كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
تدحرجت المواجهة بين العدو الإسرائيلي و»حزب الله» نحو واقع جديد، اقترب من حدود الحرب الشاملة إنّما من دون أن يتجاوزها بعد، فإلى أين سيؤول هذا التصعيد الكبير الذي باشره بنيامين نتنياهو للخروج من نفق مأزق الشمال؟ وهل سيتمكن من مغادرته أم أنّه سيتورّط فيه أكثر كما توحي الصليات الصاروخية التي أمطرت فلسطين المحتلة أمس؟
بعد تفجيرات «البيجر» واللاسلكي، واغتيال القائد ابراهيم عقيل وعدد من كوادر «قوة الرضوان» في الغارة على الضاحية الجنوبية، رفع العدو الإسرائيلي وتيرة التصعيد درجات إضافية مع لجوئه إلى اعتماد سيناريو «الصدمة والترويع» عبر موجات عنيفة ومتلاحقة من الغارات التي غطّت معظم بلدات الجنوب وصولاً حتى مجمل جهات البقاع، في عدوان جوي غير مسبوق، من حيث حدّته واتساعه، منذ الثامن من تشرين الاول الماضي، إلى جانب تكرار الاعتداءات على الضاحية الجنوبية لبيروت في إطار ملاحقة قياديّي المقاومة.
وإذا كانت جريمة تفجير أجهزة الاتصال قد استهدفت خصوصاً البيئة المدنية التي تُعتبر لصيقة بالمقاومة، أي العاملين في مؤسسات «حزب الله» وعائلاتهم إلى جانب المقاتلين، فإنّ الحملة الجوية أمس ركّزت على استهداف البيئة الأوسع المتمثلة في أهالي البلدات والقرى، الأمر الذي يفسّر سقوط مئات الشهداء والجرحى ونزوح عشرات الآلاف من المواطنين.
وبالترافق مع القصف العنيف المتمدّد أفقياً وعمودياً، رفع الاحتلال مستوى الحرب النفسية ضدّ اللبنانيِّين عبر إرسال رسائل التهديد والتخويف إلى الهواتف الجوالة لجزء كبير منهم، في محاولة لبث الرعب والهلع في صفوفهم وإجبارهم على إخلاء منازلهم في المناطق المشمولة بالعدوان.
ويُستنتج من نوعية الهجوم الذي شنّه جيش الاحتلال وطبيعة الأهداف التي قصفتها طائراته، تحت إشراف نتنياهو المباشر، أنّ قيادة الكيان الإسرائيلي نقلت المواجهة مع «حزب الله» إلى طور مختلف، عنوانه الأساسي الضغط على الحزب والسعي إلى لَيْ ذراعه، عبر الإيذاء المباشر المتعمّد لما تظنّ أنّها خاصرته الرخوة، أي محيطه المدني الأوسع الذي يتعدّى حدود البيئة الأقرب.
كذلك، فإنّ دفعِ الآلاف إلى النزوح القسري يوحي أنّ نتنياهو يريد تكبير عدد النازحين اللبنانيِّين وتحويلهم عبئاً ثقيلاً على الحزب والدولة لاستخدامهم ورقة ضغط وابتزاز، في سياق مسعاه لإعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم في الشمال.
ويبدو أنّ نتنياهو اختار الاستعانة بالتفوّق الجوي لجيشه من أجل محاولة تعديل موازين القوى على الجبهة الشمالية، مفضّلاً هذا الخيار على الفرضيات الأخرى التي لا يزال يتهيّبها، في حين أنّ كل التجارب السابقة أظهرت أنّ سطوة سلاح الجو لا تكفي لتغيير المعادلات الاستراتيجية على الأرض كما تبيّن من جولتَي تموز 1993 ونيسان 1996 وحرب 2006.
من الواضح أنّ نتنياهو الذي ركّز في المرحلة الأخيرة على تنفيذ العمليات الاستخبارية النوعية، وانتقل الآن إلى تفعيل الضربات الجوية الهوجاء، إنّما قرّر أن يلعب هذه الورقة، لأنّ ليست لديه طاقة، لا على تحمّل حرب الاستنزاف التي يديرها «حزب الله» منذ 8 تشرين الاول، ولا على خوض الحرب البرية التي يعلم محاذيرها جيداً، ولا على شنّ الحرب الشاملة التي يتمناها لكنّه يخشاها ما لم تشاركه أميركا فيها، وهذا ما يفسّر تصريحه الأول أمس بأنّه يفضّل عدم حصولها.
هل سينجح نتنياهو في إعادة نازحي الشمال ووقف جبهة الإسناد الجنوبية عبر تكثيف الغارات؟ وكيف سيتعامل «حزب الله» مع تحدّيات الموجة المرتفعة من العدوان؟
الجواب الفوري أتى من الحزب عبر مبادرته إلى توسيع ردّه على الاعتداءات العشوائية، ليصيب مستوطنات الضفة الغربية ويصل إلى مدَيات جغرافية غير مسبوقة داخل الكيان الإسرائيلي، بعدما كان قد كسر حاجز حيفا أيضاً، مستخدماً صواريخ نوعية مغايرة عمّا كان قد استعمله طوال 11 شهراً، ما مؤداه أنّ مئات الغارات التي شُنّت أمس على أكثر من 800 هدف في لبنان، وفق التقارير الإسرائيلية، لم تُعطِ أي نتيجة على الأرض، بل إنّها زادت جبهة الإسناد اشتعالاً وأخرجت مزيداً من المستوطنين من الشمال.
إنّها بالدرجة الأولى «حرب إرادات» بين الاحتلال بقيادة نتنياهو والمقاومة، سيتخلّلها الكثير من عَضّ الأصابع، علماً أنّ الحزب يحرص على التأكيد باستمرار أنّه ليس من النوع الذي يصرخ أولاً.