كتبت ريم هاني في “الأخبار”:
اللافت في عودة الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض هذه المرة، هو «القبضة» غير المسبوقة التي ستطبع عهده على الحزب الجمهوري، بعدما استُبعدت جميع الشخصيات المناهضة له تقريباً، أو تلك التي حاولت، خلال ولايته الأولى، إحلال نوع من «التوازن» في ما يتعلق ببعض بنود أجندته «المتطرفة»، لتبقى حوله حفنة من المسؤولين الذين يتبنون وجهات نظره، ويعتزمون، على الأرجح، التمسك بالتعهدات المتطرفة التي قطعها خلال مدة ترشحه، من دون إيلاء الكثير من الاهتمام لـ«المعايير والتقاليد والقوانين»، التي حاول عدد من مساعديه القدامى «التمسك» بها. وفي مقابل الحزب الجمهوري «المتماسك»، سيجد ترامب نفسه في مواجهة خصوم ديموقراطيين «محبطين»، والذين بدأوا بالفعل بتبادل الاتهامات بشأن الأخطاء المرتكبة، والتي سمحت لخصمهم بالوصول بقوة إلى البيت الأبيض. وبعدما عزّز الحزب الجمهوري تقدمه في مجلس الشيوخ، وسط توقعات بإمكانية سيطرته على مجلس النواب أيضاً، يبدو أنّ ترامب لن يواجه الكثير من العراقيل، خلال مضيه قدماً في فرض تعريفات شاملة على السلع المستوردة، والترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، والانقلاب على القوانين الفيدرالية في ما يتعلق بالطاقة والبيئة، جنباً إلى جنب تمديد التخفيضات الضريبية الهائلة، والتي وضعها خلال ولايته الأولى. وفي الخارج، من المتوقع أن يعيد ترامب إحياء سياسة «أميركا أولاً»، والتي قد تشمل حتى الضغط على أوكرانيا لـ«تقديم تنازلات لإنهاء حربها مع روسيا»، طبقاً لما زعمه طوال حملته الانتخابية، فيما تبقى الوقائع التي طرأت، خلال السنوات الماضية، على الساحة العالمية، طبقاً لمراقبين، العامل الرئيسي الذي سيطبع سياسات ترامب، ويحكم على «نجاحها» في إعادة «الاعتبار» إلى واشنطن، من عدمه.
وفي السياق، نشرت مجلة «فورين أفيرز» تقريراً جاء فيه أنّه من المتوقع، في ولاية ترامب القادمة، أن تكون للشرائح الأكثر تطرفاً في حزبه اليد العليا، مقارنة بالجمهوريين المتحفظين على نهج ترامب، فيما ستضغط تلك الشرائح أيضاً لتنحية الأصوات الأكثر اعتدالاً، وتفريغ صفوف المهنيين المدنيين والعسكريين الذين ترى فيهم ما يُعرف بـ«الدولة العميقة»، وربما استخدام ما بين أيدي الإدارة القادمة من «أدوات»، لملاحقة خصوم ترامب ومنتقديه. وفي حين يرى البعض أنّ بعض «التغييرات» طرأت على شخصية ترامب وسياسته، فإنّ الأخير، لن يتمتع، على الأرجح، برفاهية تغيير بعض من سياساته، والخارجية منها تحديداً، بل سيكون مجبراً على ذلك، نظراً إلى أنّ «العالم» الذي سيتوجب عليه التعامل معه، أصبح «أخطر» بكثير مما كان عليه عام 2020.
وعليه، يتابع التقرير أنّه بعدما تبنت حملة ترامب خطاباً تتخلله عبارات «كارثية»، ويصور ترامب وفريقه على أنهم واقعيون متشددون يفهمون الخطر، فإنّ طرحهم كان بعيداً جداً عن الواقع، وطبعه نوع من «التباهي الخيالي، الذي لم يعكس أي فهم حقيقي للتهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة». وبالتالي، فإنّ قدرة الرئيس الجمهوري القادم على «حماية المصالح الأميركية»، سترتبط بمدى قدرته وفريقه على التخلي «عن الرسم الكاريكاتوري» الذي طرحته حملته، وإن كان الأخير قد نجح في إقناع أكثر من نصف الناخبين بالتصويت للمرشح الجمهوري، وفي الوقت نفسه، مواجهة العالم «كما هو». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، عندما اختار الناخبون الأميركيون ترامب في المرة الأولى، تلقف حلفاء الولايات المتحدة النتيجة بمجموعة متنوعة من «إستراتيجيات التحوط»، إلا أنّه هذه المرة، هم في وضع أضعف بكثير، بسبب التحديات الداخلية التي يواجهونها، والخارجية التي يمثلها الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ. وسيحاول حلفاء الولايات المتحدة، بالتالي، «تملق ترامب وإرضاءه»، وبقدر ما تسمح لهم قوانينهم، سيقدمون له المكافآت التي أثبتت أنها أفضل طريقة لانتزاع الشروط المؤاتية منه في ولايته الأولى. بمعنى آخر، سيسعى هؤلاء إلى الحصول على كل ما يستطيعون الحصول عليه، وتجنب تقديم أي شيء في المقابل، وهو شكل من أشكال الديبلوماسية التي تنتج، في أحسن الأحوال، «تعاوناً زائفاً»، وفي أسوأ الأحوال، تفاقماً للأزمات.
