إيلون ماسك.. الأفعل لِسَحْبِ إسرائيل!
كتب عبد الغني طليس في “اللواء”:
يقول وزير حرب إسرائيل «تلقّينا موافقة أميركية على البقاء في جنوب لبنان». لن أقول كغيري أين المؤمنون بحياد الولايات المتحدة تجاه لبنان؟ ولن أقول تفضّلوا أيها الموقّعون على بيَاض لمشاريع أميركا في لبنان، وساعدوا بلدكم على نفض الذلّ اليهودي عن نفسه؟ فأنا أعلم أن كل ما جرى في العدوان على البلد، وكل ما سيجري ستضعونه في رقبة حزب الله وبيئة المقاوَمة التي كان «ينبغي» أن تنفضّ عنه. هذه النقطة/ المعزوفة الخاصة بحزب الله نعرف جوابكم عنها، لكن أخبرونا عن دوركم، عن نشاطكم، عن حيويتكم، عن ثقتكم بالمعطيات التي بين أيديكم (لا في خيالكم!) فاعتمدتموها وتعتمدونها حتى الآن في محاولة «إقناعنا» بالإتكال على المجتمع الدولي وسيّدته أميركا (وإسرائيل ضمناً) في إنهاء الإحتلال الجديد لنقاط قيل أنها خمسةٌ وقيل أكثر، وأن كلمتكم «اللبنانية» في هذا الخصوص ستكون مسموعة في المحافل الدولية؟
«حزب الله جلَبَ الحرب». أكثر مَن ينبسِط بهذه الجُملة هو إسرائيل كونها تريحها من أي مسؤولية ممكنة. لن نناقشكم في ما تعتبرونه مفروغاً منه. سنناقشكُم في هذا السيل العارم السائر على ألسِنتكم من الإيمان بقدرتكم على إقناع أميركا بفرض رأي لبنانيّ على إسرائيل بالانسحاب من الجنوب. ماذا تقولون عنه بعد إعلان وزير حرب الدولة العِبرية عن حصول «بلاده» على الموافقة الأميركية على البقاء بين ظهرانينا إلى وقت غير معلوم. لمن ستلجأون؟ لبياناتٍ حكومية ضد هذه السياسة الأميركية؟ هذا ممنوع بل محرّم، وإلّا…! لمن؟ لشكاوى وزارة الخارجية إلى الأمم المتحدة ونحن اليوم نتعرض لبَلْفة أميركية مباشرة ليست «مغطاة» بالأمم المتحدة ولا مجال لإخفائها أو تمويهها؟ فلا فخامة الرئيس قادر على هذا الموقف ولا رئيس الحكومة وهما المخوّلان مباشرةً، ولا أحد، فكيف يمكن مواجهة هذا الواقع الذي سيؤدي حُكماً (إذا تكرّس!) إلى ردّ فعل.
ردّ فعل ممّن؟
هذا هو الشيء الذي يعتقد المسؤولون في لبنان حالياً أنه غير ممكن إلّا.. بطَرْق الباب الأميركي مراراً وتكراراً واللجوء إلى الأماني بأن يسمع الرئيس الأميركي ترامب طَرَقات الباب. وترامب مشغول بألف بلد وبلد. يرتّب العالَم على طريقته. ومن الآن إلى أن يسمعَ، علينا أن نتحمّل ونغض النظر عن كل العمليات العسكرية التي تنفّذها طائرات إسرائيل الحربية في الجنوب والبقاع فيقع شهداء وجرحى يقول الإسرائيلي إنهم من حزب الله، ويجب أن نصدّقه ليس لأنه صادق بل لأن أحداً لا يجرؤ على مطالبة اللجنة «المُنظِّمة» للاعتداءات في القرار ١٧٠١ بالخروج ببيانات تُحدّد وتصنّف ما يجري. يصنّف الإسرائيلي والإعلام يتبنّى والدولة اللبنانية «مش فاضية» والعمليات العدوانية مستمرّة والسكوت اللبناني (على ما يقدّر الله) تحت شعار «حزب الله مسؤول عن تداعيات إسناده غزّة».
