كتبت بولا مراد في “الديار”:
صحيح أن عملية الرد على اغتيال القيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر، استلزمت الكثير من الوقت والاستعدادات والتحضير. وصحيح ان هناك من رأى فيها ردا مدروسا موجعا، ومن تعاطى معها كعملية محدودة اعتبر انها يفترض ان تكون اشد ايلاما، لكن ما هو محسوم ان هناك مجموعة من الرسائل حملها الرد للداخل والخارج يفترض التمعن بها، لتحديد اتجاه الامور في لبنان والمنطقة في الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة.
ويمكن اختصار هذه الرسائل، وبحسب مصادر “الثنائي الشيعي” بـ4:
– الرسالة الاولى موجهة للعدو الاسرائيلي بطبيعة الحال، ومفادها ان اي خرق لقواعد الاشتباك لن يمر مرور الكرام، وان الرد عليه ومهما طال انتظاره سيكون ايضا من خارج قواعد الاشتباك المعتمدة.
وتشير المصادر الى ان حزب الله يعمل جاهدا منذ اشهر على تثبيت معادلة الردع وتدعيمها، باعتبار انها هي وحدها التي منعت وتمنع العدو من التمادي في لبنان، ومن توسعة الحرب على اكثر من جبهة، رغم قناعة الجميع بأن رئيس الوزراء “الاسرائيلي” بنيامين نتنياهو كان يريد منذ مدة شن حرب كبيرة على حزب الله.. الا ان الاستراتيجية التي اعتمدتها وتعتمدها المقاومة، سواء من خلال الكشف عن اهداف حيوية “اسرائيلية” بفيديوهات الهدهد، ثبت ان صواريخ ومسيرات حزب الله قادرة على ان تضربها، وبعدها عن الانفاق المتطورة جدا، وصولا الى العمليات العسكرية التي تشنها، كلها تجعل نتنياهو يعد للمئة قبل القيام بمغامرة في لبنان، ابلغه حلفاؤه انها ستكون مكلفة جدا، ولا تقارن مع التكلفة التي يدفعها بحربه على غزة.
– الرسالة الثانية موجهة للمجتمع الدولي، ومفادها ان كل الضغوط التي تمارس على المقاومة، سواء في الميدان او بالديبلوماسية لن تجدي نفعا، من منطلق ان كل التهديد والوعيد اللذين حملهما الموفدون الدوليون الى بيروت، لثني الحزب عن الرد على اغتيال شكر، لم يؤثرا قيد أنملة على قرار المقاومة بالرد. وبالتالي فان مهمة هؤلاء الموفدين المتواصلة منذ اشهر لفصل مصير جبهة لبنان عن مسار ومصير جبهة غزة، مهمة فاشلة خاصة بعدما أُبلغ هؤلاء اكثر من مرة، ان لا كلام حول مستقبل جبهة الجنوب قبل وقف الحرب “الاسرائيلية” على غزة.
– الرسالة الثالثة موجهة للداخل اللبناني، ومفادها ان المقاومة حريصة كل الحرص على تجنيب لبنان حربا واسعة، وهي تحاول ليل نهار ان توازي ما بين عملها على الجبهة لدعم غزة، وما بين سعيها الدؤوب لردع “اسرائيل” ومنعها من التمادي، وبخاصة من خلال الامتناع عن اعطائها اي ذرائع او حجج لذلك.
ولعل قرار محور المقاومة عدم القيام برد مشترك على عمليتي اغتيال شكر ورئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية، يندرج في اطار ابقاء التصعيد تحت سقف الحرب الشاملة، لان ردودا متفرقة ومدروسة سيكون لها وقع مختلف عن رد واحد مشترك، قد يوحي باطلاق هجوم موسع على “اسرائيل”، مشهد ستحاول الاخيرة اتخاذه ذريعة لجر واشنطن لحرب واسعة في المنطقة.
– الرسالة الرابعة موجهة للقيمين على مفاوضات هدنة غزة، اذ ان توقيت الرد اتى مباشرة بعدما وصلت اشارات واجوبة حاسمة لحزب الله، بأن واشنطن و”اسرائيل” تراوغان، وان مصير هذه الجولة من المفاوضات مماثل للجولات السابقة. فرغم الفرصة الجدية التي اعطاها المحور للمفاوضين سواء في الدوحة او القاهرة، من خلال تأخير الردود على عمليتي اغتيال هنية وشكر، تبين ان كل الاجواء الايجابية التي تبثها الولايات المتحدة الاميركية غير صحيحة، وان الهوة بين مطالب وشروط نتنياهو ومطالب وشروط حماس، لا تزال اوسع من ان ينجح احد بردمها قريبا.
بالمحصلة، يفترض ان تكون كل الرسائل السابق ذكرها وصلت مباشرة الى من يعنيهم الامر، ليتم منذ الآن وصاعدا البناء عليها في مواجهة يبدو انها متواصلة وطويلة، أقله حتى انجاز الانتخابات الرئاسية الاميركية في نوفمبر المقبل.