“يوم الأربعين”.. التحذير الأخير
زاهر أبو حمدة
نعاني جميعاً من “تحليل اللحظة”، أصبحنا “لحظيين” ويمكن إسقاط الأمنيات والمشاعر الانسانية على أحداث كبرى. مثلاً، نعطي رأياً في هجوم الحزب فوراً من دون الانتظار لساعات أو أيام. هكذا حدث لا يمكن تأطيره وتحليله في الساعات أو الأيام الأولى. الأمر يحتاج وقتاً لمعرفة ماذا حصل وما هي النتائج؟ والأخطر هو نزع السياق وتحويل الأمر إلى إسفاف أخلاقي لا يفيد إلا العدو.
ماذا حصل؟
شن الاحتلال عدواناً مكثفا بالغارات الثقيلة، كاستعراض قوة وترهيب الطرف الأخر والخروج بمظهر أنه فعّل القدرة الاستخبارية والتنفيذية التدميرية. هذا يذكرنا بما فعله بني غانتس في “سيف القدس 2021” حين إدعى أنه دمر مترو أنفاق غزة بضربة قاسمة بسلسلة غارات ثقيلة. كانت النتيجة صفراً مكعباً لا بل أن الأنفاق الهجومية والدفاعية لم تتأثر بتاتاً. في المقابل، نجحت الصواريخ بالانطلاق ومعها أسراب المسيرات. طيب، إذا كانت ضربة وقائية/ استباقية كيف أقلعت الصواريخ والمسيرات من مرابضها القريبة والبعيدة وعبرت الحدود إلى العمق؟ باختصار شديد، تنفيذ الخطة كان احترافياً ووصلت المسيرات إلى هدفها. هناك دلائل كثيرة ستصدر قريباً، و”الرقابة العسكرية ما زالت تمنع نشر تفاصيل هجوم الحزب الأخير، ولكن “من الواضح أن حدثا كبيرا قد حصل” حسب “معاريف”، أما المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، وصف الهجوم بـ”الكبير/ العظيم وغير المعهود في نطاقه وحجمه” وأن جو بايدن كان على إطلاع بكل ما يحدث وأن التنسيق متواصل منذ ما قبل الهجوم مع الإسرائيليين، يعني أن الأميركيين ساعدوهم في الخطة الدفاعية.
في حين، طالب الجميع بالكشف عن مكان اغتيال إسماعيل هنية في طهران (الاعلام الإيراني كشف بعض الصور)، لم يطالب أحد الاحتلال بالكشف عن القاعدتين المستهدفتين في هجوم الحزب. مسألة مهمة: نظم الحزب جولة للإعلاميين في البقاع ليصوروا ماذا قصف الاحتلال حين إدعى أنها مراكز عسكرية، هنا دحض الحزب الرواية الإسرائيلية بالإثبات وفعلها سابقاً في أكثر من مكان. وإذا كانت المسيرات لم تحقق أهدافها لماذا التعتيم، حتى أن بنيامين نتنياهو منع المسؤولين من التصريح.
لماذا حصل؟
مما لا شك فيه، إذا كانت النظرة ثأرية فبكل تأكيد لن يعجب رد الحزب أصحاب الدم لا سيما وأن الدم لم يسيل في تل أبيب على الهواء مباشرة. لكن في الحرب تسقط قواعد الاشتباك ويسقط “الخطاب التعويضي”، فأيام التوتر يمكن رفع السقوف الكلامية (أقول لعدوي سأفعل وأفعل وأفعل) لكن حين تقع الحرب ونحن فيها، يكون التصرف مختلفاً وهذا ما لخصه السيد بكلمتين “سنرد بحكمة وغضب”. قدم الحكمة على الغضب لأسباب يمكن شرحها لاحقاً. وأهم أهداف الرد هو “استعادة الردع وإعلان التحذير الأخير”. هل نجح بذلك؟ نعم (والوقت يثبت ذلك، إذا عاد الاحتلال وقصف ضاحية العاصمة). ومن المفارقات، أن مسؤولي الاحتلال السياسيين والعسكريين هددوا وأرعدوا وأن الويل بعد أي هجوم من لبنان.. لم يحدث. فقلبوا السردية بقبل وليس ببعد. وهذا دليل ارتعاش من بعد البَعد. أما بالنسبة للتحذير، فالسيد ذكر في خطابه نقطتين: الصواريخ البالستية يمكن استخدامها قريباً، وسنغزوكم بفرقة موسيقية. هذا التحذير والانذار ينطلق من يد قوية لديها المقدرة: استهداف غليلوت في المرة المقبلة سيكون بالصواريخ الدقيقة ذات الرؤوس الثقيلة وليس بالطائرات المسيرة مختلفة الاحجام.
ماذا بعد “يوم الأربعين”؟
طالما اتخذ الحلفاء قرار الرد فرادى، يعني أن الرد اليمني اقترب ومن ثم الرد الإيراني. هكذا يكسبون الوقت في الاستنزاف السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والنفسي، وتبقى في الجعبة أوراق قوة يمكن تسخيرها خدمة لغزة وربما للضفة الغربية. أما بالنسبة للجبهة الشمالية، لا يمكن التعويل على عودة المسار إلى الخلف لأن التوصل إلى تفاهم صعب، وكذلك الاستمرار بوتيرة معينة صعب. وللمرة الأولى تبدو صيغة “لا غالب أو مغلوب” مضمونة أو ممكنة، لذلك تخفيف التشنج لا يعني نهاية أو تبريد الجولة القتالية إنما الانتقال لجولة جديدة بمفاجآت جديدة.