يحذر مستثمرون ومحللون من أن الاقتصاد الإسرائيلي قد يشهد تراجعا في تصنيفه الائتماني وتقلصا لحجم الاستثمار الأجنبي فيه وأداءً أضعف لقطاع التكنولوجيا إذا استمرت الاضطرابات الناجمة عن التعديلات القضائية المثيرة للجدل التي طرحتها الحكومة.
وعجَلت الحكومة الإسرائيلية يوم الاثنين بتمرير أول قانون ضمن سلسلة قوانين تستهدف تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية لصالح السلطة التنفيذية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وأثارت هذه الخطوة احتجاجات واسعة النطاق مع توقف كثيرين عن العمل من الأطباء وحتى العاملين في شركات التكنولوجيا ونزولهم إلى الشوارع للاحتجاج.
وانخفض الشيقل بأكثر من اثنين بالمئة مقابل الدولار في الأيام التي تلت الاحتجاجات، لتصل خسائره إلى أكثر من تسعة بالمئة منذ طرح خطط التعديلات القضائية للمرة الأولى في كانون الثاني.
وقال هاميش كينير، كبير محللي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى “فيرستيك مابيلوكروفت”، “أكثر ما يقلق المستثمرين الأجانب الذين يراقبون الوضع في إسرائيل حاليا هو عدم اليقين. لا توجد نقطة نهاية واضحة. وطالما استمر هذا الحال، ستكون هناك علامات استفهام بخصوص الاقتصاد الإسرائيلي”.
تراجع النمو؟
تشهد سوق الأسهم الإسرائيلية أداء سيئا وسط حالة من عدم اليقين، مع تخلف المؤشر الإسرائيلي في إم.إس.سي.آي عن مؤشرات الأسهم العالمية الرئيسية، مثل مؤشر إم.إس.سي.آي أول كانتري وورلد، بنحو 14 بالمئة بسبب إحجام المستثمرين المحليين عن التداول في السوق.
وذكرت بيانات لشركة كوبلي فاند ريسيرش أن الاستثمار الأجنبي في الأسهم الإسرائيلية ظل قويا حتى نهاية حزيران بسبب صورتها الاقتصادية المقنعة.
وبلغت نسبة الصناديق العالمية التي لديها انكشاف على الدولة 35.5 بالمئة، وهي الأعلى منذ عام 2017، في حين ارتفع عدد الصناديق التي لديها أموال في إسرائيل بنحو 3.44 بالمئة، وهي الأكبر في هذا العام.
وأضاف كينير أن التضخم المنخفض نسبيا بالمقارنة بدول مماثلة ساعد على تعزيز الاستثمار، لكن الاضطرابات المتزايدة يمكن أن تؤثر على السيولة المقبلة إلى البلاد.
وتوقع مورغان ستانلي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بنحو 2.5 بالمئة هذا العام وثلاثة بالمئة العام المقبل، لكنه حذر من احتمال تقلص هاتين النسبتين إلى 1.0 بالمئة و1.6 بالمئة على الترتيب في حالة عدم التوصل لحلول للاضطرابات في البلاد.
وقال روجر مارك، محلل الدخل الثابت في شركة ناينتي وان لإدارة الصناديق، “لا تزال إسرائيل تمثل قصة استثمار جذابة للغاية. المشكلة هي هذه الحكومة. فكلما طالت مدة المضي قدما في هذه التعديلات القضائية، ستتأثر هذه القصة تأثرا سلبيا”.
وأضاف مارك أن عددا كبيرا من المستثمرين وكذلك وكالات التصنيف الرئيسية توقعوا أن تخفف الحكومة من التعديلات بصورة أكبر. ويبدو أن هذا الأمر بات مستبعدا الآن، وهو ما قد يتسبب في خروج المستثمرين من البلاد.
وتابع “بالنسبة للسندات، أعتقد أن معظم المستثمرين في السندات والعملات الأجنبية سيراقبون الوضع، ومن المحتمل أن يتطلعوا إلى تفادي أي حالات تتجاوز الحد قد نراها في الأسابيع القليلة المقبلة”.
ويزعم حلفاء نتنياهو أن المحكمة العليا زادت من حجم تدخلاتها في السنوات الماضية ويتعين الحد من سلطاتها.
وستنظر المحكمة العليا في طعن على قانون التعديلات القضائية في أيلول، وهو ما قد يجعل المحكمة في صراع مباشر مع الحكومة.
وقال كينير “على المدى القصير، هناك خطر حدوث أزمة دستورية فورية”.
مشكلات في قطاع التكنولوجيا
يتمثل القلق الأكبر في احتمال أن تؤثر هذه الاضطرابات على الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي الذي يمثل نحو خُمس الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من نصف الصادرات وربع عوائد ضريبة الدخل.
وقطاع التكنولوجيا المتطورة هو الأسرع نموا في إسرائيل منذ أكثر من عشر سنوات، إذ بدأت الابتكارات الإسرائيلية في مجالي الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي ومجالات أخرى تغزو العالم.
ووفقا لمسح حديث أجرته هيئة الابتكار الإسرائيلية، دفعت بيئة الأعمال التي يكتنفها غموض ما يصل إلى 80 بالمئة من الشركات الناشئة الإسرائيلية الجديدة إلى التسجيل خارج إسرائيل حتى آذار من هذا العام، ارتفاعا من 20 بالمئة العام الماضي.
كما تراجع الاستثمار في شركات التكنولوجيا بنحو 65 بالمئة في الربع الثاني.
وكتب نيكولاس فار، خبير أسواق أوروبا الناشئة لدى كابيتال إيكونوميكس، في مذكرة أن التعديلات القضائية “تهدد بدفع الاقتصاد إلى مسار نمو منخفض بصورة دائمة”.
التصنيف الائتماني تحت المجهر
يخضع التصنيف الائتماني للبلاد أيضا للتدقيق، بعدما عبرت وكالات التصنيف الرئيسية الثلاث، ستاندرد اند بورز جلوبال وموديز وفيتش، بالفعل عن مخاوفها إزاء مسار السياسات الذي تنتهجه الحكومة.
وخفضت وكالة موديز التنصيف الائتمان السيادي لإسرائيل، بينما قالت وكالة ستاندرد اند بورز يوم الخميس إن الاحتجاجات غير المسبوقة ستخفض النمو الاقتصادي هذا العام.
وحذرت ستاندرد اند بورز في أيار من أنها قد تخفض تصنيفها لإسرائيل من AA- “إذا تصاعدت المخاطر السياسية الإقليمية أو المحلية بصورة حادة، مما يضعف المقاييس الاقتصادية والمالية ومقاييس ميزان المدفوعات في إسرائيل”.
وفي الوقت نفسه، قالت وكالة فيتش، التي تصنف البلاد عند A+، في وقت سابق إن التعديلات القضائية يمكن أن يكون لها “تأثير سلبي على ملف الائتمان” من خلال إضعاف مؤشرات الحوكمة وصنع السياسات والإضرار بمعنويات المستثمرين.
وقالت ناتاليا جوروشينا، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى شركة “فانإك” لإدارة الصناديق، “لن أتفاجأ في حال تخفيض التصنيفات أو على الأقل التوقعات المتعلقة بها”.
وأضافت “القوانين الجديدة يمكن أن تؤدي إلى تدهور مؤسسي كبير، وربما تؤثر على تدفقات رأس المال المخصصة لبعض المجالات مثل قطاع التكنولوجيا”.