كتب البير خوري
بعد شهور من المفاوضات الصعبة برعاية عراقية وعمانية،جاء امس اعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران،ومن بكين هذه المرة، ليعيد خلط الأوراق السياسية والأمنية والاقتصادية على الساحتين الإقليمية والدولية،ولم يكن لبنان بعيدا عنها ،وأن كان الهم السعودي الأول،هو التوصل إلى اتفاق جديد ودائم لإنهاء الحرب الداخلية في اليمن، الذي شكّل لسنوات طويلة تهديدا امنيا مباشرا للمملكة دفعت أثمانا عشرات مليارات الدولارات، فضلا عما تكبدته من خسائر في الأرواح والممتلكات.
طبعا وكما رأى عدد من المحللين السياسيين والعسكريين الدوليين والعرب، أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين،لا تعني بالضرورة حلحلة جميع العقد بينهما، لكنها بالتأكيد خطوة إيجابية وضرورية في الظروف الإقليمية الصعبة والضاغطة على اكثر من بلد عربي،انتظر طويلا حتى تحقيق هذه الخطوة، و برعاية صينية مباشرة تكللت بالنجاح. ما يؤشر لدخول بكين السياسي المباشر على خارطة الشرق الأوسط بعدما كان هذا الدخول ولعهود طويلة من خصوصيات واشنطن وموسكو واوروبي الى الأمم المتحدة والجامعة العربية.
أما على الصعيد اللبناني،بدا واضحا أن الإشكاليات السياسية الضاغطة على جميع الأطراف، المتحالفة المتخاصمة على السواء آخذة بالتفكك، وخصوصا لجهة تقريب وجهات النظر للوصول إلى قواسم مشتركة تمهّد الطريق لانتخاب رئيس للجمهورية،وهي”أم المعارك” والمفتاح الرئيس لإخراج البلاد من أزماتها الخانقة وعلى كل المستويات، وخصوصا المعيشية وحيث المواطن، العامل والموظف، بات يعاني جفافا في الليرة والدولار في جيوبه وبيوته ومصارفه…
انما وفي المقابل، كشف إعلان بكين عن جهل حقيقي، او الأصح عن “اكاذيب” التحليلات السياسية التي تضاعفت في الأسابيع الأخيرة،وكادت جميعها تضع الاستحقاق الرئاسي في ثلاجة الانتظار لفترة طويلة. أكثر من ذلك بيّن الإعلان هشاشة ثلاثية السيادة والحرية والاستقلال وحيث تتباين بين الفريق الواحد كما بين مختلف الأفرقاء.
أسقط الإعلان معزوفة السيادة اللبنانية. فأن اتفقت إيران والسعودية على مرشح للرئاسة سارع الكل الى ما يؤكد ان القرار خارجي بامتياز.
لقد كان الشيخ سامي الجميل رئيس حزب “الكتائب” واضحا في “كلام الناس” بمعارضته لأي رئيس يعيد تجربة الرئيس السابق ميشال عون الى كرسي بعبدا، وهذا مما يحسب له، اعتبارا من بقائه على مواقفه. انما وفي المقابل، من يصدّق كلام الدكتور سمير جعجع رئيس “القوات” بعدم الانجرار الى القرار السعودي والألتزام به تبعا لمصالحه الخاصة والحزبية؟ او ليست هذه حال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الخبير المحلّف في التبدل والانقلاب بطرفة عين من حليف إلى خصم والعكس صحيح؟
وفي الإطار نفس، ليس بين السياسيين اللبنانيين من ينافس سليمان فرنجية في وضوح مواقفه والثبات عليها حتى ولو كلّفته خسارة كرسي بعبدا للمرة الثالثة.وكما فرنجية الثنائي الشيعي “امل” و”حزب الله” الذي ارتبط بزواج ماروني من الصعب اختراقها مهما بلغت التحديات، في حين أن الثلاثي الماروني ارتبط “بزواج مصلحة” يجعله عاجزا على التوافق على مرشح رئاسي جدي، وحيث كشفت التطورات أن ترشيح النائب ميشال معوض لم يكن أكثر من بالون اختبار.
في المحصلة جاء إعلان بكين ليكشف أن لبنان السيادي خطاب أجوف، وأن التوافق الخارجي هو الناخب الأكبر لرئاسة الجمهورية ..هكذا حاله اليوم وهكذا كان على الدوام..ولا يغير الله ما بقوم أن لم يغيروا ما بأنفسهم.