كتبت جريدة “الأخبار”:
بشكل واضح وصريح، ومن دون مواربة أو عبر تسريب، نشر الجيش الإسرائيلي، أمس، مقطع فيديو، من تصويره وإخراجه، للنفق الذي عُثر فيه على الأسرى الإسرائيليين الستة، مقتولين، قبل نحو أسبوعين. وكان أثار مقتل الأسرى غضب شريحة واسعة من الجمهور الإسرائيلي، ودفعها إلى التظاهر في الشوارع، وتنفيذ إضراب قاده «الهستدروت»، الأمر الذي شكّل ضغطاً حقيقياً على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وإن لم يكن كافياً لدفعه إلى تليين شروطه، والتوجّه إلى مفاوضات جدّية تنتج صفقة.إلا أنه أمس، عاد الجيش الإسرائيلي، بما يمثّل من مستوى أمني يقف على رأسه وزير الحرب، يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان، هرتسي هاليفي، وكذلك قادة الأجهزة الأمنية، لينكأ في حادثة مقتل الأسرى الستة، في محاولة واضحة لإعادة إثارة الجمهور ضد الحكومة، ودفعه إلى تصعيد الضغط عليها للتوصّل إلى صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار مع حركة «حماس»، خصوصاً أنه بات واضحاً للجميع أن الصفقة أصبحت أكثر بعداً، وأن المفاوضات شبه مجمّدة، وأنه ليس لدى الأميركيين ما يقدّمونه من مقترحات تفاوضية، أكثر مما قدّموه سابقاً، وفشلوا في تمريره. وفي هذا السياق، رأت «القناة 12» الإسرائيلية أن «تصوير وإخراج هذا الفيديو من قبل الجيش الإسرائيلي هما دليل واضح على الضغط الذي يريد قادة الأجهزة الأمنية ممارسته على المستوى السياسي في إسرائيل، وتحديداً على نتنياهو من أجل إبرام صفقة مع حماس»، مضيفة أن «الجيش يتطلّع إلى التأثير على الجمهور الإسرائيلي للتأثير على الحكومة لإبرام صفقة».
وخلال مؤتمر صحافي، عرض المتحدث باسم جيش العدو، دانيال هاغاري، مقطع الفيديو الذي يُظهره هو نفسه داخل النفق الذي عُثر فيه على الأسرى الستة. وقال هاغاري إن «الجيش لم تكن لديه معلومات عن مكان وجود الأسرى الستة في رفح أثناء العملية العسكرية»، مضيفاً أن «الآسرين أغلقوا النفق بعد قتل الأسرى». وأوضح هاغاري أن «الجيش الإسرائيلي استخدم آليات للحفر في الأرض على عمق 20 متراً، حتى عثر على النفق الذي يبعد حوالي 700 متر فقط عن المكان الذي احتُجز فيه (الأسير السابق) فرحان القاضي». كما أفاد بالعثور على «أدوات لإقامة طويلة وكميات كبيرة من الماء والطعام داخل النفق».
امتنع نتنياهو ومكتبه عن التعليق على فيديو النفق
وأثار الفيديو موجة غضب بين عائلات الأسرى الإسرائيليين، حيث قالت «هيئة عائلات الأسرى» إن «فيديو النفق الذي عُثر فيه على جثامين الستة يقتضي التظاهر لإعادة الأسرى»، مشيرة إلى أن «صمت وتقاعس رئيس الحكومة والوزراء لم يسبق لهما مثيل منذ إقامة الدولة». كذلك، نقلت إذاعة الجيش عن عائلة الأسيرة القتيلة، كرمل جات، قولها إن «قتل الرهائن في غزة كان بسبب الضغط العسكري»، وإن «ما يجب علينا فعله هو إعادة جميع الرهائن بصفقة». وفي المقابل، بدا لافتاً ما كشفت عنه «كان 11»، عقب عرض الفيديو، من أن «نتنياهو شكّل هيئة أمنية مصغّرة بدل مجلس الحرب الذي تم حلّه، من دون الإعلان رسمياً عن ذلك». وأوضحت القناة أن «الهيئة الأمنية المصغّرة تضمّ 6 وزراء إلى جانب نتنياهو، وتنعقد بشكل دائم للتشاور بشأن الحرب». وأضافت أنها «تضمّ (وزير المالية المتطرّف بتسلئيل) سموتريتش، بينما يغيب عنها (وزير الأمن القومي المتطرّف إيتمار) بن غفير الذي يطالب بالانضمام إلى الاجتماعات».
