هل يستبدل “ChatGPT” العاملين في مجال الإعلان والتسويق؟

في الآونة الأخيرة، كثر الجدل حول نموذج ” “#ChatGPT” (روبوت الدردشة المدعوم ب#الذكاء الاصطناعي) المتميّز بقدرته على إنشاء نصّ لا يُمكن تمييزه من نصٍ أبدعه الإنسان؛ وذلك بوساطة تدريب النموذج على مجموعة بيانات ضخمة من النصوص التي أنشأها البشر.

نجح “ChatGPT” بجذب اهتمام الناس، لكنّه كان مصدر قلق للبعض منهم؛ فقد استخدمه الطلاب، قبل حظره في العديد من المناطق حول العالم، لكتابة أبحاثهم، وحلّ فروضهم بلغة بشريّة من الصعب تمييزها. واستخدمته منظّمة مختصّة بالصحة السلوكية لمساعدة أشخاص يعانون من اضطراب عاطفيّ. وكان ذلك تأكيداً على قوة الذكاء الاصطناعيّ وما يمكن أن يفعله “ChatGPT” اليوم.

كانت قدرة النموذج سبباً كافياً للتساؤل عن الآثار المترتّبة علينا كبشر، بعد أن عدّه البعض تهديداً لمهنة #التسويق. يُعتبر هذا منطقياً لأن العديد من جوانب التسويق والإعلان تتضمن إنشاء نصّ، وقد باتت الآلات اليوميّة قادرة على تنفيذ هذه المهام؛ فهل أصبح مَن يعمل في هذه الوظائف في مواجهة خطر أن يصبح زائداً عن الحاجة؟

تاريخيّاً، رأينا أن التطورات الجديدة في التكنولوجيا تميل إلى خلق وظائف جديدة، وغالباً ما تجعل الوظائف القديمة زائدة عن الحاجة. علاوة على ذلك، غالباً ما تكون الوظائف التي يتم إنشاؤها أكثر تقنيّة أو إبداعيّة أو تتطلّب مهارات عالية، ممّا يعني أنها ذات رواتب أعلى، وغالباً ما تكون صعبة.

على سبيل المثال، أدّت المعدات الزراعيّة الآليّة إلى تقليل الحاجة إلى العمّال الميدانيين، ولكنّها خلقت حاجة إلى مهندسين وفنيين خبراء. وقد أدّى عصر الحوسبة إلى جعل الكثير من العاملين في مجال حفظ الملفات الكتابيّة زائدين عن الحاجة، لكنّه خلق وظائف ذات رواتب أعلى في هندسة البرمجيّات وإدارة البيانات. وبالمثل، يتوقّع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه على الرغم من فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي، سيتم خلق وظائف جديدة في هذا المجال.

فهل يمكن أن يؤثّر الذكاء الاصطناعي على الحياة المهنية للعاملين في مجال التسويق والإعلان؟

إذا كنتم تؤدّون دوراً إبداعياً في الإعلان أو التسويق، فمن المرجّح أن تشكّل الكتابة بعض مسؤوليّاتكم. هذا يعني أنه عندما ترون قدرة الذكاء الاصطناعيّ على إنتاج لغة طبيعية مثل “ChatGPT”، فقد تتساءلون عمّا إذا كان سيتمّ استبدالكم قريباً!

من الناحية النظرية، يُمكن للشركات الآن استخدام التكنولوجيا لإنشاء نسخة للإعلان، ورسائل البريد الإلكتروني التسويقية، ومنشورات الوسائط الاجتماعية، وحتى نصوص التسويق الطويلة ونسخ موقع الويب. ومع ذلك، من المهم أن نتذكّر أن كلّ شيء يكتبه أو يُنشئه “ChatGPT” يعتمد على ما تمّت كتابته من قبل! هذا يعني أنّه ليس قادراً فعليّاً على التفكير الأصليّ أو الإبداع بنفس الطريقة مثل البشر.

وهذا يعني أيضاً أن المسوّقين الذين اعتادوا العمل بطريقة روتينيّة قد يكون لديهم سبب للقلق، أمّا أولئك القادرين على تطبيق الصفات البشريّة الحقيقيّة فلا يجب أن يخافوا.

على سبيل المثال، يُعدّ تسويق المؤثّرين (Influencer Marketing) نموذجاً شائعاً للتسويق اليوم. فالمؤثّرون هم الأفراد الذين طوّروا علاقة مع جمهورهم على أساس العلاقات البشرية، وجمهورهم يهتمّ بالمحتوى الذي ينشئونه بسبب أساليبهم أو أشخاصهم، فهم لا يريدون محتوى تمّ إنشاؤه بوساطة روبوت.

