في زمن تتحوّل فيه الشبكات الرقمية إلى ساحات للرأي العام، أصبحت الترندات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بتيارات جارفة تأخذ معها عقول الناس بلا هوادة، فتكرّس عادات وتوجهات غالباً ما تكون أكثر ضررا من نفعها. في هذا السياق، لم تعد مسألة الترندات مجرد حالة عابرة، بل باتت تُوجّه اختيارات الناس وتتسلل إلى تفاصيل حياتهم اليومية، حتى تلك التي تمس صحتهم وسلامتهم. ومن بين أبرز الأمثلة الحديثة، انتشار استخدام شوكة الطعام كوسيلة يُزعم أنها تقلل الشيب، تعزز نمو الشعر، وتوقف تساقطه.
أساليب احتيالية!
انطلاقا من كل ما تقدم، يشير الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي جورج سمعان لـ “الديار” الى ان “هذا الهوس المتنامي باتباع “طرق مبتكرة” دون أساس علمي يدعو الى التأمل في مدى تأثير المعلومات غير الدقيقة التي يتم تداولها في الشبكات الاجتماعية. وكما أن النار تشتعل بشرارة صغيرة، كذلك قد يبدأ ترند بسيط بفيديو واحد ليتحول إلى موجة عارمة تسيطر على عقول الناس، وهو ما يؤدي الى انقلاب الوهم إلى حقيقة يتشبث بها الملايين دون تمحيص أو تحليل. غير ان ما يتم تداوله، وربما الأكثر أهمية، هو الجانب الخفي لهذه الممارسات وانعكاسها السلبي على الصحة”.
رأي العلم في هذه الظاهرة!
من جانبه، يؤكد مصدر طبي في مستشفى كليمنصو لـ “الديار” انه “عند الحديث عن استخدام شوكة معدنية لتدليك فروة الرأس، لا بد من استعراض الأثر العلمي للمعدن على الجسم، خاصةً عند ملامسته المباشرة للجلد أو الجروح المفتوحة. تحتوي الشوك المعدنية، خصوصاً المصنوعة من النيكل أو الستانلس ستيل، على مكونات قد تسبب تهيجا جلديا أو ردود فعل تحسسية لدى البعض. وعند حدوث خدوش في فروة الرأس، يصبح الجسم عرضة للالتهابات قد تتطور إلى حالات خطرة إذا لم تتم معالجتها. والأسوأ أن الالتهابات المستمرة في منطقة الرأس قد تؤثر في الأنسجة القريبة من الدماغ، مما قد يفتح المجال لنقل العدوى إلى الجهاز العصبي المركزي”.
الشوكة والدماغ: تأثير بعيد المدى
ويوضح المصدر انه “من الناحية العصبية، إن أي إصابة في فروة الرأس قد تؤدي إلى التهاب لا يُشفى أو خلل في التروية الدموية للمنطقة. لذا، استخدام الشوكة بشكل متكرر قد ينتج منه خدوش دقيقة لا تُلاحظ بالعين المجردة، ولكنها تفتح الباب لدخول البكتيريا. وقد ينجم عنها في حالات نادرة ولكن محتملة، مضاعفات مثل التهاب السحايا، وهو التهاب يصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤذي الضغط المستمر على فروة الرأس باستخدام مادة معدنية الأعصاب الدقيقة التي تغذي الجلد، مما يخلق شعورا بالألم أو الوخز المزمن”.
وعن خدعة ترند “الفرشيطة” كما يطلق عليها في بعض اللهجات، يعلق المصدر بجزم قائلا: “ما يجعل هذا الموضوع أكثر خطورة هو السردية التي تتبناها مواقع التواصل الاجتماعي لإقناع الجمهور بفعالية هذه الطرق غير الموثوقة. عبر مقاطع الفيديو المليئة بالتأثيرات البصرية والشهادات الشخصية، يتم الترويج لفكرة أن شوكة الطعام أداة سحرية لإصلاح مشكلات الشعر، في حين أن العلم يقف عاجزاً عن دعم مثل هذه الادعاءات. هنا، يتحول الجمهور إلى مختبر تجارب، حيث يكون الثمن المدفوع هو الصحة العامة”.
ويضيف “إن هذه الظاهرة ليست سوى مثال على التأثير المزدوج لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تمثل سلاحاً ذا حدين: فهي أداة لنشر المعرفة، ولكنها أيضا وسيلة لتمرير الخرافات. وعليه، يجب على المجتمع الطبي والإعلامي أن يتكاتف لتوعية الناس بمخاطر تبني عادات غير صحية قائمة على معلومات غير دقيقة، وأن يشدد على أهمية استشارة المختصين قبل الإقدام على مثل هذه الافعال”.
