د.منذر علي أحمد
منذ اليوم الأول الذي فاجأت فيه المقاومة الفلسطينية كيان العدو وعرّته من هالة القوة التي كانت تحيط به والكيان يحاول أن يثبت بأنه قوي وقادر على التغلب على كل نقاط الضعف التي عانى منها عبر تاريخ حروبه، خاصة في أهم مسألتين هما خشيته ووخوف جنوده من الدخول في العمليات البرية، وخشيته من الحروب الطويلة الأمد.
ومن باب إزاحة تلك الفكرة من عقول العالم ومن عقول مستوطنيها يسوق قادة “إسرائيل” العسكريون أنهم لا يخشون الدخول البري كما أنهم لا يخشون الحروب الطويلة، ووفقاً لما جاء في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نقلاً عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين، فإن إسرائيل تخطط لـ”حرب طويلة تمتد لمدة عام أو أكثر” على قطاع غزة، وأن اسرائيل حددت في عمليتها الطويلة بنك أهدافها البشرية والبنية التحتية وخاصة الأنفاق التابعة لحركة حماس وكتائب القسام وغيرها من القوى الفلسطينية التي ترى إسرائيل بأنها قد تشكل خطراً مستقبلياً على وجودها اللاشرعي، وتدمير تلك الأنفاق لفترة ليست بقصيرة، فهي تقول إنها لا تزال سليمة، وإن قادة حماس البارزين يختبئون حالياً في الجنوب، أما الأهداف البشرية فتشمل اغتيال ثلاثة من كبار قادة حماس يأتي على رأسهم قائدها يحيى السنوار ومحمد ضيف قائد جناحها العسكري، وإعداد غزة لنظام جديد “من دون حماس” بحسب تعبير الصحيفة.
لكن تعاطي “إسرائيل” مع غزة وفلسطين عموماً منذ بدء عملية المقاومة وتاريخها مع الحروب في جنوب لبنان يثير علامة استفهام حول قدرة “إسرائيل” على خوض تلك الحروب الطويلة في ظل الأرقام الواردة عن تدهور وضعها الداخلي في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية منها، ويرى الخبراء أن آثار الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة تتوقف بشكل رئيس على مدة دوام تلك الحرب، ويجدون أن خطط إسرائيل المستقبلية التي تهدف إلى احتلال غزة بشكل كامل ولفترة طويلة الأمد وغيرها من الإجراءات التي تعتبرها تسير في مسار إصلاحها للأوضاع في غزة، ستكون تلك العوامل بطريقة أو بأخرى من أهم معرقلات النمو الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل.
يضاف إلى ذلك أن “إسرائيل” لا يمكنها مهما حاولت أن تعزل عملياتها العسكرية الطويلة الأمد في غزة عما يجري في داخلها وفي علاقاتها الخارجية، فالمقاومة الفلسطينية استطاعت بعملية طوفان الأقصى أن تفرض على الكيان أن يقوم بتحشيد عسكريٍ غير مسبوق فقد تم استدعاء أكثر من ثلاثمئة ألف للخدمة الاحتياطية، واختل الوضع الاقتصادي والوضع السياحي الذي بات في حالة انكماش وذلك بعد إيقاف العديد المشروعات والصفقات التجارية.
وكانت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية قدرت بأن هذه الحرب تفرض على إسرائيل تكاليف بقيمة 260 مليون دولار يومياً، هذا يشير بطريقة واضحة إلى أن الكلام الإسرائيلي عن النمو الاقتصادي لهذا العام الذي كان من المتوقع أن يصل لثلاثة بالمئة سيصبح من الماضي، فالربع الرابع بلا شك سينكمش بشكل كبير وخاصة بعد أن خصص المصرف المركزي الإسرائيلي منذ بداية حربه الحالية مبلغ 45 مليار دولار لدعم عملته المحلية الشيكل، وهذا المبلغ بلغة الأرقام يعني أكثر من 20% من احتياطي النقد الأجنبي الإالإسرائيلي.
النيات الإسرائيلية بخوض حرب طويلة الأمد تعني بقاء جنود الاحتياط بعيداً عن مهنهم وأعمالهم لفترة طويلة، وهو أمر سيكون له تبعات سلبية على النواحي الاقتصادية والاجتماعية في الكيان الذي ما انفكت حكوماته تتصور للإسرائيليين بأن كيانهم سيكون واحة للحرية والديمقراطية والسلام، ولكن يبدو أن الحفاظ على هذه الحالة من الأمن الوهمية سيتطلب إنفاق مبالغ طائلة وضرائب عالية لتأمين المشاريع الأمنية والعسكرية الكفيلة بالحفاظ على هذا الأمن المهزوز، وبالتالي لن تسلم قطاعات تهم كل شرائح المواطنين من الضرر الذي ستزداد نتائجه السلبية يوماً بعد يوم…
مديرية الإعلام الإلكتروني