“حزب الله” غير معنيّ بورقة سيجورنيه… “ولن نخسر الحرب”

رضوان عقيل -"النهار"

رضوان عقيل -"النهار"
رضوان عقيل –

على أهمية الحراك الفرنسي القديم – الجديد في التربة السياسية والعسكرية في لبنان والخشية من تصاعد المواجهات في الجنوب، تسلم الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي مضمون الورقة الفرنسية مع ترقب الجميع كيف سيكون رد “حزب الله” عليها حيث يبقى المعني الأول بالجواب الذي تنتظره باريس وما إن كانت تستطيع أن تحدث خرقاً في جبهة لا ينفك الحزب منذ سبعة أشهر عن تشبثه بمعادلة: ربط مواجهات الجنوب والتصدي للاعتداءات الاسرائيلية بوقف آلة الحرب المفتوحة على مصراعيها في غزة.
وتفيد معلومات أن الفرنسيين على تنسيق مع الأميركيين في ورقتهم الثانية والتعديلات التي أدخلت على الثانية التي ستكون نقاطها محل بحث عند قيادة الحزب مع الإيحاء من أكثر من جهة دولية أن مصلحة لبنان التوقف عندها والعمل على مناقشتها وتطبيقها تجنباً للوقوع في نيران “الحرب الشاملة” التي لن تقتصر في حال اندلاعها على إسرائيل و”حزب الله” ولبنان وستكون طهران من المستفيدين منها إن لم تقع وهذا ما تعمل عليه في إطار مصالحها ولو أن هذه الحرب لن تكون “نزهة عسكرية”على إسرائيل أيضاً. وإن تثبيت الاستقرار في الجنوب ولو من خلال العودة الى ما قبل السابع من تشرين الأول الفائت والرجوع الى القرار 1701 ولو جرى تطويره قليلاً ستؤدي مندرجاته الى تجنيب الساحات الأخرى الحرب التي تريدها جماعات يمينية متطرفة في الحكومة الإسرائيلية وليس من الضرورة أن يكون بنيامين نتنياهو من بينها لأنه يعرف أخطار فتح مواجهة من هذا النوع ضد الحزب قبل أن يحصل على ضوء أخضر من البيت الأبيض أولاً رغم حصوله على ما أراده من مليارات الدولارات من الخزينة الأميركية بواسطة الكونغرس. وإن كان التقاطع الفرنسي – الأميركي قيد البحث بينهما فهذا لا يعني أن سيجورنيه حصل على تفويض كامل من واشنطن في إنجاز مهمته الصعبة في لبنان.
في هذا الوقت يدرس الجانب اللبناني من طرفي بري وميقاتي محتوى الورقة الفرنسية التي أوردت في بنودها طروحات جديدة في بلدات جنوبي الليطاني (توزع هذه الضفة على 14 منطقة). ويبقى التركيز على تموضع عناصر الحزب وخصوصاً “قوة الرضوان” في البلدات الحدودية التي لا تشهد في الأصل أي مظاهر مسلحة يمكن مشاهدتها بأمّ العين.
وفي انتظار الأيام الثلاثة التي حدّدها برّي لسيجورنيه لتسليم سفارة بلاده الرد، توجّه الأسئلة نحو الحزب وكيف سيتعاطى معها: أصبح مضمون الورقة في حوزة الحزب مع معرفة بري المسبقة وكل المتابعين لهذا الملف من واشنطن الى باريس أن الحزب لن يحيد عن معادلته ربط مواجهات الجنوب بالتوصّل الى وقف للنار في غزة رغم كل الضغوط التي يتعرض لها وهو يعرف على أرض الواقع ومن خلال الميدان أن الجانب الإسرائيلي ليس في وضع أفضل يمكنه الاستمرار على هذا الوضع من جولات القتال الصعبة على الطرفين. ويكفي إسرائيل معاناتها من جراء نزوح مستوطنيها في الشمال. ويشكل هذا العنصر نقطة رئيسية في الورقة الفرنسية. وإذا قرر نتنياهو اجتياح رفح واشتدّت