11 ألف دولار شهرياً لريّ أشجار العاصمة!
كتبت لينا فخر الدين في “الأخبار”:
تزداد اعتراضات أعضاء المجلس البلدي على السلف الممنوحة لأحد المتعهّدين الذي يحتكر معظم التلزيمات البلديّة، بعدما تبيّن أن الأرقام المطلوبة مُبالغ فيها، في حين لا يُنفِّذ المتعهد الاتفاق المنصوص ولا يُراعي جودة الأعمال، في غياب الرقابة الكاملة من قبل البلديّة.
في زمن الإفلاس، كان يفترض أن تُنهي السّلف التي تعطيها بلديّة بيروت للمتعهدين لتنفيذ أشغال في العاصمة، حالات الهدر التي كانت سارية قبل الأزمة الماليّة، إبّان سيطرة الشركات – «الديناصورات» على المُناقصات قبل تلزيمها في بعض الأحيان. ومع ذلك، لا يبدو أنّ السّلف قضت على أزمة تبديد الأموال العامّة التي لا تزال تُلاحق البلديّة، رغم محاولة المجلس البلدي تقليصها ومساعٍ قام بها كثيرون لكسر احتكار رجل الأعمال ناصر زيدان معظم التلزيمات، قبل أن يدخل على الخط أخيراً ابن عمّته، سعد موصللي، الذي رست أعمال صيانة المقارّ البلديّة ورشّ المبيدات فيها على مؤسسته التي أنشأها حديثاً، ويُعتقد بأنّ شركة زيدان هي من يقوم بالأعمال فعلياً. أحد المشاريع التي طُوّبت لزيدان مشروع ري أشجار العاصمة وتشحيلها، مقابل سلف ماليّة بمعدّل 500 مليون ليرة كلّ أسبوعين (أكثر من 11 ألف دولار شهرياً)، علماً أن السّلف التي ترد إلى المجلس البلدي في هذا الخصوص تُطالب بأرقام مبالغ فيها، قبل أن يقوم الأعضاء بالاعتراض عليها وتقليصها. ويؤكد عدد من أعضاء المجلس البلدي وجود تلاعب في تنفيذ الأعمال، وقيام المتعهد بتعبئة الخزانات المُخصّصة للري مجاناً من الملعب البلدي في الطريق الجديدة وفرع فوج الإطفاء المُلاصق له، رغم أن الاتفاق بين البلديّة والمتعهد ينص على أن يؤمّن الأخير المياه على نفقته. وإلى ذلك، لا رقابة على نوعيّة المياه التي تتم تعبئتها (في حال تمّ شراؤها من موزّعي المياه في بيروت)، وما إذا كانت مخُصّصة لري الزرع.
ويلفت هؤلاء إلى أن قيمة التعهد مُبالغ فيها قياساً إلى العدد القليل من الأشجار التي تحتاج إلى الري الدائم في العاصمة، إذ إنّ معظمها (كتلك الموجودة في كورنيش المزرعة وكورنيش النّهر وقصقص) أشجار نخيل أو شجيرات بريّة لا تحتاج إلى المياه أصلاً. أضف إلى ذلك الشكوك حول قيام المتعهد بري الشجر يومياً، خصوصاً أن لا جداول يوميّة أو أسبوعيّة بالأعمال المطلوبة، والتي من المفترض أن تُعدّها لجنة الحدائق مع تحديد كميات المياه التي تحتاج إليها المزروعات، كما أنّ المحافظ لم يشكّل لجنة تسلّم للتدقيق في الفواتير، وما يحصل أن المتعهّد يقدّم الفواتير ويتسلّم أمواله على أساسها، وهو ما ينسحب على كل الأعمال المُنفّذة لصالح البلديّة. ويؤكّد عدد من الأعضاء أنّ الشكوك لا تدور فقط حول ريّ الشجر، بل تشحيلها أيضاً، إذ إنّ المتعهد لا يتقيّد بشروط الاتفاق المنصوص عليها وتُلزمه بوجود متخصصيْن اثنين وعاملين يملكون سيارة ومعدّات للقيام بأعمال التشحيل، وهو ما لا يحصل وفق الشكاوى التي وردت إلى البلديّة حول التشويه الذي لحق ببعض الأشجار أثناء التشحيل، مع ترك ما يُشحّل في مكانه، ما يُؤدي إلى عرقلة السيْر، كما حصل أخيراً في منطقة مار الياس وفي منطقة مار مخايل – النهر، ما دفع إلى التواصل مع شركة «رامكو» المكلّفة بكنس نفايات العاصمة وجمعها ونقلها لإزالة مخلّفات التشحيل، رغم أنّ العقد الموقّع معها لا يُلزمها بذلك!
عضو المجلس أنطوان سرياني أرسل كتاباً إلى رئيس البلدية عبدالله درويش أعلمه فيه بأنّه سيعترض «من الآن وصاعداً على أي سلفة ماليّة ترد إلى المجلس باستثناء تلك المُتعلّقة بالفيول والمازوت والرغوة السائلة لزوم فوج إطفاء بيروت، كوْن هذا الأمر متعلقاً بالسلامة العامة»، مقترحاً آليّة تتضمن قيام كلّ رئيس دائرة بتنظيم تقرير يحدّد فيه الأعمال والمستلزمات الضروريّة لتسيير أعمال دائرته ورفعه إلى المحافظ، على أن يتم الإعلان عنها على الموقع الإلكتروني الخاص بالبلديّة والتطبيق الخاص بها، إضافةً إلى لصقها على مقر البلديّة ونشرها في الصحف لتقوم الشركات بتقديم العروض». كما طالب بـ«تفعيل لجان تسلّم الأعمال والمستلزمات من المتعهدين والمورّدين على أن تُرفع تقارير مفصّلة بالتسلّم وإبداء المُلاحظات في حال وجودها».
وسرياني ليس وحده في الاعتراض على السّلف بشكلها الحالي، إذ تشير المعلومات إلى أنّ أكثر من عضو أبلغوا اعتراضهم إلى درويش ومحافظ بيروت القاضي مروان عبّود، ما دفع إلى إرجاء الجلسة الأخيرة للمجلس البلدي، بانتظار أن يبت عبّود في الأمر. ويعزو هؤلاء الأمر إلى علامات استفهام تُرسم على الأعمال التي يقوم بها زيدان، الذي «عرف كيف يُشبّك علاقات مع الموظّفين المعنيين وكيف يُرضيهم على طريقته، لمنع المتعهدين الآخرين من الدخول إلى ملعبه». وتشير المصادر إلى أن الأمر «وصل بمسؤولة في دائرة الحدائق إلى رفض تسلّم عرض أسعار من متعهّد بحجّة أنّنا مرتاحون بالتّعامل مع زيدان، ومن دون الأخذ في الاعتبار فارق الأسعار بين المتعهدَين»!