كتب: زاهر أبو حمدة
عادت الحياة اليومية الاعتيادية إلى مخيم عين الحلوة، بعد أيام عصيبة من التوتر والتهديد المتبادل والاستعصاء وشد الحبال. لكنها مسألة وقت وسيعود الوضع الأمني الى الواجهة، لأن ما يُحاك أكبر من المخيم ومحيطه. وللأسف الشديد، وقع اللاجئون الفلسطينيون ضحايا فخ كبير.
لنعود إلى أصل التوتر. هل كانت جريمة القتل صدفة أم مدبرة؟ لا أحد يملك الاجابة سوى المتهم خالد علاء الدين “الخميني” ومن شاركه في إطلاق النار على الشاب محمود زبيدات. الاجابة كفيلة بمعرفة النيات والأهداف. صحيح أن القوى الفلسطينية الاسلامية والوطنية وجدت مخرجاً على قاعدة “لا يموت الراعي ولا يفنى الغنم”، علماً أن أصل المثل الشعبي هو “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، هذا المخرج عبر تسليم المتهم إلى طرف فتحاوي يعتبر ثقة بالنسبة الى أطراف متعددة هو اللواء منير المقدح، كـ”وديعة” لفترة معينة. هذا فخ أولي، لأن عدم تسليمه الى الأجهزة الأمنية اللبنانية، يسن عادة جديدة داخل المخيم ويحفز على عمليات مماثلة. وهنا ماذا سيكون موقف أهل الفقيد؟ ربما لن ترضى عشيرته الممتدة إلى مخيمات أخرى بذلك، ولو رضيت لفترة معينة. وبالتالي، عدم تنفيذ الاتفاق كاملاً يعقد الأمور لاحقاً لجهة حق الثأر الشخصي وهذا مرفوض طبعاً، لكنه ممكن الحدوث في أي لحظة ويعود مسلسل الاغتيالات المتبادلة. يضاف إلى ذلك، محاولة جر المخيم الى صدام بين الأحياء والعائلات بعيداً عن الطابع الحزبي.
أما الفخ الأهم فمرتبط بالاجابة عن السؤال الأول. فالوضع الفلسطيني الداخلي محتدم من حيث التنافس في السيطرة على قرار المخيمات في لبنان، وهذا لا يخفى على أحد. وهناك أطراف تسعى إلى تسعير المواجهة بين الأطراف الفلسطينية (التنظيمات الاسلامية وحركة فتح). هذا انعكاس لحالة فلسطينية انقسامية لم يعرف الفلسطينيون التخلص منها على الرغم من محاولات استثناء المخيمات الفلسطينية في لبنان منها. ومن المعيب فعلاً أن ينظر أهالي مخيمات الداخل لا سيما مخيمات جنين وشعفاط وعسكر وعقبة جبر، وسط مقاومتهم للاحتلال، إلى مخيم عين الحلوة على أنه جغرافيا للاقتتال الداخلي بدلاً من أن يكون رافداً معنوياً بالتظاهرات والاعتصامات. هذا الجانب المعنوي المهم يفتقده المخيم مع أنه كان في أعوام سابقة يعج بالتظاهرات اليومية وعند أي حدث في فلسطين. هذا ليس تفصيلاً بسيطاً في الصراع، فقضية اللاجئين هي لُب الصراع. وكم حاول الاحتلال تدمير مخيمات لبنان عبر المجازر ومحو بعض المخيمات عن الخريطة، ومن ثم تدميره ذاتياً عبر المدمنين على المخدرات والاقتتال الداخلي وتشويه صورة المخيم الأخلاقية والنضالية وبعدها وصمه بـ”الإرهاب” بدل المقاومة المشروعة والتمسك بحق العودة.
أما الفخ الأخطر، فهو المرتبط بالوضع اللبناني. مما لا شك فيه أن الموقع الجغرافي لمخيم عين الحلوة له حساسية مهمة، وسيرة الفلسطيني في لبنان “يتحسس” منها الكثيرون. فكيف إذا استغل البعض أحداثاً كهذه إن لم يكونوا هم المدبرون لها؟ فمسألة المساعدات الغربية تحت بند “مكافحة الإرهاب” يجب أن تُصرف بالأدلة وتقدم إلى الجهات المانحة.
وفي النهاية سيكون الفلسطيني هو الحلقة الأضعف وسط أي سيناريو أمني يتحضر للبنان قبل انتخاب رئيس جمهورية. ويُحكى في المجالس الداخلية أن وصول رئيس إلى قصر بعبدا لن يكون من دون خضات أمنية على وقع المطالبة بالفديرالية والتقسيم. لذلك، يرجح أن يكون مخيم عين الحلوة ومخيمات أخرى في ألغام أمنية، وعليه من الأفضل أن يعمل المعنيون على تجنيب المخيمات الصراع اللبناني، وهذا يحصل بتحصيل الحقوق وفرض القانون من دون مساحيق تجميل أو “ابرة تخدير”، فبعض الملفات عند تسكينها بلا حلول جذرية تتراكم ويكون انفجارها مدمراً. وهكذا يكون تفكيك الألغام والفخاخ محدوداً لفترة عبر “التراضي”، لكن الأمن التوافقي يمكن اختراقه بسهولة. باختصار: ما ينتظر مخيم عين الحلوة أكبر من جرائم فردية وحزبية. ما يُراد له التدمير وسحب سلاحه ولو اختلفت الوسائل والأساليب لكن الهدف واضح.