خطاب “الأحلام” تعهدٌ ووعدٌ للرئيس المنتخب بتحقيقه

كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:

بنظرات ثاقبة كان الرئيس نبيه بري ينصت إلى مداخلات النواب المؤيّدة والمعارضة لخرق الدستور، مكتفياً بابتسامات معبّرة وببعض التحيات والتعليقات الظريفة التي اعتاد على إمرارها عوض الرسائل، لينهي الجدل الدستوري بالقول: «لا أريد التعليق على الماضي فلننتخب الآن»، وهكذا كان. وتمّ انتخاب القائد جوزاف عون الرئيس الرابع عشر للجمهورية اللبنانية في الدورة الثانية بـ99 صوتاً، ليطلق خطاب قَسَم أشبه بالأحلام، إلّا أنّ الرئيس المنتخب قصده فعلاً فقالها أمام النواب والوزراء والقناصل والسفراء العرب والأجانب والخماسية والمبعوث الرئاسي الفرنسي الذين «أتمّوا المَهمّة».

«نصنع الأحلام ونعيشها» هكذا بدأ الرئيس المنتخب خطاب القسم. وأضاف: «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان أقسم فيها أمام الجميع والشعب اللبناني يمين الإخلاص أن أكون الحامي والحافظ للميثاق ووثيقة الوفاق الوطني على أن لا يكون هناك فضل لطائفة على أخرى…»، إلّا أنّ مشاورات ما قبل الدورة الثانية أراد فيها «الثنائي الشيعي» إثبات عكس ذلك، فتولّى المهمّة النائب علي حسن خليل وتمّ إجراء اللمسات الأخيرة مع القائد قبل أن يصبح رئيس لبنان بـ99 صوتاً، ليؤكّد المؤكّد إذا كان واضحاً، أنّ «الثنائي الشيعي» الذي لم يصوّت للقائد من الدورة الأولى فحصد 71 صوتاً، أراد إفهام الجميع والمعنيّين، بمَن فيهم الرئيس المنتخب بأنّه الرافعة لانتخاب رئيس وأنّه بيضة القبان، وكأنّه أراد القول إنّه إذا انكسر في الميدان، فإنّه ما زال سيّد ميدان المجلس…

لذا كان للثنائي شروطه قبل أن يعود نوابه إلى القاعة العامة للتصويت لجوزاف عون في الدورة الثانية فيحصل على 99 صوتاً. إلّا أنّ هذا الواقع لم يسلم الرئيس المنتخب به فعاجل بردّ مباشر ومن خلال كلمة القَسَم متوجّهاً في ميدان الجلسة بضرورة حصر السلاح في يد الدولة فقط! ليعلو التصفيق ويستمر لأكثر من دقيقة أمام وجوم نواب كتلة «الوفاء للمقاومة» الذين اكتفوا بالإصغاء إلى خطاب القَسَم الطويل وصفّقوا للقليل من مقتطفاته وتحديداً تلك التي لها علاقة بمحاربة إسرائيل…

بدورهم، نواب «التيار الوطني الحر» صفقوا للبند الذي تلاه الرئيس المنتخب ويتعلق بالحفاظ على الدستور، وهكذا فعل بعض النواب الذين أقرّوا بخرق الدستور إلّا أنّهم صوّتوا لجوزاف عون للضرورة الرئاسية…

بدوره، تخوّف النائب ملحم خلف من تجاهل الدستور، معتبراً «أنّ الحرية تصبح في خطر إذا استمرّينا في خرقه»…

وكان لافتاً جلوس النائب جبران باسيل على الكرسي الأول في مقدمة القاعة بجوار النائبَين إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا لكنّه لم يبادلهما السلام ولا الحديث… فيما شوهد باسيل لأكثر من مرة يصفّق مراراً وتكراراً لجوزاف عون أثناء خطاب القسم وكان من أول المهنّئين له…

من جهة أخرى، توجّه باسيل برسائل قاسية للنواب والمجتمع الدولي من خلال مداخلته أمام أعيُن السفراء الحاضرين والخماسية قائلاً للنواب بأنّهم تلقّوا التعليمات من الخارج، معتبراً الجلسة «جلسة تعيين وليست جلسة انتخاب»، واعتبرهم «مرتهنين لوصاية جديدة خارجية مشهدها فاضح ومعيب»، متأسفاً على ما سيكون عليه المشهد أيضاً في المستقبل.

