كتبت جريدة “الأخبار”:
أكثر من 30 مرّة، وقف الحاضرون في «الكونغرس» الأميركي، من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، للتصفيق لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي ألقى خطابه مساء أمس، في العاصمة الأميركية. وافتتح نتنياهو خطابه، كما كان متوقعاً، بمهاجمة إيران وتحميلها مسؤولية كل ما يجري في الشرق الأوسط، فيما سُجّل في «الكونغرس» مشهدان متناقضان؛ الأول عندما دخل نتنياهو، حيث وقف عدد من أفراد عائلات الأسرى الإسرائيليين، وكشفوا عن قميص أصفر كُتب عليه «أبرموا الصفقة الآن»، قبل أن تعتقلهم الشرطة وتخرجهم من القاعة، في وقت قاطع فيه نحو 128 عضواً خطاب رئيس حكومة الاحتلال. أما الثاني، فهو الحفاوة المبالغ فيها من قبل النواب وأعضاء «مجلس الشيوخ» بكلام نتنياهو، الذي اتّسم بالدعائية والتضليل بشكل فاقع. ولخدمة خطابه، أحضر نتنياهو معه أسيرة إسرائيلية كانت في قطاع غزة، وبضعة أفراد من عائلات أسرى آخرين، إضافة إلى 3 جنود: إثيوبي وبدوي وأبيض، حيّاهم، واعتبر أنهم وزملاءهم يستحقون التقدير لا الاتهام، بسبب طريقة إدارتهم للحرب في غزة.وكرّر نتنياهو زعمه أن «العالم يقف عند مفترق طرق تاريخي، وهو ليس صراع حضارات، بل صراع بين الحضارة والهمجية، بين من يقدّس الحياة، ومن يقدّس الموت»، مضيفاً أنه «من أجل الانتصار على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تقفا جنباً إلى جنب». وبينما لم يأتِ على ذكر صفقة تبادل الأسرى، سوى بعبارة موارِبة، أشار فيها إلى «الجهود القائمة» لاستعادة هؤلاء، فإنه أسهب في الهجوم على «محور إيران الإرهابي». وقال نتنياهو إن «النظام الإيراني يحارب الولايات المتحدة منذ تأسيسه»، متابعاً أنه «حينما نقاتل حماس وحزب الله والحوثيين فنحن نقاتل إيران».
وجدّد ادعاءه بأن «النصر يلوح في الأفق، وهزيمة حماس ستكون ضربة قوية لمحور الإرهاب الإيراني»، مشيراً إلى (أننا) «لا نحمي أنفسنا فحسب بل الولايات المتحدة أيضاً»، مضيفاً: «عندما تتحرّك إسرائيل لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية فإنها تحمي نفسها وتحمي الولايات المتحدة». وفي موازاة ذلك، اتهم نتنياهو المتظاهرين الذين تجمّعوا أمام «الكونغرس» خلال إلقائه الخطاب، بأنهم «اختاروا أن يقفوا مع الشرّ، ومع حماس، ويجب أن يشعروا بالعار»، مدّعياً بأن «إيران تموّل التظاهرات أمام الكونغرس الآن، وفي الولايات المتحدة». وتوجّه إلى المتظاهرين بالقول: «أنتم أداة مفيدة من الحمقى بيد إيران»، متّهماً طلاب الجامعات الأميركية الذين خرجوا للتظاهر والاعتصام ضد إسرائيل وحربها على قطاع غزة، بـ«الجهل والرسوب». حتى إنه هاجم الكادر التعليمي للجامعات المذكورة، بسبب ما وصفه «عدم إدانة الطلاب المتظاهرين». كما هاجم نتنياهو «محكمة الجنايات الدولية»، وزعم أن «أكاذيب محكمة الجنايات الدولية تحاول تقييد يد إسرائيل، ومنعنا من الدفاع عن أنفسنا»، متابعاً أنه «إذا ما قُيّدت يد إسرائيل، فيد أميركا ستكون التالية».