نوقنُ أنه من المستحيل القدرة على تغيير هذا المنطق «المحلي» الداخلي الذي يهرب من التداعيات المتراكمة ويعيدها إلى «مَن بدأ الحرب» حسب منطقه، متجاهلاً أن وعوده «العالَمية» في الخلاص من التداعيات يتعيّن أن تتحقّق لا أن يتم التملّص منها أو تجاهلها. وفي هذا الوقت المستقطع الذي تستغله الدولة العِبرية في عربدةٍ لم تمرّ على لبنان منذ عشرين عاماً، لا بدّ من النظر إلى أين يمكن أن ينفجر ردّ الفعل.
ردّ الفعل ممّن؟
«حزب الله» يجرّب الآن، في صمته، ما جرّبه من قبل ولم يؤتِ بنتيجة، فكانت المقاومة هي الرد. الظروف مختلفة؟ نعَم. العالَم مختلف؟ نعَم. لكن في السابق كان كذلك نصف اللبنانيين يقولون له لا نريد مقاوَمة، ويجب الاعتماد على علاقاتنا الدولية لتحقيق انسحاب إسرائيل، وكان يرد بأنه اعتمِدوا ما شئتم على العلاقات الدولية وحين تفيدكم أفيدونا بذلك. ولم نستفد من علاقاتنا الدولية إلّا.. فرضَ وصايات مالية واقتصادية متمادية بحجة وجود حزب الله وسيطرته بالدويلة على الدولة. لقد تغيّر الزمن كما تقولون، والحزب لم يعد قادراً على «تنفيذ مشيئته» في الداخل والخارج، فماذا عنكم؟ عن مشيئتكم؟ عن اقتناعاتكم بقوة المجتمع الدولي «العظيم»؟ ماذا عن أحلامكم بالتأثير على أميركا فتعطف عليكم و.. علينا؟
سيكون هناك ردّ فعل، لكن ممّن؟
ليس نتنياهو وحيداً فريداً في تاريخ البشرية اقتنع بأن جبروته بلا حدود. وليس حزب الله أو غيره وحيداً فريداً في اقتناعه بأنّ صاحب الجبروت ينبغي أن يؤلمَ لكي يرعوي. ولن يرعوي من دون أن يألَمَ. لكنّ السؤال عن ردّة الفعل التي قد تلجم نتنياهو، يستدعي السؤال عن الألم الذي سيُضرَب به من غير أن يستجرّ حرباً. وإذا كانت السنن الطبيعية تعترف بأنّ المياه التي تتجمع تحت الأرض لا بدّ من أن تجد لها مخرجاً، فإنّ العقل البشري هو أيضاً لم يُعدَم وسيلةً ينفَذ منها إلى التحرر من قبضة الجبابرة.. غير «القرفَصَة» أمام المجتمع الدولي المخصيّ من فوق حيث إدارتُه، ومن تحت حيث أقدامه المرتجفة من بأس اليهودية العالمية مشفوعة بالصهيونية!
غير ذلك، يمكن التأثير على «الموافقة» الأميركية بشأن النقاط التي لن ينسحب الجيش الإسرائيلي منها، من نافذةٍ واحدة هي الاتصال والتواصل والوصال مع إيلون ماسك الذي يقعد حالياً على رأس رئيس الحكومة الأميركية ورؤوس وزرائه، بحضور ترامب ومباركته الشخصية، وآخِر جلسة تكلّم فيها ماسك ساعةً كاملة، عن الحرية المعطاة له من سيّد البيت الأبيض في الإشراف على أعمالهم، فلا ناقَضَهُ أحد ولا اعترض أحد ولا تململ أحد على تخطيطاته بشأن وزاراتهم. فرجُل بهذه السلطات الخارقة قد يكون أكثر شفقةً على بلدنا من رئيسه ترامب و«اللوبي اللبناني» الشّهم في أميركا الذي يقول مديرُه إنه يدعم المسعى الذي يفرض على لبنان الانصياع للشروط الإسرائيلية!
لكن، ماذا إذا كان غير حزب الله هذه المرّة سيتولّى؟ وبما أن اللبناني ينتمي إلى منطقته لا إلى بلده إلّا أحياناً، فأبناء القرى التي دمّرت وهي بالعشرات، لا يستطيعون الانتظار حتى يقتنع أهل باقي المناطق بمشروعية عودته إلى بيوته وأرضه، ولا بمشروعية سَعيه إلى تحرير نفسه وأرزاقه.
أهوَن السبل إلى التحلل من كل التزام القول إن حزب الله هو السبب، كأن إسرائيل وُلدت البارحة، بالتحديد عام ٢٠٢٤.