وهم الرهان على انتخابات أميركا والطريق لإحباط أهداف العدو ووقف عدوانه
كتب حسن حردان في “البناء”:
ينتظر الكثيرون في لبنان وعموم وطننا العربي والعالم نتائج الانتخابات الأميركية لمعرفة انعكاساتها على مجريات حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان، وقفاً او استمراراً لها، متناسين، أنه بغضّ النظر عمن سيفوز بالسابق الى البيت الأبيض الأميركي، كامالا هاريس أو دونالد ترامب، فإنّ كليهما قد استهلّا أولى مناظراتهما في خضمّ حملتيهما الانتخابيتين، في التنافس على إعلان الحب لـ «إسرائيل» والسعي إلى كسب تأييد اللوبي «الصهيوني» الأميركي النافذ مالياً وإعلامياً وسياسياً وداخل أروقة مجلسي النواب والشيوخ.. أما تنافسهما المتأخر على كسب أصوات العرب والمسلمين في بعض الولايات وعلى الأخص ميشيغن، والزعم أنهما سيعملان على وقف الحرب وتحقيق السلام، فإنه لا يعدو مغازلة خادعة لحظوية ستتبخر بعد وصول أحد المرشحين إلى البيت الأبيض.. لأنّ سياسات أميركا في دعم الكيان الصهيوني، وأهداف حربه الاجرامية ثابتة، إنْ كان الرئيس من الحزب الديمقراطي، أو الحزب الجمهوري، وان الاختلاف بينهما إنما يكمن فقط في الأسلوب، الديمقراطي يعتمد الحرب الناعمة، وأحياناً يمزج بين الحرب الناعمة والصلبة كما هو حاصل بوقف إدارة جو بايدن _ هاريس وراء حرب أوكرانيا ضد روسيا، والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان…
أما الجمهوري فيعتمد الأسلوب الخشن والصلب، ولهذا فإنهما في حب «إسرائيل» واحد، وكذلك في الاشتراك في الحرب، مباشرة او بصورة غير مباشرة، عبر دعم «إسرائيل» عسكرياً ومالياً وسياسياً ودبلوماسياً لتمكينها من تحقيق الأهداف المشتركة للقضاء على المقاومة وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته الوطنية وصولاً إلى فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تهيمن عليه أميركا وتلعب فيه «إسرائيل» دور الوكيل في خدمة السياسات والأطماع الأميركية… ولهذا هناك قول شهير للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، يقول فيه: «ليس هناك سياسة خارجية أميركية في المنطقة، إنما سياسة إسرائيلية».
من هنا فإنّ من يراهنون على أنّ الانتخابات الأميركية ستحدث تبدّلاً جوهرياً في السياسة الأميركية، تؤدّي إلى الضغط على «إسرائيل» لوقف الحرب، إنما هم واهمون… ولن يحصدوا نتائج أفضل من تلك التي حصدها الذين راهنوا على دور أميركي وسيط ونزيه في المفاوضات العربية الإسرائيلية.. وعندما تتحرك الدبلوماسية الأميركية انما لأجل السعي لتحقيق واحد من أمرين، يصبّان في مصلحة كيان الاحتلال، اما بهدف محاولة فرض شروطه السياسية، او العمل على إيجاد مخرج سياسي له يغطي على فشله في الميدان على غرار ما حصل في حرب تموز عام 2006..
لذلك فالرهان الوحيد سيبقى على المقاومين في الميدان، الذين وحدهم يدركون انّ «إسرائيل» لا ترتدع ولا تتراجع إلا تحت ضرباتهم التي ترفع منسوب خسائرها البشرية والاقتصادية وتفقدها الأمن والاستقرار، وتوصلها إلى طريق مسدود في تحقيق أهدافها.. وهذا ما تقوم به المقاومة في لبنان وغزة، حيث يواجه جيش الاحتلال الفشل المتواصل في تحقيق أهدافه، ففي غزة ورغم مرور أكثر من عام على بدء حربه، لم ينجح في القضاء على المقاومة واستعادة أسراه، وتكبّد خسائر كبيرة تقدر بعشرات آلاف القتلى والجرحى، وتدمير مئات الدبابات والمدرعات والجرافات..
أما في لبنان فإنه بعد أكثر من شهر لم يتمكن جيش الاحتلال من تحقيق ايّ من أهدافه، فلا هو تمكن من تحقيق اختراق في خطوط المقاومة الدفاعية الأولى في القرى الأمامية المحاذية للحدود، تمهيداً للتوغل في الجنوب لإبعاد المقاومة إلى شمال نهر الليطاني، بسبب ثبات المقاومين وصلابة وشدة مقاومتهم، ولا هو تمكن من إعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم في الشمال، بعد فشله في وقف صواريخ المقاومة ومُسيّراتها التي تضرب في العمق الصهيوني والشمال الفلسطيني المحتلّ دون توقف.. فيما حديث قادة العدو عن تدمير القسم الأكبر من قدرات المقاومة يكذبه الواقع الميداني…
وقد أدّى هذا الفشل لجيش الاحتلال إلى دخوله في حالة من المراوحة، وسط قلقه المتزايد من الغرق في حرب استنزاف باهظة الثمن لا أفق ولا جدوى لها.. كما يقول خبراء وقادة «إسرائيليون» أمنيون سابقون…
على أنّ فشل العدوان البري في جنوب لبنان دفع جيش الاحتلال إلى القيام بمناورة تمثلت بسحب بعض ألويته من جبهة الشمال، حسب قول صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي أرفقت ذلك بالزعم أنّ هناك تقدّماً في المفاوضات في إطار تحقيق الشروط «الإسرائيلية»، فيما وزير حرب العدو يوآف غالانت يزعم انّ «إنجازاتنا تضعنا في موقف قوي لدفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني»… الأمر الذي يتناقض بشكل صارخ مع الواقعين الميداني والسياسي، ويضع الحديث «الإسرائيلي» عن تقدّم في المفاوضات وضعف موقف المقاومة، أما في إطار التمهيد للتراجع والبحث عن مخرج من مأزق الفشل المتواصل، أو التمهيد لتصعيد كبير في عدوانه البري عبر دفع قوات كبيرة مؤللة لإحداث تقدّم في قلب المناطق الجنوبية، قد يقود إلى تعرّضها لخسائر غير مسبوقة بفعل جاهزية المقاومين في الخطوط الدفاعية الخلفية لتحويل دخول جيش الاحتلال إلى مصيدة له تدمّر فيها دباباته ويقتل ضباط وجنوده بالعشرات إذا لم يكن المئات… تحقيقاً لوعد سيد المقاومة ورمزها، بتحويل جنوب لبنان إلى مقبرة لفرق جيش الاحتلال.