وتيرة المعارك على أرضها فستُجمَّد كل المبادرات ولا نفع عندها لكل الأوراق الديبلوماسية من أي جهة كانت. ولذلك لن يتم الحصول على أجوبة نهائية من الحزب مع استمراره على الشروط التي يضعها منذ الأسبوع الأول للعدوان الإسرائيلي في غزة. وفي حال نجاح الاتصالات الأخيرة في القاهرة بين تل أبيب وحركة “حماس” مع تفعيل ماكينة قطر والدور الذي تضطلع به للتوصل الى تحقيق الهدنة، يقول لسان حال الحزب: “تعالوا نتحدث في اليوم الثاني”. وكان من الواضح أن الحزب لم يستقبل بارتياح مضمون النسخة الثانية من الورقة حيث “تتعاطى باريس وكأننا خسرنا الحرب”، وأن الموضوع عند الرئيسين بري وميقاتي. ولم يكن الحزب في حاجة الى تسلم ورقة من هذا النوع “حيث لم يبق إلا أن تطلب إلا الاستسلام للشروط الإسرائيلية. وجوابنا عليها: لا تعنينا”.
وتبقى عند الحزب جملة من الملاحظات على أداء باريس حيال جملة من المواضيع ومنها سياسة “توتال” في أعمال التنقيب وعدم استكمالها في البلوك رقم 9 وما يشوب هذه العملية من مادة قلق عند قيادة الحزب والمسؤولين حيال عدم تقديم باريس “أجوبة نفطية” حاسمة غطت عليها التطورات الحربية في البر. ومن هنا تتعاطى فرنسا بحذر شديد مع لبنان هذه المرة لأن ورقتها الأولى لم تكن محل ترحيب عند أكثر من جهة ولم تلق قبولاً عند الحزب في الأساس لأنها تغلب مصلحة إسرائيل أولاً.
وفي قراءة هادئة للتطور الفرنسي الجديد ترى الجهات المعنية بالرد على سيجورنيه وليس من طرف الحزب وحده أن مهمته تعترضها جملة من الألغام إذا بقيت إسرائيل على شروطها، ولا سيما إذا استمرّت في حربها في غزة، فلا يمكن لباريس أن تحقق شيئاً من دون تدخل جدي من واشنطن بواسطة موفدها آموس هوكشتاين حيث ينتظر كثيرون رؤيته في بيروت. ويعرف الحزب هذا الأمر جيداً وإن لم يقدم على هذا الإعلان حيث إن “التسوية الكبرى” لم يأت موعدها بعد بين أميركا وإيران ولو دخلت باريس في امتحان جديد حيث لا يمكنها مغادرة الفضاء السياسي في لبنان بعد أفول نجمها من سوريا الى أكثر من بلد في أفريقيا وهي تخوض اليوم امتحاناً قد يكون أكبر من قدراتها وشعاعها الديبلوماسي على أرض #جنوب لبنان، وما قامت به من دور إبان إبرام “تفاهم نيسان” عام 1996 يختلف اليوم على مستوى الظروف والأشخاص آنذاك. وكان من الملاحظ على هامش زيارة سيجورنيه أنه لم يتطرّق الى استحقاق رئاسة الجمهورية وكل الملفات التي تناولها الإليزيه في السنوات الأخيرة من دعوة لبنان الى تطبيق ما طلبه صندوق النقد من تطبيق سلسلة من الإصلاحات الى إتمام التحقيقات في تفجيرات مرفأ بيروت. وبدت كل هذه المواضيع خارج الأجندة الفرنسية اليوم وكأنها لم تكن في مشهد تبدو فيه باريس في مكان آخر في وقت تعمل فيه على إطفاء نيران الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” ومن دون أن تظهر أنها تستطيع تحقيق خرق في ملف النازحين السوريين لدى الاتحاد الأوروبي وسمع رئيس الديبلوماسية الفرنسية كلاماً في بيروت يقول: “اذهبوا الى دمشق. أنتم وألمانيا لا تعملون على مساعدتنا في عودة النازحين السوريين الى بلدهم”.

Exit mobile version