“الاخبار”: راجانا حمية
أنهى أمس نحو 600 طبيب (مقيم ومتمرّن من طلاب كلية الطب في الجامعة اللبنانية)، موزّعين على 20 مستشفى خاصاً وحكومياً، إضراباً تحذيرياً استمرّ أسبوعاً، ليدخلوا اليوم إضراباً مفتوحاً مطالبين بإنصافهم، عبر إجراء تعديلات على بدلات أتعابهم في المستشفيات التي يتابعون بها. وإن كان الهدف الأول من هذه الاحتجاجات تحسين أوضاعهم، إلا أن الهدف الأبعد هو إعادة الاعتبار لطلاب «اللبنانية» الذين يعاملون «درجة ثانية» مقارنة بطلاب جامعات أخرى
اعتباراً من اليوم، يبدأ طلاب الطبّ المقيمين والمتمرّنين في الجامعة اللبنانية، إضراباً عاماً وشاملاً ومفتوحاً عن تغطية مختلف الحالات الحرجة والطارئة وأقسام العناية الفائقة وأقسام الطوارئ في جميع المستشفيات المتعاقدة مع الجامعة اللبنانية. يصل عدد الأطباء إلى 600، يتوزّعون بين 350 طبيباً مقيماً و250 طبيباً متمرّناً، ويغطون 20 مستشفى خاصاً وحكومياً. وهم كانوا قد بدأوا تحرّكاتهم التصعيدية بإضراب تحذيري استمرّ أسبوعاً لم يسفر عن نتيجة، ما دفعهم اليوم إلى الدخول في مرحلة جديدة للمطالبة بإجراء تعديلات على بدلات أتعابهم في المستشفيات.
ظروف عمل الطلاب
يعاني طلاب الطب المقيمون، كما المتمرّنون، من الغبن. فهم يحملون فوق أكتافهم الكثير من الأعمال في المستشفيات الخاصة والحكومية، إلا أنهم لم يخرجوا من ثوب «الجامعة» بالنسبة إلى المستشفيات التي تتعامل معهم كطلاب يتابعون تدريباتهم ليحصلوا في نهاية المطاف على «التقرير». وهنا لبّ الحكاية، إذ «تستغلّ» معظم المستشفيات هذا الواقع، فتمسك الطلاب من اليد التي تؤلمهم. وصحيح أن كلية الطب في الجامعة اللبنانية هي التي تقرّر قيمة ما يتقاضاه هؤلاء كبدلات أتعابٍ عما يقومون به، إلا أن حتى هذه القرارات تأخذ في الاعتبار ما يمكن أن تفي به المستشفيات.
استناداً لهذا الواقع، يشكو طلاب الطب، المقيمين بوجهٍ خاص (يحملون شهادات ويتابعون ضمن اختصاصات ما بين السنة الأولى والسادسة) من اللاتوازن بين ما يتقاضونه وبين ما يقدّمونه. إذ، تلقى على عاتقهم مهام كثيرة وتتوزّع دواماتهم ما بين الصباحي، وما يضاف إليها من نوبات ليلية بحدود عشر ليالٍ شهرياً، بحسب يوسف زيتون، أحد الأطباء المقيمين، وأحد أعضاء لجنة المتابعة. في المقابل، لا يمكن لما يحصلون عليه أن يكفيهم لتأمين أساسيات الحياة.