علّق «مقرّ أهالي الأسرى» على خطاب نتنياهو بالقول: «خلال 45 دقيقة من الخطاب لم يرد ذكر 120 أسيراً لن يعودوا إلى منازلهم الليلة أيضاً»
وبخصوص الحرب في غزة، كرر نتنياهو القول إن «تسريع المساعدات الأميركية لإسرائيل سيسرع إنهاء الحرب في غزة وتحقيق النصر، ومنع اشتعال حرب واسعة في الشرق الأوسط». وأضاف أنه «إذا استسلمت حماس وأطلقت سراح الأسرى، يمكننا أن ننهي الحرب غداً، ولكن إذا لم يستسلموا، فسنقاتل لتدمير القدرات العسكرية لحماس وحكومتها، ونعيد أسرانا. ولن نتنازل عن النصر المطلق». وفي ما يتعلق برؤيته لـ«اليوم التالي»، قال نتنياهو إنه «في المستقبل القريب، سيتعيّن علينا مواصلة السيطرة الأمنية على غزة لمنع عودة الإرهاب (…) لكن إسرائيل لا تسعى للاستيطان في القطاع، ولا لتهجير سكانه». وتابع أنه «يمكن أن تظهر غزة جديدة في اليوم التالي لهزيمة حماس (…) ويجب أن تكون هناك إدارة مدنية في غزة يقودها فلسطينيون لا يريدون تدمير إسرائيل». وزاد: «سنعمل مع شركائنا العرب لنحوّل منطقة فقيرة ومضطربة إلى واحة للازدهار والأمن». وبخصوص الجبهة الشمالية، كرّر حديثه عن (أننا) «ملتزمون بإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، ونفضّل أن يتمّ ذلك دبلوماسياً، لكننا مستعدون لفعل كل شيء في سبيل إعادتهم».
وتوجّه نتنياهو بالشكر إلى الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب. وشكر الأول على «المساعدة في صدّ الهجوم الإيراني، ودعمه القوي لإسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر، ونصف قرن من الصداقة مع إسرائيل»، والثاني على «اتفاقيات أبراهام» التطبيعية. واعتبر أن «إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة المؤيّدة لأميركا في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنها «ستظلّ الحليف الذي لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنه». وعبّر عن تطلعه إلى «تحالف جديد في الشرق الأوسط يكون امتداداً لاتفاقات أبراهام، ويجب دعوة كل الدول التي ستصنع السلام مع إسرائيل للانضمام إلى تحالفنا»، والهدف منه «مواجهة تهديد إيران».
وفي ردود الفعل على ذلك، رأى السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، أن «خطاب نتنياهو تاريخي ويضع رؤية للتكامل الإقليمي»، في حين اعتبرت الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، «الخطاب أسوأ عرض قدّمته شخصية أجنبية حظيت بشرف مخاطبة الكونغرس»، مشيرة إلى أن «عائلات الرهائن تطالب بصفقة لوقف إطلاق النار وإعادة أبنائها ونأمل أن يخصّص نتنياهو وقته لتحقيق ذلك». أما كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، غريغوري ميكس، فلفت إلى أن «نتنياهو يرفض تنفيذ اقتراح بايدن الخاص بالصفقة»، معبّراً عن إحباطه من «خطابه في ما يتعلّق بإنهاء الحرب والمعاناة».
وفي إسرائيل، علّق «مقرّ أهالي الأسرى» على خطاب نتنياهو بالقول: «خلال 45 دقيقة من الخطاب لم يرد ذكر 120 أسيراً لن يعودوا إلى منازلهم الليلة أيضاً»، فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، خطاب نتنياهو بـ«المشين»، مشيراً إلى أنه «من العار أن يتحدث نتنياهو ساعة كاملة من دون أن يقول إنه ستكون هناك صفقة للرهائن». وفي المقابل، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إن «نتنياهو مثّلنا بفخر، والترحيب به يعكس الشراكة العميقة مع الولايات المتحدة»، بينما احتفى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بخطاب رئيس الحكومة، وكتب عبر منصة «إكس»: «نتنياهو يحب إسرائيل». أما وزيرة المواصلات ميري ريغيف، فقالت: «لقد حظينا بزعيم تحسدنا عليه الدول، وعلينا أن نقوّيه ونقف خلفه».