1- من أراد أن يتعلّم فنون الحبّ فليأتِ إلى لبنان، وليشهد حكاية العشق بين اللّبنانيّ وأرضه، والّتي صيغت فصولها بدمع العينين، وسُقيت سطورها بعرق الجبينين، وجُبلت حروفها بدم الأجداد والأولاد والأحفاد، فصارت الأرضُ تعرفه ويعرفها، وتبادله الوفاء في زمن كثر فيه الغدر والتّخلّي والأنانية.
2- هل تُحَبّ الأرضُ كلّ هـٰذا الحبّ؟!
سلامٌ عليكِ أيّها الحبّ.. سلام عليكِ أيّها القلب.. سلام عليكِ أيّتها الأرض.. وسلِمتِ لنا منزلًا وموئلًا.. رائحة ترابك تسكن أنوفنا.. وأنتِ حضننا في حياتنا، وعروقُكِ سريرنا بعد موتنا.
3- وضعت الحربُ أوزارَها وما لها وعليها، وهـٰذا وقت الوفاء… تحيّةً مضمّخةً برائحة الزّيتون الجنوبيّ الأصيل، لبطولات الصّامدين، لأرواح شهداء ارتقت إلى علّيّين، وآلام جرحى نزفت في ليالي الأنين، وأحزان فاقدين محتسِبين… تحيّةً للمغتربين الدّاعمين، لمعاناة المتضرّرين، لصبر النّازحين، لنُبل المُروءة عند المستضيفين، لشجاعة الأطبّاء والمسعفين، لجرأة الإعلاميّين المراسلين، لإقدام الطيّارين، للُحمة اللّبنانيّين.. تحيّةً قلبيّةً صادقةً ملؤها الإعجاب والحنين.
4- تخرُج من أَتُّون الحرب المشؤومة بمشاعر جيّاشة متناقضة، كأنّها الأنين المؤجَّل بحنين معجَّل، عنوانُها الفَقْد، وما أصعبه! من يملأ فراغ من رحلوا؟! من يعوّض علينا ما كانوا يمثّلون لنا؟! متى يخرج الكَبْت المتراكم من أنفاق النّفس المكلومة؟!
5- ستّة وستّون يومًا… لم تكن حربًا ناعمةً عاديّةً، ما أثقلها عسكريًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ونفْسيًّا! علقت شظاياها في غشاءات قلوب أطفالنا… ولمّا تَنْمحِ! أعداؤنا عربدوا جوًّا وبحرًا وجوًّا، أرادوا اختراق العقول، وتدمير المعنويّات، وبثّ الفتَن، وما زالوا في ستّين يومًا جدُدًا من وقف إطلاق النّار يتجسّسون ويفجّرون ويغتالون… في لبنان كما في غزّة… ولهم نقول: أرحام أمّتنا ولّادة.
6- الحمد لله على سلامتنا جميعًا.. والحمد لله دَفَعَ ما هو أعظم.. والحمد لله على كلّ حال.. تقبّل الله شهداءنا، ورحم جرحانا، وعوّض بيوتنا وأموالنا.. وشكرًا لكلّ مَنْ حضن وقدّم ولم يسأل مقابلًا.. وشكرًا لكلّ من ساعدنا عربيًّا ودوليًّا.. وهيّا معًا لنبني لبنان أجمل ممّا كان، بعزمنا وتكاتفنا وتضامننا.. لنكون كلُّنا للوطن.. بإذن الله.
7- يقول أبو العتاهية:
إذا أبقتِ الدُّنيا على المرءِ دينَهُ
فما فاتَهُ منها فليسَ بضائرِ
إذا أنتَ لم تُؤثِرْ رضى اللهِ وحْدَهُ
على كلِّ ما تهْوى فلستَ بصابرِ
إذا كنتَ بالدنُّيا بصيرًا فإنّما
بلاغُك منها مِثْلُ زادِ المُسافرِ
8- المؤمن مُمتحَن في الدّنيا بالبلاء، ومُحاط بحيطان سجن كبير رغم أرض الله الواسعة، ويعيش بين الظّلمتين: ظلمة الرّحم وظلمة القبر؛ قال أبو الفرَج ابن الجوزيّ في “صيد الخاطر”: “الدُّنيا وُضعت للبلاء، فينبغي للعاقل أن يوطّن نفسه على الصّبر”. فهنيئًا لمن سخّر دنياه في فوز أُخراه، وصيّر سعيه فيها إلى متجر رابح في ثواب العمل الصّالح.
د. ش. أسامة شعبان