قد يُفرض على ترامب التخلي «عن الرسم الكاريكاتوري» الذي طرحته حملته
على الضفة المقابلة، فإنّ عودة ترامب قد توفر «فرصاً كثيرة» لخصومه. وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّه على عكس عدد من الوعود الانتخابية، يبدو تعهد ترامب بمحاولة إجبار أوكرانيا على التنازل عن الأراضي لروسيا، قابلاً للتصديق، بعدما أحاط الرئيس الجمهوري نفسه بـ«مستشارين مناهضين لأوكرانيا وموالين لبوتين»، فيما يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس الروسي سيقبل «استسلاماً جزئياً»، يمكنه لاحقاً من «الاستيلاء على بقية الأراضي الأوكرانية» بمجرد أن ينتهج ترامب «الحياد» إزاء كييف، أو ما إذا كان «سينقلب على خدعة المرشح الجمهوري»، ويطالب باستسلام كييف بشكل كامل وسريع. تزامناً مع ذلك، تبقى الفوائد التي ستعود على الصين «أقل وضوحاً»، لا سيما أنّ عدداً من مستشاري ترامب الرئيسيين ينغمسون في «الواقعية السحرية»، التي تقوم على أن الولايات المتحدة يمكن أن تضحي بمصالحها في أوروبا، مقابل تعزيز ردعها ضدّ «الشراسة الصينية في شرق آسيا». ويشكك أصحاب هذا الرأي في قدرة الرسوم الجمركية على «تغيير سياسات الصين» بشكل هادف، فيما من غير الواضح ما إذا كان تعزيز الحشد العسكري الأميركي في منطقة آسيا، والذي تعهد به ترامب، سيُترجم على الأرض فعلاً، نظراً إلى أنّ المرشح الجمهوري يشترط جملة من الأمور في ما يتعلق بالدفاع عن تايوان؛ إذ يطالب تايبيه بمضاعفة إنفاقها الدفاعي أربع مرات، كشرط للحصول على دعم أميركي أقوى، فيما يمكن لهذه الإستراتيجية الخيالية أن تنهار جراء ما تحمله من «تناقضات»، لتجد الشراكة الصينية – الروسية نفسها أقوى، مع احتمالات التراجع الأميركي في المسارح العالمية الكبرى.
وفيما من المتوقع أن يبحث المحللون مطولاً في الأسباب الكامنة خلف الانتصار الكبير لدونالد ترامب، وتبعاته على السياسات الأميركية الداخلية والخارجية، فقد استوقفت نقطة مهمة عدداً منهم، وهي الطريقة التي «أفلت» عبرها ترامب من جميع الاتهامات الموجهة إليه، ووصل إلى البيت الأبيض، فيما من المنتظر أن يوجّه فوزه «ضربة قاضية» إلى جميع الادعاءات الصادرة بحقه. وطبقاً لتقرير أوردته مجلة «بوليتيكو»، فقد أصبح ترامب هو نفسه القاضي وهيئة المحلفين الخاصة بقضاياه، بعدما أصبح رئيساً للبلاد. وبالتالي، من المتوقع أن تذهب، خلال شهرين فقط، السنوات التي أمضاها المستشار الخاص، جاك سميث، في العمل على محاولة إدانة ترامب بتهمة محاولة تخريب انتخابات عام 2020، وقضية الوثائق السرية التي احتفظ بها في منزله في فلوريدا، منذ عام 2022، سدى. وأصبح من المتوقع أن يقدّم سميث استقالته حتى، بعدما تعهد ترامب بإقالته «في غضون ثانيتين» إذا لم يكن قد أخلى منصبه، بنفسه، بحلول موعد التنصيب، علماً أنّ أي شخصية سيضعها ترامب لإدارة وزارة العدل، ستكون لديها سلطة إسقاط جميع التهم الفيدرالية الموجهة إليه. بمعنى آخر، وبعدما أصبح ترامب أول رئيس مدان يصل إلى البيت الأبيض، فإنّ وصوله سيضمن له عدم مواجهة أي مساءلة، جدية أقله، خلال السنوات القادمة.