في السابق، كانت بدلات أتعاب طلاب الطبّ المقيمين تبدأ من مليون و200 ألف ليرة، أي ما نسبته 800 دولار أميركي (طالب طب مقيم R1 resident، سنة أولى اختصاص ما بعد شهادة الطب)، وتزيد بمعدل 150 ألفاً (كانت عبارة عن 100 دولار أميركي) كلما علا الطالب درجة، كما كان يضاف إليها كلّ عام زيادة بقيمة 150 ألف ليرة لبنانية (100 دولار أميركي). على ضآلة المبلغ، كان الوضع مقبولاً. غير أنه مع بداية الأزمة المالية، لم تعد البدلات تكفي أساسيات الحياة، فعمدت الجامعة إلى ضرب الرواتب باثنين. غير أن هذا المسكّن لم يعد يجدي، ما دفع الجامعة قبل فترة إلى اعتماد زيادة على «الراتب اللبناني» بقيمة 150 دولاراً تدفع «فريش»، أو ما يعادلها بحسب سعر صرف الدولار. لكن مشكلة هذه الزيادة أنها ألغت التدرّجات، وجعلت القيمة ثابتة للكل، وهو ما لا يراه الطلاب الأطباء منصفاً. وما يزيد الطين بلة، أنه لم يعد هناك ما يسندهم في المقابل، خصوصاً ما يتعلق بالتغطية الصحية، بما أنهم منتسبون إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبما أن هذا الأخير تقترب تقديماته اليوم من الصفر، فمن الطبيعي أن تحلّق فواتير استشفائهم، ولا سيما أن المستشفيات التي يتابعون تدريباتهم فيها لا تتعامل معهم على أنهم «أفراد من الكادر الطبي». وقد طالب الطلاب مراراً بأن يتمّ تمييزهم بشيءٍ ما، وردّدوا ذلك أول من أمس في اللقاء مع نقيب الأطباء في بيروت، يوسف بخاش.
قرار عمادة كلية الطب
اليوم، مع تآكل قيمة الرواتب بالليرة اللبنانية، وعدم جدوى الزيادات التي أُقرّت بالفريش، بدأ الطلاب حراكاً داخلياً ما بين عمادة كليتهم وإدارات المستشفيات ونقابة الأطباء في محاولة للوصول إلى حلولٍ منصفة. وسرعان ما تحوّل هذا الحراك إلى تحرّكات على الأرض، مع خروج تسريبات تفيد بإمكانية صدور قرار عن عمادة الكلية يحدّد زيادة تبدأ بـ250 دولاراً (عملياً هي 100 دولار تضاف إلى الـ150 التي يتقاضاها طلاب الطب في الأصل) مع مضاعفة «الراتب اللبناني»، أي أن المليونين و400 ألف ليرة المضاعَفة، تصبح بحدود أربعة ملايين و800 ألف ليرة، مع مراعاة حسابات التدرّج، على أن يبدأ تطبيق القرار في شهر نيسان المقبل.
يطالب الطلاب الأطباء بزيادة 350 دولاراً يضاف إليها زيادة سنوية بقيمة 25 دولاراً
هكذا، وقبل أن يصبح القرار واقعاً وقبل تعميمه على المستشفيات المتعاقدة مع الجامعة اللبنانية، أعلن طلاب الطب، مقيمين ومتمرّنين، إضراباً استباقياً عن العمل، مستثنين فقط أقسام الطوارئ والحالات الحرجة. وترتبط دوافع الإضراب في أن القرار لا يراعي مطالبهم، إذ أن تصوّراتهم تنحو صوب اعتبار الحد الأدنى للزيادات بالدولار بـ350 دولاراً أميركياً، على أن يضاف إليها زيادة سنوية بقيمة 25 دولاراً أميركياً. إضراب يتحوّل اليوم إلى ما يشبه إعلان الانتفاضة، مع إقرار طلاب الطب تعطيلاً عاماً وشاملاً حتى عن الحالات الطارئة والحرجة وأقسام العناية الفائقة في كافة المستشفيات المتعاقدة مع الجامعة اللبنانية. ولئن عمدت بعض المستشفيات إلى ابتزاز الأطباء إنسانياً لتخليهم عن متابعة المرضى، إلا أن الأطباء رفضوا الخضوع «لأننا بلغنا عما نحن مقبلون عليه قبل عشرة أيام كي تأخذ المستشفيات تدابيرها». كما أنّ التعامل معهم في معظم المستشفيات كأطباء من الدرجة الثانية، مقارنة بطلاب الطب في الجامعات الخاصة، لا يسمح لهم بالقبول بهذا الابتزاز. يتحدّث بعض الأطباء هنا عن الفوارق في التعاطي معهم من نواح عدة، منها الناحية المادية، مشيرين إلى أن «الحد الأدنى لبدلات طلاب الطب في الجامعات الخاصة يبلغ بحدود 500 دولار، وأخرى بقيمة 800 دولار وتصل في أمكنة أخرى إلى 1000 دولار أميركي». حتى داخل المستشفيات التي تتعاقد معها الجامعة اللبنانية «يأخذ طلاب الطب في الجامعات الخاصة فيها بدلات أعلى من بدلاتنا»!
في مقابل هذا الأمر، لا يملك عميد كلية الطب، محمد موسى، غير ما تضمّنه القرار حتى اللحظة، مشيراً إلى «مباحثات نجريها مع المستشفيات ونقابة الأطباء في محاولة للوصول إلى تسوية لأوضاع الطلاب المقيمين والمتمرّنين». وإذ أشار إلى أن «تحديد قيمة الرواتب يأخذ في الاعتبار قدرة المستشفيات على الدفع»، أوضح في المقابل «أننا وحدنا أخيراً الرواتب بين المستشفيات الحكومية والخاصة، بحيث يدفع للأطباء الراتب نفسه مضافاً إليه مساعدة بقيمة 150 دولاراً، بعدما كانت المستشفيات تدفع أكثر للأطباء المقيمين». لكن، بغض النظر عن كلّ هذه الحراكات، ثمّة أمر واحد بالنسبة لموسى يحلّ الأزمة وهو العمل على «إحياء مشروع تشييد مستشفى خاص بالجامعة إلى جانب كلية الطب في مجمع الجامعة في الحدث ليحتضن كلّ طلاب الجامعة».
مفاوضات متواصلة ولا نتيجة
لم تفضِ النقاشات حتى اللحظة إلى أيّ حلول مع الأطراف المعنية. ففي ما يخصّ عمادة الكلية، أجري أمس لقاء عبر تطبيق «زووم» ما بين لجنة الممثلين عن طلاب الطب والعميد محمد موسى وانتهى إلى «لا نتيجة». إذ لم يجرِ نقاش في طروحات جديدة أو تعديل على القرار الأساسي، وجلّ ما تضمّنه «تمنٍّ من العميد بالقبول بالـ 250 دولاراً التي تضمّنها القرار»، مشيراً إلى «السعي لحلحلة الأمور في مرحلة لاحقة»، كما قال أيضاً إنه «مستعدّ للتجاوب مع الأرقام التي طلبناها خلال شهر تموز المقبل». غير أن هذه الجهود المبذولة، في رأي الطلاب الحاضرين، لم تأت بما أملوا، إذ إنه «ماذا نفعل إلى حين حصول التعديل في تموز؟ أضف إلى ذلك إن البدلات المالية تتآكل قيمتها، حتى الدولار يفقد تدريجياً قيمته».
كما اجتمعت لجنة الممثلين عن الطلاب مع نقيب الأطباء، يوسف بخاش، في محاولة للوصول إلى حلول. وقد أشار أحد أعضاء اللجنة إلى أن «النقيب عرض علينا إصدار بيان مشترك بينه وبين العميد بدعمنا والوقوف إلى جانبنا، على أن تعدّل الزيادة لاحقاً، إلا أننا رفضنا هذا العرض واشترطنا أن تطبّق الزيادة التي أقرّتها عمادة الجامعة فوراً، على أن تحدّد زيادة أخرى تصدر بقرارٍ رسمي تبدأ مفاعيله في شهر تموز المقبل، ويحدّد بموجبها راتب 400 دولار أميركي للطبيب المقيم سنة أولى، مع مراعاة التدرّجات أيضاً، أو تعديل الأرقام في القرار الحالي بحسب مطالبنا برقمٍ يرضي الجميع أو استكمال الإضراب». غير أن هذه الشروط تبقى مجرد اقتراحات «بانتظار التوافق عليها داخل المجموعة الموسعة للممثلين عن الأطباء».
من جهته، يشير بخاش في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن «النقابة تعمل على تقريب وجهات النظر للوصول إلى مخرجٍ منصف». وفيما يقدّر بخاش المجهود الذي قام به عميد كلية الطب «إذ استطاع تأمين 250 دولاراً كحد أدنى»، إلا أنّه يعترف بأن «المبلغ لا يكفي في ظل الأزمات والمشاكل التي يعانيها الجميع، كما نتفهم أن هذه التعديلات لم تلحظ الدرجات، إلا أننا في أزمة». ويكشف بخاش عن اقتراحٍ يقضي بإجراء «تعديل جزئي دوري كل 3 أشهر، إلا أنّ من المبكر الحكم عليه في انتظار الردود حوله».