وزراء الاتصالات أمام «عدالة» المجلس النيابي: محاسبة أم تسوية سياسية؟
الاخبار - رلى إبراهيم
غداة عقد رئيس مجلس النواب، الاثنين الماضي، جلسة للهيئة المشتركة المؤلفة من مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل، لاتخاذ القرار بملاحقة الوزراء السابقين نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجراح بجرم هدر المال العام، علمت «الأخبار» أن الأمانة العامة بدأت جمع التواقيع النيابية على عريضة اتهام. إذ تنص المادة 19 من قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على ضرورة توقيع خُمس النواب (25 نائباً) على عريضة مفصلة ومعللة تتضمن أسماء الأشخاص المطلوب اتهامهم والجرم المنسوب إليهم، على أن يدعو الرئيس نبيه بري الهيئة العامة إلى جلسة استماع للوزراء لاتخاذ قرار إما بملاحقتهم جميعاً أو أي منهم عبر تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، أو بصرف النظر عن عريضة الاتهام. وفي الحالة الأولى، يُحال التحقيق إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وبحسب المعلومات، فإن عريضة الاتهام تتضمن 3 إحالات عبر النيابة العامة التمييزية: الأولى من القاضي علي إبراهيم في ما يخص ملف الرعايات أو الـ«سبونسر» لشركتي «ألفا» و«تاتش»، والثانية مبنية على تقرير ديوان المحاسبة حول قطاع الاتصالات، علماً أن التقرير يشمل كل وزراء الاتصالات
المتعاقبين بين 2004 و2020، والثالثة التي ضُمّت أخيراً للملف وتتعلق بتحقيق قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم حول هدر وسوء إدارة واختلاس المال العام في ما يخص «مبنى قصابيان»، وقد خلص إلى عدم صلاحية القضاء العدلي، وأحال الملف إلى مجلس النواب بشأن ملاحقة صحناوي وحرب بجرم هدر المال العام.
10 ملايين دولار هدراً؟
في وقائع التحقيق التي اطلعت عليها «الأخبار»، سرد بيرم قصة استئجار شركة MIC 2 (تاتش) لمبنى قصابيان في العقار 1663/الشياح. إذ تبين أنه بتاريخ 17/9/2012 وقّعت الشركة عقد إيجار المبنى مع الشركة اللبنانية للتعمير (قصابيان إخوان) لمدة 10 سنوات مقابل بدل مليونين ومئتي ألف دولار سنوياً، مع زيادة نسبتها 6% سنوياً. بعد نحو عام من إبرام العقد، تمّ توقيع ملحق له، بعدما تبيّن أن البناء بحاجة إلى أعمال إضافية بقيمة مليون و800 ألف دولار. فاوض صحناوي الشركة المالكة، فوافقت على تحمّل 700 ألف دولار من قيمة الأعمال، شرط حسمها من بدلات إيجار السنوات الثماني الأخيرة، أي بدءاً من السنة التعاقدية الثالثة، مع منح شركة الاتصالات 6 أشهر إضافية مجانية. وبالفعل باشرت MIC2 أعمال التدعيم لتجهيز المبنى ضد الزلازل وبالمواصفات الفنية المطلوبة، وتم تسديد بدلات إيجار 3 سنوات بموجب شيكات مصرفية في 2012 و2013 و2014 بما مجموعه 7 ملايين و608 آلاف دولار… ولكن من دون أن تنقل «تاتش» مكاتبها إلى المبنى بحجة حاجته إلى مزيد من الصيانة والأشغال. مع تسلّم حرب الوزارة، طلب فسخ عقد الإيجار، فأرسلت MIC2 كتاباً إلى الشركة المالكة في 5/11/2014 تعلمها فيه بفسخ العقد بعد تسديدها السنة التعاقدية الثالثة! إفادات 3 موظفين مسؤولين في الشركة تطابقت، بشكل أو بآخر، على أن استئجار المبنى أتى نتيجة حاجة الشركة إلى مكاتب جديدة. وكلّف مدير «زين» 3 أشخاص (يشغلون مناصب تقنية وإدارية) البحث عن مبنى مناسب، وبعد العثور على مبنى قصابيان كُلّفت 3 شركات الكشف عليه ودراسته فنياً، كما عُيّن ثلاثة خبراء تخمين لتقدير كلفة إيجاره السنوية. وأجمع هؤلاء على أن البناء صالح للاستعمال وعلى واقعية بدلات الإيجار. عندها دخل صحناوي على خطّ التفاوض ورفض الموافقة على الميزانية الإضافية المقدرة بـ 12 مليون دولار لقاء تجهيزات مكتبية ولوجستية وغيرها، ما أدى إلى تأخير الانتقال. ويشير الموظفون إلى أن المبنى كان مناسباً للشركة، إذ أن كلفة إيجاره كانت أقل كلفة من إيجار المباني الأربعة التي كانت تشغلها «تاتش» مقابل مرفأ بيروت. وقالوا إن حرب طلب فسخ العقد لاعتقاده بوجود صفقة فيه ولاعتراضه على موقعه في الضاحية، رغم شرحهم له الخسائر المترتبة عن فسخ العقد. فيما أشار مالك المبنى إلى أنه وافق على خفض قيمة الإيجار السنوي من 4 ملايين دولار إلى مليونين و200 ألف دولار بناء على تفاوضه مع صحناوي وخفض إيجار السنة الأولى بقيمة مليون دولار بسبب استئجار كامل المبنى، إضافة إلى وضع بند بإمكانية تملّك العقار لاحقاً. وذكر المالك، أن ثمة دعوى عالقة لغاية هذا التاريخ مع الشركة المستأجرة بسبب العطل والضرر اللاحق به جراء فسخ العقد.
أي تلكؤ في التوقيع على عريضة الاتهام النيابية يمثل حماية لمتورطين في ملفات فساد وهدر منظم وممنهج عن سابق تصميم
صحناوي: وافقت ووقعت ووفّرت!
واستمع القاضي إلى شهادتي صحناوي الذي أكد أن مدير شركة MIC2 أبلغه أكثر من مرة بالحاجة إلى الانتقال إلى مبنى جديد، وأنه زار مبنى الشركة مقابل المرفأ وتبيّن له أن المساحات المشغولة لم تعد تكفي مع بدء مرحلة الانتقال إلى الجيل الثالث وما تتطلبه من عمّال إضافيين ومعدات. وعندما تبلّغ بأمر المبنى الجديد، اجتمع بمالكه وكلّف خبراء لتخمين بدلات الإيجار وتمكّن من خفضه نحو 9 ملايين دولار على مدى 10 سنوات، إضافة إلى بند يسمح للشركة بتملّك المبنى في السنة الأخيرة على أن يحسم من الثمن بدل إيجار السنتين الأخيرتين. وقال صحناوي إنه طلب إجراء استدراج عروض لكافة أعمال الدعم خلافاً للتلزيمات بالقطعة، مشيراً إلى أن بعض الأعمال «لم تنتبه إليها الشركة عند مفاوضة مالك العقار وتقدّر قيمتها بمليون و800 ألف دولار» تحمّل المالك جزءاً منها لاحقاً. وأكد صحناوي أن تنفيذ الأعمال كان سيستغرق سنة ونصف سنة وأنه عند تقديم استدراج العروض كان قد ترك الوزارة وحلّ مكانه حرب الذي قرر فسخ العقد. وأكد أنه خلال ولايته تم تسديد بدلات إيجار سنة واحدة فقط، في إشارة إلى أن السنتين التاليتين اللتين سددتهما شركة الاتصالات لصالح المالك من دون إشغال المبنى حصلت في عهد حرب. أما الأخير فقد صرح خلال الاستماع له أنه فور تسلمه الوزارة، وصلت إليه معلومات عن «صفقة مشبوهة» تتعلق بإيجار مبنى قصابيان. وأنه قبل عام 2011 كانت مصاريف الإيجارات على عاتق الشركة المشغلة لقطاع الخلوي قبل أن يعدّل ذلك في مجلس الوزراء باقتراح من صحناوي نفسه لتصبح المصاريف على عاتق الدولة. وقال إنه تبيّن له أن أساسات المبنى المستأجر غير قابلة لتحمّل المعدات التقنية التي يجب وضعها فيه لذلك اتخذ قرار الفسخ لوجود بند يسمح بالفسخ بعد انتهاء السنة التعاقدية الثالثة. كما تبيّن له أن بدلات الإيجار المتفق عليها تزيد عن البدلات الرائجة في المحلة (دفعت السنتان الأخيرتان في عهده). وصرّح أنه لا يذكر أن كان قد تبلغ أي كتاب من مدير الشركة يبلغه فيه بالخسائر التي ستنتج عن فسخ عقد الايجار.
من المتهم: مُبرم العقد أم فاسخه؟
في موازاة الشهادات، تثبّت القاضي من تسديد الدولة اللبنانية لمصاريف شركة الاتصالات التشغيلية ومنها بدلات الإيجار، ومن دفعها بدلات 3 سنوات من دون إشغال المبنى بما يقارب 7 ملايين و608 آلاف دولار إضافة إلى بدلات أتعاب شركات الهندسة والدراسات الفنية وغيرها المقدرة بحوالي 3 ملايين دولار. أي ما مجموعه أكثر من 10 ملايين دولار. لذلك اعتبر أن ما سبق يشكل عناصر جرم هدر المال العام سواء تمثل الخطأ الجزائي بقرار إبرام عقد الإيجار بشروطه ومواصفات المبنى أم بقرار فسخ عقد الإيجار بعد مرور 3 سنوات على إبرامه من دون إشغال المبنى بالرغم من حاجة الشركة له. واعتبر أن الموظفين الثلاثة لم يكونوا أصحاب السلطة التقريرية بشأن إبرام عقد الإيجار وفسخه، لذلك لا يترتب عليهم أي مسؤولية جزائية ناتجة من الأفعال الجرمية المدعى بها على كل من صحناوي وحرب. بالتالي منع المحاكمة عنهم. أما في ما خصّ هدر المال العام الذي تجاوز 10 ملايين دولار والذي يتحمل مسؤوليته كل من الوزيرين، وحيث أن المادة 70 من الدستور تنص على أن لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم وأن المادة 71 تنص على محاكمتهم أمام المجلس الأعلى، أكد بيرم عدم اختصاص القضاء العدلي بالجرائم المرتكبة من الوزراء، واضعاً المسؤولية بيد المجلس النيابي.
وتقع على عاتق المجلس اليوم مسؤولية إيصال هذا الملف إلى خواتيمه ومحاسبة المرتكب، وأي تلكