كتب ناضر كسبار نقيب المحامين السابق:
معلوم ان قانون الايجارات الاستثنائي يمدد من قبل المشترع. لذلك يقتضي التفريق بين الايجارات المعقودة قبل 23 تموز 1992 وبين الايجارات المعقودة بعدها. اذ ان التمديد يشمل الايجارات المعقودة قبل هذا التاريخ مع بعض الاستثناءات طبعا كالايجارات الزراعية وغيرها. اما تلك المعقودة بعد هذا التاريخ فهي خاضعة لحرية التعاقد.
كما يقتضي التفريق بين الايجارات السكنية والايجارات غير السكنية اذ لكل منها احكامها ومفاعيلها.
اما الاسئلة التي تطرح فهي بغالبيتها تتعلق بالزيادات القانونية وبدء وكيفية احتسابها وقيمتها.
الاماكن السكنية:
في الاماكن السكنية، وبعد صدور قانون الايجارات رقم 160/92 وما تضمنه من زيادات على بدلات الايجار، طرأت زيادات في الاعوام اللاحقة على الشكل اللآتي:
1- 35% في العام 1994
2- 10% في العام 1995
3- 10% في العام 1996
4- 33% في العام 2008
5- 12,8% في العام 2012
وبتاريخ 26/6/2014 صدر قانون الايجارات الذي ادخل تعديلات جديدة على ما سبقه من القوانين الاستثنائية السابقة كالقانون رقم 10/74 و 20/82 المعدل بالقانون رقم 22/83 والقانون رقم 160/92. ونص كما نعلم على اللجان والصندوق وعلى مهلة لترك المأجور من قبل المستأجر في الاماكن السكنية والتي حددت بتسع سنوات للمستأجر الذي لا يستفيد من تقديمات الصندوق واثنتي عشرة سنة للمستأجر الذي يستفيد من تقديمات الصندوق. اما من يستفيد من تقديمات الصندوق فهو المستأجر الذي لا يتجاوز معدل دخله الشهري، حسب قانون 2014 ثلاثة اضعاف الحد الادنى للاجور، وباتت هذه الاضعاف تساوي خمس مرات الحد الادنى للاجور طبقاً للقانون الصادر بتاريخ 28/2/2017. اما الحد الادنى للاجور فكان يومها /675000/ل.ل. علماً بأن مفهوم كلمة مستأجر يعني المستأجر ومن يقيم معه في المأجور، كزوجته واولاده، وفي حالات معينة انسباؤه الذين دخلوا معه الى المأجور والذين لا يزالون مقيمين معه. فتجمع معاشاتهم جميعاً. اما افراد عائلته الذين لا يقيمون معه كاولاده مثلاً سواء اكانوا متزوجين ام لا، فلا تدخل معاشاتهم ومداخيلهم مع مداخيل المستأجر.
اما الاشكالية التي وقع فيها المواطنون من مالكين ومستأجرين فهي الآتية:
– متى تبدأ التسع سنوات والاثنتي عشرة سنة هل من سنة 2014 ام من سنة 2017 بعد تعديل القانون؟.
هنا برز رأيان: رأي يقول بأنها تبدأ بتاريخ 26/12/2014 لان قانون الايجارات رقم
2/2017 الصادر بتاريخ 28/2/2017 هو مجرد قانون تعديلي وليس قانوناً جديداً، ولم يبطل القانون السابق او يلغيه، وصدر قرار عن محكمة استئناف المتن برئاسة القاضي جورج حرب يؤيد هذه الوجهة. ورأي آخر يقول بأنها تبدأ في العام 2017 لان هذا القانون نص على احكام واجراءات جديدة. وله رقمه وهو 2/2017، وطعن به على حدة امام المجلس الدستوري وليس كقانون تابع للقانون الصادر في العام 2014 الذي سبق وطعن به في حين ان قانون 2017 طعن به لوحده وليس مع قانون 2014. وصدر قرار المجلس الدستوري الذي لم يبطل اللجان. كما ان لأصحاب هذا الرأي حجة اضافية وهي انه وردت عبارة “من تاريخ نفاذ هذا القانون” في عدة اماكن من هذا القانون وهو بات نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 28/2/2017. وصدر قرار عن محكمة استئناف بيروت برئاسة القاضي أيمن عويدات يؤيد هذه الوجهة.
والسؤال الذي يطرح بالنسبة لبدلات الايجار، متى تبدأ الزيادات؟.