وعلى المستوى السياسي، تباينت ردود الفعل على فيديو النفق، حتى بين معارضي نتنياهو، ما يؤكد الانقسام العمودي في الكيان حول مسألة الأسرى والمفاوضات والصفقة، إذ قال زعيم المعارضة، يائير لابيد، إن «الصور المروّعة هي دليل مرعب ومؤلم على قسوة حماس غير المعقولة، ولكنها أيضاً ضوء أحمر وإنذار لضمير حكومة إسرائيل. إذا لم نفعل كل شيء من أجل الوصول إلى صفقة الآن، فإننا نحكم بالإعدام على الأحياء منهم». وأضاف: «لا يمكننا السماح لأنفسنا بمزيد من هذه الفيديوهات». وفي المقابل، علّق عضو الكنيست ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، قائلاً: «يجب أن نوقف جميع المساعدات الإنسانية لغزة اليوم. لا طعام ولا ماء ولا سجائر ولا وقود ولا بضائع. كل من كان له يد في الأمر، لا يجب أن يموت موتاً طبيعياً». وتوافق معه بن غفير الذي قال إن «فيديو الأسرى الذين قُتلوا في النفق صادم، ويجب وقف المساعدات وزيادة الضغط العسكري»، بينما قال رئيس حزب «يهودية التوراة»، الوزير يتسحاق جولدكنوبف، عقب بثّ الفيديو: «صوت دماء إخوتنا يصرخ إلينا من الأرض. سندعم أي اتفاق يتم تقديمه للحكومة». ومن جهته، اكتفى غالانت بالإشارة إلى أن «الفيديو يؤكّد أهداف الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي منذ عام تقريباً في غزة»، فيما امتنع نتنياهو ومكتبه عن التعليق حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
أعاد وزير الحرب، يوآف غالانت، ترديد كلام المسؤولين الأميركيين حول مفاوضات صفقة التبادل، إذ قال لعائلات الأسرى إن «هنالك اتفاقاً على 90% من القضايا المطروحة في المفاوضات (…) لكنّ الـ10% المتبقّية صعبة»، ولذلك – بحسب زعمه – «المفاوضات حالياً عالقة لكنها لم تنفجر بعد». وفي السياق نفسه، أفادت قناة «كان» الإسرائيلية بأن «الآراء في الإدارة الأميركية تنقسم حول احتمال أن يؤدّي طرح مقترح الوساطة الأميركي إلى انفراج في المحادثات»، لكنّ «المسؤولين الأميركيين يقولون للمسؤولين الإسرائيليين: هذه المرّة نستطيع أن نقول إن حماس مسؤولة عن عدم التوصّل إلى اتفاق». وبحسب القناة نفسها، فإن «المصريين والقطريين، يتفقون على أن الخط الذي تقوده الولايات المتحدة، والمتمثّل في تحميل حماس وحدها مسؤولية الفشل عن الصفقة، لم يكن في مكانه الصحيح». وهم يرون أن «إسرائيل تتحمّل جزءاً من المسؤولية»، فيما برأيهم «يمكن التعامل مع مطالب حماس ومحاولة تغيير أجزاء منها». كذلك، كشفت «كان» عن لقاء جمع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، والوزير الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، بعائلات الأسرى الإسرائيليين، في باريس.