كتب نبيه البرجي في “الديار”:
“جاهزون، في أي لحظة، لاحراق تل أبيب من أدناها الى أقصاها”، بقلوبنا المنكسرة لضحايا الأسبوع الفائت، وهو أسبوع المآسي الكبرى، بلغنا ذلك الكلام من جهة فاعلة على الأرض. جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، حذّر من التداعيات الأبوكاليبتية لحرب مجنونة في الشرق الأوسط، بعدما كانت “الفورين آفيرز” قد سألت ما “اذا كنا أمام حرب نهاية العالم بين مجانين الله ومجانين يهوه”، لأن أي حرب كبرى تندلع بين الجانبين لا بد أن تستمر لسنوات، وقد تستدعي تدخلات القوى العظمى، ناهيك عن قوى اقليمية”.
لابد من السؤال أين ايران من كل ما يحصل، سوى الصرخات (بدل الصواريخ) تهدد برد ساحق. ومتى كان الرد على اغتيال قاسم سليماني، أو على اغتيال محسن فخري زادة، دون أن يعنينا اسماعيل هنية الذي كان يمضي اياماً فاخرة في الدوحة؟ وهل صحيح أن طهران تلقت تحذيرات من دول مختلفة بأن مشاركتها العملانية في أية حرب تعني لجوء اسرائيل الى الضربات النووية، الأمر غير المستبعد بعدما كان هناك وزراء يدعون الى القاء القنبلة على غزة لازالتها من الوجود؟
الأميركيون يدعون الى عدم توسيع الحرب. ولكن هل ما زالت الحرب في اطار قواعد الاشتباك، حين يفعل الاسرائيليون ما فعلوه في الضاحية، مع معرفتنا بأن العناية الالهية قد تكون وراء عدم حصول كارثة أكثر حساسية، وأكثر خطورة. على كل حال، نعلم خفايا الخلاف بين بنيامين نتياهو ويؤاف غالانت الذي لم يصغ فقط الى تحذيرات لويد أوستن من العواقب الكارثية لأي حرب كبرى على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
غالانت تحدث أكثر من مرة أمام مجلس الحرب عن حالة الانهاك داخل المؤسسة العسكرية، دون أن يكون باستطاعتها شن حرب كاسحة ضد لبنان، خصوصاً اذا ما تعددت الجبهات، وصدقت المعلومات الاستخباراتية التي تشير الى أن عشرات آلاف المقاتلين، حتى من دول مثل تركيا، وأفغانستان، وباكستان، على أهبة الاستعداد للتوجه الى لبنان “باشارة من اصبع نصرالله”.
ما أمام القيادات العسكرية الاسرائيلية سوى الرهان على تدخل أميركي، على الأقل، لاقفال كل المنافذ البرية بين العراق وسوريا، وبين سوريا ولبنان، مع الاشارة هنا الى أن تهديدات وصلت الى قيادة القيادة المركزية بأن القوات الأميركية في العراق وسوريا ستتعرض لعمليات صاعقة أن تدخلت ادارة بايدن عسكرياً أواطلقت العنان لتنظيم “داعش” على الحدود السورية العراقية.
لا شك أن الضربات الاستخباراتية الاسرائيلية كانت كارثية. رهان نتنياهو كان على تفجير الساحة الداخلية اللبنانية، دون أن يأخذ بآراء كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين السابقين الذين يرون أن ظروف اليوم مختلفة كلياً عن ظروف عام 1982، بعدما كانت بعض الفصائل الفلسطينية قد مهدت للاجتياح الاسرائيلي بتجاوزاتها، بل وبفظاعاتها، حتى داخل البيئة الحاضنة لما كانت تدعى “الثورة الفلسطينية”.
أي وسائل يمكن أن يلجأ اليها الاسرائيليون اشد هولاً من الوسائل التي استخدموها الثلاثاء والأربعاء الماضيين والتي اقتضت الكثير من الوقت، ومن الاعداد، لتكشف، أكثر فأكثر مدى الهمجية لدى أولئك الذين نردد للمرة الألف أنهم الآتون من قاع الأزمنة ومن قاع الايديولوجيات؟
واضح تماماً أن هناك وزراء يمكن أن يدعوا الى استخدام أسلحة نووية تكتيكية في لبنان بعدما كانت الدعوة الى ذلك في غزة (تصريحات وزير التراث أميحاي الياهو كشفت ذلك). الأميركيون فوجئوا بذلك الموقف، وهم الذين يدركون ما تداعيات ذلك دولياً، واقليمياً، وحتى على اليهود أنفسهم في شتى أصقاع الأرض. قادة الدول الأوروبية في حلف الأطلسي اعتبروا أن اللجوء الى الخيار النووي في الشرق الأوسط يستتبع، تلقائياً، القاء فلاديمير بوتين القنبلة على كييف، وربما على أي عاصمة أوروبية أخرى لاخراج بلاده من الوحول، والنيران، الأوكرانية، ما قد يفضي، حتماً، الى الحرب العالمية الثالثة. تالياً موت الكرة الأرضية “التي نعيدها الى الله جثة هامدة”، بحسب رئيس هيئة الأركان الأميركية السابق الجنرال جيمس سي. ماكونفيل”.
لكنها الحرب، ولبنان في قلبها، أي في قلب المجهول. الخشية من تلك اللحظة التي نكتشف فيها أننا وحدنا في مواجهة الآخرين، وأن حلفاءنا، كما وصفهم برنار ـ هنري ليفي ساخراً، “غربان على حائط مهجور”!…