والجواب بالنسبة لبدلات الايجار هو نفسه الذي اجبناه قبل قليل، الا انه وبسبب طرح هذه المسألة على القضاء، فقد بت بها واصدرت محكمة استئناف بيروت الناظرة في دعاوى الايجارات والمؤلفة من القضاة الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري قراراً اعتبرت فيه ان الزيادات القانونية تبدأ في العام 2014 وليس في العام 2017. والقرار صادر بتاريخ 8/3/2018 وهو منشور في صحيفة الديار بتاريخ 18 اذار 2018 وقد بررت المحكمة قرارها بما ياتي:
“وحيث ان قانون 2014 هو النافذ والساري المفعول في الفترة الممتدة بين تاريخ نفاذه وتاريخ صدور القانون الجديد في 28/2/2017، فيستبعد اي مفعول رجعي لاحكام قانون 2017 لم ينص صراحة هذا القانون الاخير، لاسيما في ظل التغييرات المهمة التي احدثها والتي تنفى عنه صفة القانون التعديلي ذي المفعول الرجعي، فضلاً عن ان مضمون القانون نفسه نص على نفاذه من تاريخ نشره في المادة 60 منه، كما تضمن في نصوصه الداخلية على بدء تنفيذ احكامه من تاريخ نفاذه، فيكون بالتالي قانون 2017 نافذاً من تاريخ صدوره دون اي مفعول رجعي له”.
“وحيث بالعودة الى احكام قانون 2014، لاسيما المادتين 15و20 منه، يحدد بدل المثل على اساس نسبة 5% من القيمة البيعية للمأجور في حالته القائمة في ما لو كان خالياً، ويزاد على بدل الايجار المتوجب بتاريخ نفاذ قانون 2017 سنوياً وتباعاً 15% من قيمة فارق الزيادة بين البدل المعمول به قبل نفاذ هذا القانون وبدل المثل وذلك عن كل سنة من السنوات التمديدية الاربعة الاولى التي تلي تاريخ نفاذ هذا القانون”.
“وحيث، تطبيقاً للنصوص المذكورة آنفاً على الحالة الراهنة، يترتب على المستأجرعن سنة 2015 بدل الايجار الاساسي مضافاً اليه زيادة 15% من قيمة فارق الزيادة بين البدل الاساسي وبدل المثل (الذي يبلغ 5% من القيمة البيعية للمأجور)، ويترتب عليه عن ستة اشهر من سنة 2016 نصف مجموع بدل الايجار الاساسي مضافاً اليه زيادة 15% المذكورة آنفاً وزيادة 15% من قيمة فارق الزيادة بين البدل المعمول به قبل نفاذ هذا القانون وبدل المثل عن سنة 2016”.
“وحيث انه، بالعودة الى القضية الراهنة وتحديداً الى الانذار الموجه الى المستأجر والهادف الى مطالبته ببدل ايجار عام 2015 مع الزيادات وبدل ايجار ستة اشهر من سنة 2016 مع الزيادات ايضاً، يتبين ان طريقة احتساب الزيادات على بدل الايجار الاساسي جاءت متوافقة والنصوص القانونية المكرسة في قانون 2014، فتكون مستحقة بذمة المستأجر على عكس ما ادلى به هذا الاخير لهذه الجهة”.
كما يطرح السؤال في مثل هذه الحالة ماذا يفعل المستأجر؟. هل يدفع ابتداء من العام 2014 ام 2017؟
اجيب صراحة انا انصح بالدفع ابتداء من العام 2014 اذا تبلغ المستأجر انذاراً قانونياً بالدفع، وهنا اتكلم عن المستأجر الذي لا يستفيد من تقديمات الصندوق والذي يدفع فقط ما تعود على دفعه من دون زيادات، وامام المستأجر الذي يدفع ابتداء من العام 2014 حلان: اما ان يدفع ولا يقوم بأي تحرك آخر. او يدفع ويتقدم هو بدعوى امام القاضي المنفرد للبت بمسالة ما اذا كان متوجباً عليه الدفع ابتداء من العام 2014 ام من العام 2017، فيكون قد خلص نفسه من مشاكل هو بغنى عنها. طبعاً هذا الامر يتعلق كما قلنا بالاماكن السكنية. اما في الاماكن غير السكنية فالمشكلة ليست مطروحة بهذا الخصوص لان الزيادات تبدأ في العام 2014 حسب معدل التضخم.
اما بالنسبة للمستأجرين الذين لا يعملون او الذين لا يزيد مدخولهم الشهري عن خمسة اضعاف الحد الادنى للاجور.
لقد حسمت محكمة الاستئناف في بيروت هذه المسألة ايضاً في قرارها الصادر بتاريخ 14/1/2019 والمنشور في صحيفة الديار بتاريخ 17/1/2019، اذ اعلنت وقف المحاكمة لحين انشاء صندوق المساعدة الخاص بالمستأجرين وصدور المراسيم التطبيقية له ووضع نظامه المالي. وبالتالي فعلى المستأجرين الذين يستفيدون من تقديمات الصندوق دفع بدلات الايجار التي تعودوا على دفعها، بعد اتباعهم الاصول القانونية باعلام المالك بوضعهم القانوني والمادي بهذا الخصوص.
س:ما هي مدة مرور الزمن بالنسبة لبدلات الايجار، وبالنسبة للدعوى الرامية الى الاسقاط من حق التمديد بهذا الخصوص؟.
