كتب إلياس فرحات:
مضت أربع سنوات على انفجار مرفأ بيروت المأساوي الذي هزّ العاصمة والبلد المهتز أساساً من كثرة أزماته وأدى إلى سقوط نحو ٢٢٠ قتيلاً ومفقوداً وأكثر من ستة آلاف جريح، فضلاً عن أضرار مادية في معظم أحياء العاصمة بيروت.
وقع الانفجار عند الساعة السادسة والدقيقة الثامنة عصراً ونجم عن انفجار كمية كبيرة من نيترات الأمونياك قدرت بنحو ٢٧٠٠ طن. وقد أحال مجلس الوزراء قضية التفجير على المجلس العدلي.
سأتناول في هذا المقال الكلام الوقائع الثابتة والمتفق عليها وأبرزها الآتي:
أولاً؛ البداية مع الباخرة روسوس:
في٢٣ أيلول/سبتمبر، أبحرت الباخرة روسوس (MB Rhousos) رافعة علم مولدافيا من ميناء باتوم على البحر الأسود في جورجيا وهي تحمل كمية من نيترات الأمونياك تقدر بنحو ٢٧٥٠ طناً مصدرها شركة روستافي أزوت في جورجيا متجهة إلى مرفأ ماتولا في موزامبيق (يعتقد أنها تستعمل في تفجير الصخور في مقالع في الموزامبيق) ولدى وصولها إلى اسطنبول توقفت مدة يومين ثم تابعت مسيرها في ٣ تشرين الأول/أكتوبر باتجاه البحر المتوسط.
قبل وصولها إلى نقطة قبالة المياه الإقليمية اللبنانية، طلب وكيلها البحري أن ترسو في مرفأ بيروت لشحن كمية من البضائع على أن تفرغها في ميناء العقبة الأردني وهي في طريقها باتجاه مرفأ بيرا بموزامبيق.
دخلت الباخرة المياه الإقليمية اللبنانية ورست في مرفأ بيروت في ٢١ تشرين الأول/أكتوبر. الجدير بالذكر أن غرفة العمليات البحرية المشتركة هي السلطة التي تضبط الملاحة في المياه الإقليمية وخروج ودخول السفن من وإلى المرافئ اللبنانية. لم يتبين ما إذا كانت هذه الغرفة أخذت بالاعتبار نوع الحمولة، أي النيترات، وكميتها قبل إعطائها الإذن بالدخول أو أشارت إلى باقي السلطات الممثلة في الغرفة حول نوع الحمولة ومخاطرها.
ثانياً؛ الباخرة روسوس في مرفأ بيروت:
هكذا وصلت الباخرة إلى مرفأ بيروت في ٢١ تشرين الثاني/نوفمبر (لاحظ كم هي بطيئة) ورست على رصيف بحري لجهة الجنوب.
وقد ورد في الموقع الاكتروني للباخرة أن مالكها الروسي إيغور غريشوشكين لم يمتلك المبلغ اللازم لدفع رسوم عبور قناة السويس والأرجح أنه فضّل شحن معدات من بيروت إلى العقبة للحصول على المبلغ المطلوب. عندما حملت الباخرة المعدات وهي آليات حفر ثقيلة، وضعت في الفتحة المؤدية إلى منطقة تخزين أكياس النيترات فأحدثت ثقوباً وتخريباً في السفينة، مما حمل الوكيل البحري على إعادتها وصرف النظر عن نقلها إلى العقبة وأدى ذلك إلى تفاقم المشاكل التقنية للباخرة.
أجرت سلطات مرفأ بيروت كشفاً فنياً على الباخرة فتبين أنها تُعاني من مشاكل في المحرك ومن عيوب تقنية تمنعها من الإبحار في حالتها الراهنة.
كان طاقم الباخرة يتألف من ثمانية أوكرانيين وروسي واحد. سمحت السلطات اللبنانية بمغادرة خمسة أوكرانيين وبقي ربّان الباخرة ومعه ثلاثة في الباخرة لمتابعة شؤونها.
