة الجولانوالقنيطرة والنقطة الاستراتيجية الأساسية كانت جبل الشيخ، بعدما أعلن رئيس حكومة الكيان سقوط اتفاقية “فض الاشتباك” مع سوريا.
هذه الخطوة المستجدة على صعيد الصراع القائم حالياً في سوريا، هي أصلاً خطة مُبيّتة، يستفيد منها العدو الإسرائيلي بمباركة أميركية، تدخل في إطار ما أعلن عنه صراحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وخارطة “إسرائيل الكبرى” الشهيرة، التي أظهرها نتنياهو داخل الأمم المتحدة على عين المجتمع الدولي.
واشنطن وتل أبيب تستغلان الصراع السوري
لكن كل المؤشرات توحي بأن المنطقة ككل، وسوريا بالتحديد، ستدخل في المدى المنظور ضمن إشكاليات متعددة لها علاقة بالجغرافيا السورية، لما لها من دلالات على انقسامات تغذيها القوميات الاجتماعية المتنوعة في سوريا، وأبرز هذه الخلافات تشكيل “هيئة أحرار الشام“ التي سلّمت نفسها السلطة، “حكومة لون واحد” ولو انتقالية، استبعدت منها المعارضة السورية الباقية ككل، والتي كان من المفترض أن تشارك في زمام الحكم القادم لسوريا بالتعاون مع المعارضة الموجودة في مختلف أقطار العالم لاسيما قطر، فرنسا وأوروبا عموماً.
من هنا نظرة تقييمية سريعة على المستقبل القريب تؤكد أنه طالما الفوضى والخلافات قائمة داخل سوريا – للأسباب المدرجة أعلاه – فإنّ المستفيد الوحيد هو “الثنائي” الإسرائيلي –الأمريكي باتجاه شرق أوسط جديد على مزاج واشنطن وتل أبيب وأعماق أطماعهما ونواياهما التوسعية في منطقتنا.