ج: ان مدة مرور الزمن على بدلات الايجار هي خمس سنوات طبقاً لنص المادة 350 من قانون الموجبات والعقود. اما الدعوى الرامية الى اسقاط المستأجر من حق التمديد القانوني لعدم تسديده البدلات رغم الانذار، فهي خاضعة لمرور الزمن العشري المنصوص عليه في المادة 349 موجبات وعقود.
كما يطرح السؤال هل يستفيد جميع المستأجرين من تقديمات الصندوق في حال توفر الشروط؟.
والجواب اذا توفرت الشروط بالمستأجرين يستفيدون من تقديمات الصندوق. ولكن المادة 4 من قانون 2/2017 تنص على انه “لا يستفيد من تقديمات هذا الصندوق المستأجر غير اللبناني”
وبالتالي فإن المستأجر غير اللبناني في الاماكن السكنية لا يستفيد من تقديمات الصندوق مهما كانت ظروفه المادية والمعيشية.
ويبقى السؤال الكبير الذي يطرح يوميا من قبل المالكين والمستأجرين ورجال القانون:
في حال حصول اتفاق حبي على تحديد بدلات الايجار فما هو مصيره في ظل صدور قانون جديد للايجارات في العام 2017 وان كان سمي تعديلياً؟
هنا يجب التفريق بين عدة احتمالات:
1- ان الاتفاق الحبي المعقود بين المالك والمستأجر قبل 28/2/2017 يجب ان ينفذ خصوصاً وانه لم يطرأ اي تعديل قبل هذا التاريخ.
2- ان الاتفاق الحبي الذي يعقد بعد 28/2/2017 يجب ان ينفذ ايضاً.
3- اما الاتفاق الحبي الذي يعقد قبل 28/2/2017 فهل ينفذ بعد 28/2/2017؟
قبل الجواب على هذا السؤال يقتضي الاشارة الى عدة نقاط:
1- ان قانون 2014 كان ينص على تحديد قيمة بدل مثل المأجور ب5% من سعر المأجور في حين ان قانون 2017 خفضها الى 4%.
2- ان قانون 2014 كان ينص على استفادة المستأجر من تقديمات الصندوق اذا كان يتقاضى اقل ثلاث مرات الحد الادنى للاجور اي /675000/×3. (يومها).
في حين ان قانون 2017 بات ينص على تقاضي 5 مرات الحد الادنى للاجور.
فالوضع قد تغير هنا. والمستأجر الذي وقع على اتفاق حبي قد يكون مدخوله الشهري اربع مرات الحد الادنى للاجور وبالتالي يستفيد من تقديمات الصندوق.
لذلك. ونظراً لدقة هذه النقطة، انصح المستأجرين بعدم فسخ الاتفاق من تلقاء انفسهم بل دفع البدلات المطالبين بها وتقديم دعوى امام القاضي المنفرد موضوعها استعادة المبالغ الاضافية المدفوعة واعتبار الاتفاق لاغياً ابتداء من 28/2/2017. كل ذلك مع وجوب تقديم الطلب امام اللجنة المختصة ضمن المهلة القانونية لدى انشائها والتي سوف تبت بمدى استفادة المستأجرين من تقديمات الصندوق.
الاماكن غير السكنية:
اما في الاماكن غير السكنية، فلا تطرح الا نقطة واحدة متعلقة بالزيادات القانونية وهي: متى تبدأ تلك الزيادات، وهل تدخل ال 4,8 % ضمن البدل.
هذه الاماكن اصابتها زيادات طفيفة جداً وهي تبدأ منذ 26/12/2014 . وهذه البدلات
تزاد بنسبة تعادل معدل التضخم السنوي وفقاً للمؤشر الرسمي الصادر عن دائرة الاحصاء المركزي في السنة السابقة على ان لا تجاوز النسبة الخمسة بالمئة. وبالتالي فإن الزيادة عن خمسة ايام من العام 2014 هي 4،8 % واهميتها انها تدخل في الايجار. وفي العام 2015 نزيد 1،9 % على البدل الذي يكون قد زيدت عليه أل 4،8 % بمعنى انه اذا كان بدل الايجار في العام 2014 مليون ليرة لبنانية فيصبح في 26/12/2014 مليوناً وثمانية واربعين الف ليرة لبنانية. وعلى هذا البدل نستند لنزيد نسبة 1,9 % في العام 2015. اما في العامين 2016 و 2017 فلا نزيد اي زيادة لان مؤشر التضخم كان سلبياً. وفي العام 2018 نزيد 4,48% وفي العام 2019 نزيد 5% فقط لان سقف الزيادة هو 5%.
وبالنتيجة نتمنى على المشترع اللبناني صياغة القوانين بدقة وبحرفية حتى لا يترك مجالاً لكثرة التفسير وتعدد الآراء.