“يا هلا بالخميس”: من يريده حامياً تحت النار؟!
كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
تزامنا مع الترحيب الإقليمي والدولي باستئناف المفاوضات لوقف النار في غزة وتبادل الأسرى بالمعتقلين بعد غد الخميس في الدوحة بناء على دعوة “الثلاثية الدولية – العربية”، وصل السباق الى الذروة بين الخيارات السياسية والعسكرية. وتزامنت الدعوات الى خفض التصعيد مع تهديدات “محورالممانعة” بعمليات عسكرية “تأديبية” لإسرائيل على وقع استمرار جيشها في ارتكاب المجازر اليومية بحق المدنيين. ولذلك، وعلى خلفية “يا هلا بالخميس” من يريده حاميا تحت النار؟
ليس سهلا على اي من المراجع الديبلوماسية والعسكرية ان يحدد ما هو منتظر في الساعات القليلة الفاصلة عن لقاء الدوحة بعد غد الخميس في ظل حال التخبط الناجمة عن مسلسل المواقف المتناقضة الداعية منها لانهاء المأساة في قطاع غزة، او تلك التي تسعى الى “تأديب” اسرائيل لإقدامها على اغتيال كل من القائد السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية والقائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر. وكل ذلك يجري على وقع ضجيج اعلامي وعسكري وسياسي غير مسبوق، وخصوصا ان هناك اجماعا على توصيف مفاوضات الخميس بـ “الفرصة الاخيرة” التي قد لا تتكرر مرة اخرى.
وانسجاما مع هذه المعادلات والمؤشرات الدالة اليها، فقد تلاحقت المواقف السياسية والديبلومايسية استباقا لساعة الصفر وموعدها سواء كانت محتملة قبل لقاء الخميس او بعده لما هنالك من فوارق كبيرة في التوقيتين. ذلك ان ما جرى يشهد ان هناك مواعيد عدة قد انهارت حتى اليوم. كانت التوقعات قد اشارت اليها لتشهد “الضربة الايرانية” المنتظرة سواء قامت بها منفردة او بالتنسيق مع “محور الممانعة” ممثلا باذرعتها الموجودة في المنطقة. وعليه فان الحديث عن “استعارة” مواعيد تاريخية للضربة تعطيها “طعما سياسيا رمزيا” قد سقط بعضها. فان قيل أنها كانت واردة في “استنساخ” تواريخ مهمة كما انطلقت عملية “طوفان الاقصى” “يوم الغفران” في 7 تشرين الاول الماضي احياء لـ “حرب العبور” في اتجاه سيناء والقنيطرة في الجولان المحتل عام 1973. كما تردد أنها كانت ممكنة في موعد آخر عبر من دونها، وهو 7 آب الجاري الذي احتسب قياسا على مهلة الأيام الإحدى عشرة التي فصلت بين تاريخ اغتيال شكر وهنية في 27 تموز الماضي، ان تم ربطها بالمهلة ذاتها التي فصلت بين قصف “القنصلية الايرانية” في دمشق في الأول من نيسان الماضي والرد الإيراني في 14 منه.
وكذلك يمكن اعتبار أن يوم أمس الثاني عشر من آب، كان موعدا محتملا للرد الذي لا مفر منه، تذكيرا من “حزب الله” بتاريخ انتهاء حرب تموز 2006 بعد 33 يوما على انطلاقها بانتصاره وصدور القرار 1701. من دون ان ينسى احد مواعيد أخرى اوحت بها التدابير التي أغلقت فيها الاجواء الايرانية وفي اسرائيل ولبنان والعراق أكثر من مرة كما حصل بنحو متكرر ومربك، منذ اغتيال هنية وشكر. وهي خطوات لا بد منها لفتح الأجواء الدولية بعد اخلائها من الطائرات المدنية، امام الصواريخ البالستية الايرانية والمسيرات في طريقها عبر الغلاف الجوي من الاراضي الايرانية حتى اسرائيل في شرق المتوسط والتي ستعبر بشكل إلزامي الاجواء العراقية والاردنية وربما شمال المملكة العربية السعودية وسماء “المنطقة الشرقية” منها على طول ساحلها على البحر الأحمر إن انطلقت الصواريخ اليمنية متزامنة مع نظيراتها من دول المحورالأخرى في اتجاه جنوب إسرائيل ومرافقها. وقد كان ملفتا ان عبر موعد من دون ان يشهد اي ضربة ولم يتنبه له كثر ربطا بما يعرف بـ “يوم تيشاع بآف” أو ذكرى “خراب الهيكل” في 9 آب. وهو يوم حداد للشعب اليهودي على تدمير الهيكل والكوارث التي حلت بشعب إسرائيل في المنفى الذي دام نحو ألفي سنة.