أعلن مالك الباخرة إفلاسه وقُدّمت ثلاث دعاوى على الباخرة من الدائنين. باع قبطان الباخرة قسماً كبيراً من الوقود ودفع لمحامين وتقدم بدعوى السماح لطاقم السفينة الباقي وهو أربعة بالمغادرة نظراً لبقائهم فترة طويلة على متن الباخرة وأصدر قاضي الأمور المستعجلة قراراً يسمح بمغادرتهم. قررت السلطات القضائية اللبنانية الحجز على الباخرة. ورد على موقع الباخرة أن الحمولة الخطرة نقلت إلى البر ووضعت في العنبر رقم ١٢.
وُضعت أكياس النيترات في العنبر رقم ١٢ من دون متابعة حتى شباط/فبراير ٢٠١٦ عندما أرسلت مديرية الجمارك العامة كتاباً إلى وزارة الدفاع الوطني ـ قيادة الجيش تعلمها فيه أنها فحصت النيترات وتبين أنها تحوي نسبة ٣٤،٧٪ أزوت. نشير إلى أن المادة ١٧ من قانون الأسلحة والذخائر تنص على أن النيترات فوق نسبة ٣٣،٥٪ أزوت تخضع لإجازة مسبقة من وزارة الدفاع الوطني. نشر على مواقع التواصل الاجتماعي كتاب الجمارك ونشر أيضاً رد قيادة الجيش الذي يطلب عرضها على الشركة اللبنانية للمتفجرات (مجيد شماس) لامكانية الاستفادة منها وفي حال عدم الرغبة إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ على نفقة مستورديها.
برغم ذلك بقيت كمية نيترات الأمونيوم الخطرة في العنبر رقم ١٢ إلى حين انفجارها.
بعد ظهر الرابع من آب/اغسطس ٢٠٢٠، تلقت أطفائية بيروت اتصالاً يفيد بنشوب حريق في العنبر رقم ١٢ في مرفأ بيروت فتوجهت سيارات الإطفاء من الكرنتينا إلى مكان الحريق وبدأت بإطفائه وبعد عشر دقائق وقع الانفجار. دام الحريق قبل الانفجار نحو ٢٠ إلى ٣٠ دقيقة وهو الوقت اللازم لجهوزية رجال الإطفاء والانتقال من الكرنتينا للعنبر رقم ١٢ وضمناً عشر دقائق استغرقتها عملية الإطفاء. الجدير بالذكر أن رجال الاطفاء استشهدوا في الانفجار.
في العام ١٩٤٣، نال لبنان استقلاله وبقي وضع المرفأ على حاله. في العام ١٩٥٩، انشئت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من الدرك وشرطة بيروت والوحدات الأخرى. بقي وضع المرفأ على حاله. في العام ١٩٧٧، أنشأت الحكومة اللبنانية جهاز أمن المطار وهو قيادة تنسق بين الأجهزة العاملة فيه: قوى الأمن الداخلي والجيش والأمن العام والجمارك وغيرها.. باختصار بات للمطار مرجعية أمنية.
أما في مرفأ بيروت فقد بقي الوضع كما كان عليه أيام السلطنة العثمانية وما زالت وحدات الدرك ولاحقاً شرطة بيروت لا تتدخل في المرفأ علماً أن الأمن العام يقوم بوظائف الضابطة العدلية.
بات من الضروري والملح انشاء جهاز أمن لمرفأ بيروت يتألف من جميع القوى الأمنية ويكون مرجعية أمنية مماثلة لجهاز أمن المطار، علماً أن مفرزة مخابرات الجيش انتشرت في مرفأ بيروت عام ١٩٩٣ مثل المفارز المنتشرة في المرافئ وعلى المعابر الحدودية بهدف مكافحة التهريب استناداً إلى قرار مجلس الوزراء وليس لحفظ الأمن.