فعل “مهلك”!
ويشير الى انه “إذا كان الهوس بالترند قد يدفع الناس إلى استخدام شوكة طعام كأداة علاجية، فربما حان الوقت لإعادة النظر في طريقة استهلاكنا للمعلومات، وللتساؤل بوعي: هل كل ما يُنشر يستحق التجربة؟ أم أن هناك حقائق تظل دفينة تحت بريق الشهرة الزائفة؟
يجيب المصدر على تساؤله “لا يوجد أي أساس علمي يدعم رواية استخدام شوكة الطعام في علاج مشكلات الشعر. بل على العكس، قد يولّد جروحا متفاوتة في فروة الرأس بسبب أطرافها الحادة. من الجدير بالذكر أن تدليك فروة الرأس بلطف باستخدام اليدين أو فرشاة مخصصة يمكن أن يُحسّن الدورة الدموية ويُعزز صحة بصيلات الشعر، مما قد يساعد في تقليل تساقطه. ومع ذلك، لا توجد أدلة علمية تدعم فعالية استعمالها لهذا الغرض. في ضوء ذلك، يُنصح بتوخي الحذر وعدم الانسياق وراء مثل هذه الترندات غير المستندة إلى أدلة علمية قوية، واللجوء إلى استشارة اهل الاختصاص في مجال العناية بالشعر قبل تبني أي ممارسات قد تكون ضارة”.
هل الشوكة الخشبية أفضل من المعدنية؟ يجيب المصدر “حتى تاريخه، لا تؤكد الدراسات العلمية الموثوقة كفاءة أو أمان استخدام الشوكة الخشبية أو المعدنية لتدليك فروة الرأس بغرض تحفيز نمو الشعر أو تقليل الشيب. ومع ذلك، يمكن النظر في بعض الفروقات المحتملة بين المادتين:
التفاعل مع الجلد: قد تتسبب المعادن في تهيج الجلد أو ردود فعل تحسسية لدى بعض الأشخاص، خاصةً إذا كانوا يعانون من حساسية تجاه بعض المعادن. في المقابل، يُعتبر الخشب مادة أقل تفاعلاً مع الجلد، مما قد يقلل من احتمالية التهيج.
الاصابات: قد تزيد الشوكات المعدنية، بسبب صلابتها وحوافها الحادة، من خطر إحداث خدوش صغيرة في فروة الرأس، مما قد يؤدي إلى التهابات. بينما الشوكات الخشبية، إذا كانت مصقولة وناعمة، قد تكون أقل عرضة للتسبب في جروح.
توصيات الخبراء
من جهته، يحذر الدكتور جميل الأخصائي في الأمراض الجلدية من الانجراف وراء ترند “الشوكة للشعر”، مشيرا إلى أن استخدام الشوكة، سواء كانت معدنية أو خشبية، قد يخدش جلد الرأس وبالتالي قد تنشأ مضاعفات جلدية. موضحا أن الاستجابة بين المواد المعدنية والمنتجات الموضعية قد تسبب تفاعلات كيميائية تضر بصحة فروة الرأس.
ما هي البدائل الموصى بها؟ ينصح الدكتور جميل عبر “الديار” بضرورة اعتماد طرق أكثر حذرا ونجاعة لتحفيز فروة الرأس، مثل:
المساج: يساعد التدليك اللطيف بأطراف الأصابع على تحسين الدورة الدموية دون خطر التسبب في جروح أو تهيجات.
أدوات تسريح خشبية: تُعتبر الأمشاط والفرش الخشبية ذات الأسنان العريضة خيارا جيدا لتدليك سطح الرأس بلطف، حيث تساهم في توزيع الزيوت الطبيعية وتقليل التشابك دون إلحاق ضرر بالجلد”.
في الخلاصة، على الرغم من أن الشوكة الخشبية قد تبدو عوضا أكثر سلامة مقارنةً بالمعدنية، إلا أنه لا توجد أدلة علمية تدعم استخدامها لتدليك فروة الرأس بهدف تحفيز نمو الشعر أو تقليل الشيب والتساقط. لذا، يُفضل اتباع أساليب مثبتة وآمنة، واستشارة أخصائيي الجلدية قبل تبني أي ممارسات جديدة تتعلق بالعناية بالشعر وفروة الرأس.
ندى عبد الرزاق- الديار