و بمعزل عن هذه السيناريوهات “الهمايوني” منها و”الغوغائي الغامض” كافة التي حفلت بها موجات التنظير، وتزامنا مع مجموعة التدابير المكثفة والاستثنائية التي اتخذت أمس في اسرائيل فقد توقفت المراجع المراقبة امام البعض منها، وخصوصا مع إلغاء إجازات الطيارين نهائيا امس، إضافة الى إعلان حال الاستنفار القصوى في كل الميادين، عبرت الحملات الديبلوماسية وحركة الاتصالات التي انخرط فيها وزيرا الدفاع والخارجية الاميركية مع نظيريهما الاسرائيليين وقادة المنطقة على خلفية تأكيد الرئيس جو بايدن “ان هناك مجالا لاتفاق قبل نهاية ولايته الرئاسية”. تداولت مواقع اعلامية مهمة كلاما متناقضا وخصوصا على مستوى الوزراء الاسرائيليين الذي خلطوا بين ساعات واخرى بين مواقف تصعيدية واخرى تدعو الى الخيارات السلمية مع اشارة البعض منهم الى “ضرورة انهاء ملف الاسرى قبل ان يموتوا جميعهم” بالنظر الى الظروف الصحية التي يعيشونها وفقدان الرعاية الغذائية والصحية في ظل ابتعادهم عن المستشفيات المستهدفة في استمرار، الى ما هنالك من اسباب قد تؤدي الى قتلهم إن صحت الروايات أنهم يستخدمون كدروع بشرية ليحيى السنوار وغيره من القادة المستهدفين.
والى الضغوط الفرنسية والروسية والبريطانية المتلاحقة، التي انضمت الى ما تشكل من حلف دولي في مواجهة الحوثيين والاذرعة الايرانية، بتحذيرات من اي رد إيراني عنيف يستهدف المدنيين والمنشآت النووية والبتروكيماوية، قالت المراجع الديبلوماسية ان اسرائيل لم تعر أي منها اي اهمية. لمجرد الاستمرار في ارتكاب المجازر في مدرسة الإيواء وتلك التي استهدفت أحياء سكنية قبل اخلائها من المدنيين في خان يونس ومخيمات ومدن فلسطينية اخرى، بفعل اعطائهم ساعات قليلة للإخلاء. كما برزت مؤشرات سلبية خطيرة اخرى تتصل بمجموعة الشروط الاسرائيلية التي لا توحي بان اسرائيل تريد وقفا للنار ولا استعادة أسراها بعد أن تجاهلت ما يقول به “قانون هنيبعل”، فان كل الخيارات ما زالت مفتوحة بما فيها تلك التي تحتسب فشل محادثات الدوحة وعدم القدرة على البت بأي خطوة حاسمة بالنظر الى التشنج الاسرائيلي. ولا يخفى على احد الرفض الايراني لبعض الافكار التي تمنع “الانكسار” الاسرائيلي المطلوب على رغم من معرفتهم بحجم التدابير الاميركية التي اضافت الى حاملات الصواريخ و غواصاتها النووية حاملتي الطائرات “يو إس إس ثيودور روزفلت” و”إبراهام لينكولن” في المنطقة الممتدة من البحرين المتوسط والأحمر الى بحر العرب والمحيط الهندي، عدا عن تلك التي اتخذتها البحرية البريطانية في قبرص وشرق المتوسط والبحر الاحمر، والفرنسية في أكثر من منطقة على الاراضي الاردنية والبحور المحيطة بالمنطقة.
وعليه، تبقى الاشارة لافتة الى التحضيرات اللبنانية المتعثرة لمواجهة ما هو محتمل، فان المواقف السياسية التي التزمت بها الحكومة دعما لـ “المبادرة الثلاثية” الجديدة لم تكن متساوية مع التدابير الهزيلة المتخذة إزاء اي فشل في مساعي التهدئة لتبقى الساحة الداخلية منقسمة على نفسها بين من يحذر من تداعيات ما ادت اليه حرب “الإلهاء والإسناد” من نتائج لم تكن محتسبة عندما تخطت الوعود بحماية غزة وتخفيف الضغط عليها بعد تدميرها كاملة. ليبقى الرهان معقودا على أن تصدق نظرية الرئيس نبيه بري الذي قال امس لـ “الجمهورية” “ان الرد الذي تنتظره إسرائيل منذ ايام باعصاب مشدودة هو حتمي”قبل ان يلفت للتخفيف من مخاوف اللبنانيين الى “أن الرد او الانتقام طبق يؤكل باردا”. والا ستكون البلاد امام محطة جديدة وخطيرة لا يمكن الجزم بما ستحمله الحرب المقبلة متى اندلعت.