كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
شكّلت محاولة اغتيال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علامة فارقة في الحرب المندلعة على الجبهة اللبنانية بين العدو و»حزب الله»، الذي دخل إلى المرحلة الجديدة والتصاعدية للمواجهة من باب قيساريا المشرّع على مزيد من المفاجآت المستقبلية.
من بنيامينا إلى بنيامين وما بينهما، يواصل «حزب الله» «الريمونتادا» الميدانية التي بدأها منذ فترة، في دلالة واضحة على انّه تعافى إلى درجة كبيرة من آثار الضربات القاسية التي كان قد تعرّض لها مع بداية التوسّع في العدوان الاسرائيلي.
وعلى رغم من أنّ استهداف معسكر «غولاني» قرب حيفا بمسيّرة نوعية وما سبّبه من خسائر فادحة، قد دفع العدو إلى رفع مستوى الاستنفار واليقظة لديه إلى أقصى الحدود الممكنة، لتفادي تكرار هذا الاختراق إلى عمق الكيان، فإنّ ذلك لم يمنع المقاومة من تسجيل هدف ثانٍ و«ملعوب» في مرماه بمسيّرة أخرى، راوغت كل الرادارات والدفاعات على امتداد 70 كيلومتراً ثم انفجرت في منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته سارة، الأمر الذي انطوى على تطور غير مسبوق في مسار المواجهة بين «حزب الله» والكيان الاسرائيلي.
ووفق مطلعين، تحمل هذه العملية الاستثنائية رسائل عدة يمكن التوقف عندها وأهمها:
ـ القدرة الاستخبارية لدى «حزب الله» الذي استطاع الإحاطة بتفاصيل منزل نتنياهو وإحداثياته في قيساريا الواقعة في قلب الكيان، وأدرجه ضمن بنك أهدافه القابلة للتسييل عند الحاجة.
ـ القدرة التنفيذية التي تمثلت في التمكن من التحكّم بخط المسيّرة لمسافات طويلة، والمناورة بها بسلاسة ومرونة لتفادي اعتراضها، وصولاً حتى إلى المرور بمحاذاة إحدى طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية و«التعليم» عليها، من دون أن يؤثر وجودها على نجاح العملية، ما يعكس الجهوزية العالية للقوة الجوية في المقاومة، على رغم من الملاحقة الإسرائيلية لكوادرها ومخزونها.
– شجاعة اتخاذ القرار بتنفيذ الحزب محاولة اغتيال نتنياهو، خصوصاً انّ نجاحها كان سيرتب تبعات كبيرة، ما يؤشر إلى أنّ القيادة ببعديها السياسي والعسكري استعادت تماسكها وقدرتها على اتخاذ قرارات نوعية، وتحمّل مسؤوليتها والنتائج المترتبة عليها.
ـ إنّ محاولة اغتيال نتنياهو، وهو الرجل الأول في الكيان، تضع المستوى السياسي الإسرائيلي ككل في دائرة الخطر والاستهداف، بعدما كانت تل أبيب تحتكر وحدها سلاح الاغتيالات، ما يشكّل تحولاً لافتاً في قواعد النزاع، دفَع اجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية إلى تعزيز إجراءات الحماية للمسؤولين.
أما الاتهام الاسرائيلي لإيران بأنّها هي التي تتحمّل المسؤولية عن الهجوم على منزل نتنياهو فيخفي أمرين:
ـ الأول، السعي إلى استغلال الحدث بغية إعطاء «شرعية» أكبر وهامش عملياتي أوسع للضربة التي تعتزم تل أبيب توجيهها إلى الجمهورية الإسلامية.
ـ الثاني، التغطية على حقيقة محرجة لرئيس حكومة الاحتلال، وهي انّ كل الضربات والاغتيالات التي نفّذها جيشه ضدّ «حزب الله» لم تضعفه بمقدار ما روّج له المسؤولون الإسرائيليون ومن بينهم نتنياهو، الذي يبدو أنّ كبرياءه المنتفخ منعه من الاعتراف بأنّ الحزب الذي استشهد أمينه العام وقادته العسكريون الأساسيون وتعرّض لضربتي «البايجر» والللاسلكي، هو نفسه من اقتحم بيته المحصن في قيساريا، وأوصل الى صندوق بريده «برقية متفجّرة» مفادها انّه ليس في مأمن.
وإذا كانت قد راجت بعد هذه العملية «نكتة» غير منفصلة عن الواقع، وهي انّ نتنياهو وزوجته انضما إلى لائحة النازحين من مستوطنات الشمال ويحتاجان إلى مكان إيواء، فإنّ السؤال الجدّي الذي تطرحه تلك النكتة هو: أين أصبحت أهداف نتنياهو من الحرب على لبنان وفي طليعتها أصغرها المتمثل في إعادة النازحين في أمان؟ وإذا كان لا يستطيع أن يحمي بيته فكيف يريد أن يحقق الهدف الأكبر وهو صنع شرق أوسط جديد؟