وبالمثل، إذا كان موظّف التسويق في شركة ما ناجحاً، فمن المحتمل أن يكون الجمهور مهتمّاً بالصوت الأصيل للعلامة التجارية وفرصة التواصل مع البشر الذين يقفون وراءها. وبحسب الكاتب في “فوربس” بيرنارد مار، لا يزال يتعذّر على الآلة نسخ هذا العنصر من عمل المسوّق، ومن المحتمل أن يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتمكّن من ذلك.

باختصار، يمكن استخدام تقنيات اللغة الآليّة لتحلّ محلّ الكثير من العناصر الروتينية للوظيفة. ووفقاً لـ”فوربس”، يمكن استخدام “ChatGPT” للعمل التسويقيّ في ما يأتي:

· أبحاث السوق (Market Research): يُمكن أن تنشئ بسرعة فائقة استعلاماً عن المنافسين الرئيسيّين في أيّ قطاع، بالإضافة إلى أهمّ منتجاتهم وخدماتهم.

· تحسين محرك البحث (SEO): يمكن استخدام “ChatGPT” لإنشاء الكلمات الأصليّة والمميّزة التي تتجه إليها محرّكات البحث عند تصنيف الصفحات. ومع ذلك، يجب توخّي الحذر لعدم الوقوع في خطأ الخوارزميّات التي تعاقب المواقع على استخدام المحتوى الذي تمّ إنشاؤه بوساطة الكمبيوتر.

· أوصاف المنتج: إنشاء أوصاف لمواقع التجارة الإلكترونية بتحديث قائمة المنتجات بشكل متكرّر.

عند استخدام “ChatGPT” لأيّ من هذه الحالات، من المهم توخّي الحذر من نقاط الضعف، أهمّها أنّه لم يتمّ تدقيق بيانات التدريب الخاصّة به لتجنّب التحيّز. وبما أنّ تدريبه يعتمد على البيانات التي جمعها في عام 2021، فإنّ لديه معلومات محدودة حول أيّ شيء حدث منذ ذلك الحين.

ما الذي يُمكن للمسوّقين فعله لتجنّب الاستبدال؟

إن إتقان استخدام القدرات التسويقيّة لزيادة الإبداع والمهارات البشريّة سيبقي البشر مميّزين عن الآلة، ومن غير المرجّح أن يتمكّن الذكاء الاصطناعي من جعل المبدعين زائدين عن الحاجة. لكن من المهمّ أن نتذكّر أنّ أسوأ ما يمكن فعله في الوقت الحالي هو التظاهر بأنّ هذه التكنولوجيا غير موجودة، وبأنّها لن تُحدث تغييراً جذريّاً في العديد من الصناعات.

وقد علّمنا تاريخ التغيير السريع المدفوع بالتكنولوجيا – مثل الثورة الصناعية أو عصر الكمبيوتر – أنّ أولئك الذين يزدهرون هم الذين يتعلّمون العمل جنباً إلى جنب مع التكنولوجيا. هذا يعني تسخير قوّة التكنولوجيا لمساعدتنا بينما نركّز على تطوير واستغلال خصائصنا البشرية الفريدة.

هذا، ويُعدّ تحديد وفهم وبناء علاقة مع الجمهور المستهدف جزءاً أساسيّاً من وظيفة أيّ مسوّق. وبينما يُمكن أن تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “ChatGPT” في ذلك، فإنها ما تزال غير قادرة على القيام بذلك بشكل استراتيجي وفعّال مثل الإنسان.

ومع ذلك، لم نرَ بعدُ قدرة هذه التكنولوجيا الحقيقية؛ فمن المعروف أنّ الجيل المقبل من “ChatGPT” (GPT4) موجود، على الرغم من أنّه لم يتمّ الإعلان عنه بعد، بحسب “تيك كرانش”، ويُقال إنه أقوى من “GPT-3” بـ100 مرة.

بهذه القوة، من الممكن أن تكون “GPT-4” قادرة على الاقتراب من محاكاة بعض الصفات البشرية الإبداعية.

ما يعنيه هذا هو أنّ أيّ شخص يرغب في ضمان بقائه فعالاً وتنافسيّاً في المستقبل عليه مواكبة آخر التطورات في عالم الذكاء الاصطناعي، لأن تغيير العالم بوساطة الذكاء الاصطناعي أمرٌ لا مفرّ منه، وفهم متى وكيف ستحدث هذه التغييرات، وكيف ستؤثر علينا، هو المفتاح لضمان أن يكون تأثيرها في حياتنا إيجابيّاً.

Exit mobile version