بدوره، النائب جميل السيد الذي شجب خرق الدستور، اعتبر أنّ «النواب ليسوا في جلسة انتخاب بل في جلسة تصديق على تعليمات خارجية». إلّا أنّ النائب بلال عبدالله اعتبر «أنّ الدستور ليس الغاية بل هو وسيلة لحماية الدولة والشعب وإذا خيّرنا فنحن نغض النظر عن الدستور»…

في المقابل، كانت كلمة لافتة ومعبّرة للنائب أسامة سعد الذي اعتبر «أنّ الدستور قد عُرّيَ أمام توافقات اللحظة»، معتبراً «أنّ العصا والجزرة قد تكونان من أطلق الحيوية الانتخابية». وتوجّه إلى السفراء الحاضرين في القاعة بالسؤال «هل يجرؤ أحد في دولكم أن ينتهك الدستور؟». لكنّه في النهاية هنأ الرئيس المنتخب…

وهنا جاء الردّ من النائب ميشال ضاهر الذي اعتبر «أنّ هذه الطبقة السياسية هي التي استجلبت الخارج، بعدما سرقت أموال المودعين وبعدما فشلت في إعادة الكهرباء منذ 30 عاماً»، معتبراً أنّه حان الوقت للطبقة السياسية الحالية أن تحيد جانباً، شاكراً المجتمع الدولي الذي أتى لمساعدة لبنان على بناء دولة.

عبد المسيح: لرئيس أرثوذكسي!…

بري: كنا بمصيبة صرنا بـ2

بدوره، اعتبر النائب ميشال معوّض أنّ لبنان في حاجة إلى رئيس جامع يلمّ اللبنانيّين ويحوذ على دعم عربي ودولي، لأنّ لبنان ليس لديه القدرة المالية والمؤسساتية للنهوض في هذا البلد…

أمّا الكلمة الملفتة فكانت للنائب نديم عبد المسيح الذي طالب برئيس أرثوذكسي ضمناً، ليجيب الرئيس بري: «كنا بمصيبة صرنا باثنتين».

النائب جرادي الذي وصف الجلسة بجلسة «تجرّع الكأس الدستورية المرّة والحقيقة المؤلمة»، برّرها بأنّ شعب لبنان «يمكنه من حطام الدستور صنع خيام دستورية لبناء المستقبل»…

يبقى الأبرز في جلسة الأمس خطاب القَسَم الذي ألقاه الرئيس المنتخب بعدما أقسم على احترام الدستور، واعداً بأنّ عهده سيكون عهد احترام الدستور وتطبيق القوانين وعهد لبنان… كما وعد بتشكيل حكومة سريعة يكون رئيسها شريكاً وليس خصماً يعمل بروح إيجابية وبتفضيل الكفاية على الزبائنية…

كما حَمل خطاب القَسَم رسائل أمنية حازمة، وعد فيها الرئيس المنتخب بتكريس حق الدولة في احتكار حق السلاح وبدولة تستثمر في جيشها الذي يضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وشرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب…

ووعد الرئيس بإنجاز قانون استقلال القضاء، كما طمأن الدول العربية والغربية الى أنّ لبنان سيعمل على مبدأ الحياد الإيجابي، وأنّ لديه فرصة تاريخية لبدء حوار جدّي وندّي مع الدولة السورية بهدف معالجة كافة المسائل العالقة بين البلدَين، ولا سيما منها ضبط الحدود وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية وملف المفقودين وحل مسألة النازحين السوريّين…

في الخلاصة، بعد عامين وشهرين وعشرة أيام من الشغور الرئاسي، نجح المجلس النيابي في انتخاب رئيس. فالجلسة التي تخلّلها أكثر من مؤشر وأكثر من رسالة في حضور سفراء الخماسية والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، نجحت في التصفيق لإتمام مهمتها.

وسألت «الجمهورية» لودريان عمّا إذا كان راضياً عن مجريات الجلسة، وما إذا انتهت مهمّته وما إذا كان هناك من مهمات أخرى، فأجاب بالفرنسية «on verra!» (سنرى). أمّا السفير السعودي وليد البخاري الذي سألناه عمّا إذا كان يعتبر أنّ الخماسية نجحت في مهمّتها، فعاجلنا في الجواب «نجح لبنان».

 

Exit mobile version