عند التاسعة من مساء الأحد، أنهى القدير #سمير شمص آخر مشهد له على مسرح الحياة، فأسدلت الستارة على حين غفلة، وانتقلت روحه إلى بارئها عن 81 عاماً في أحد مستشفيات بيروت.
خسارة جديدة يُمنى بها أركان الزمن الجميل، تتمثّل بفنان طيب، ورجل خلوق. وهو بالرغم من العزّ الذهبي الذي ناله، والنجاحات التي حققها، بقي متمسّكاً بصفات التواضع، والعطاء، والكرم الواسع… لدى جيلٍ أحبّ صقل موهبته في عالم التمثيل والإعلام والإلقاء والدبلجة.
ووَفق ما قال في إحدى مقابلاته مع الإعلامي اللبناني زافين قيومجيان: “الحياة مسرح. تفتح الستارة، نمثل دورنا، تُسدل الستارة نودّع… C’est la vie”.
الصوت لعبته، فكان أحد روّاد عالم الدبلجة باللغة العربية الفصحى عبر ذكريات من الطفولة بصوت “بابا سنفور”، و”مغامرات زينة ونحّول”، ثم “جزيرة الكنز”، و”مغامرات ساسوكي” وغيرها الكثير.
صوته المطواع حضر في أحد أشهر الأعمال المكسيكية “أنت أو لا أحد”، مؤدّياً صوت شخصيّة أنطونيو.
الراحل سمير شمص بدأ صحافياً وكاتباً، موقّعاً العديد من السيناريوات للإذاعة والتلفزيون والمسرح.
في تاريخه السينمائي 27 فيلماً ما بين مصر ولبنان، إضافةً إلى مسرحيات عدّة على المسرح الوطني، إذ كان أوّل ممثل لبنانيّ يوقّع على العقد للعمل في المسرح الوطني مع شوشو ونزار ميقاتي.
بدأت حياته الفنية في بداية الستينيات مشاركاً في أفلام عدّة، منها: “سفر برلك”، “بنت الحارث”، “العسل المر”، “الشريدان”، “شارع الضباب”. كذلك شارك في العديد من المسلسلات اللبنانية والمصرية، منها: “تلات نساء” “العنب المر”، “رجل من الماضي”، “امرأة من زمن الحب” مع الفنانة سميرة أحمد، “وجه القمر” مع فاتن حمامة و”الباحثات عن الحرية”. تعاون أيضاً مع نجلاء فتحي في فيلم “أجمل أيام حياتي”، و”باي باي يا حلوة” إلى جانب محمد عوض ورشدي أباظة وجورجينا رزق.
حقّق حلم الطفولة بروايته “عند حافة الكون” التي صدرت في العام 2006، وصنّفت ضمن الخيال العلمي.
اعتاد متابعو الراحل على كلماته الصباحية الرقيقة في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي مقتبساً عبارات تمثّل فكر الزمن الجميل. كان شديد الحنين إلى إنجازاته في عالم السينما والمسلسلات والدوبلاج، مشاركاً فيديوات جمعته برعيل يفخر بالانتماء إلى عالمه.
كان عاتباً على الزمن الحالي، مردّداً في أكثر من لقاء إعلامي أنّه لا يتشرّف بأن يكون جزءاً من المضمون الدراميّ الذي تروّج له المسلسلات اليوم.
القدير جهاد الأطرش نعى صديقه، وقال في حديث لـ”النهار”: “عملنا معاً. هو صاحب الأدب والأخلاق. الموت حق، لكن يعزّ عليّ القول إننا نودّع هذا الرعيل واحداً تلو الآخر خصوصاً في العامين الأخيرين”.
يصفه بـ”الدنجوان”، ويتابع: “كان وسيماً جدّاً. ما زلت أتذكّر تعاوننا في مسلسل “رحلت ذات صباح”، كتابة الراحل مروان نجّار، وإخراج جان فيّاض، وبطولة وفاء طربيه. لقد كان من الأدوار الرئيسية التي جمعتنا، ثمّ عملنا معاً في مسلسلات تاريخية وأعمال إذاعية والدوبلاج أيضاً”.
أسمى الصفات التي كانت تجمع ممثلي الزمن الجميل الاحترام المتبادل والعمل لأجل الفن والجمهور. وقد تجلّت هذه المشهدية في صورة جمعت عدداً كبيراً منهم في العام 1983.
يظهر في الصورة جهاد الأطرش، سمير شمص، سامي كلارك، أحمد الزين، غسان مطر، إحسان صادق، أنطوان كرباج، فؤاد شرف الدين وآخرون.
ويستعيد الأطرش قصة الصورة: “كانت فكرة الصحافي مرعي عبدالله صاحب مجلة “ألوان”، لجمع النجوم ضمن فريق كرة قدم. أتذكّر أننا خضنا أوّل مباراة ضد أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت، وبعدها ضد فريق من الصحافيين. حازت الصورة حينها تفاعلاً كبيراً لأنها جمعت ممثلين محبوبين لبنانياً وعربياً”.
يشارك الأطرش الراحلَ شمص في عتبه على إبعاد ممثلي الزمن الجميل عن المشهد الدرامي الحالي: “هذه هي مأساة الإنتاج الفني في لبنان. لقد أبعدوا جميع هؤلاء بعد تقدّمهم في العمر رغم وجود المساحة المناسبة لهم، سواء في الأعمال الدرامية أو المدبلج منها”.
ويعترف الأطرش بأنّ الأوضاع الاقتصادية المتأزمة أدّت دوراً في هذا التراجع، لكنّه حمّل في الوقت نفسه تلفزيون لبنان والإذاعة اللبنانية المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور، لا سيّما أنّ هؤلاء هم من وضعوا حجر الأساس في عالم الدراما والبرامج والمسلسلات الإذاعية.
إسراء حسن- النهار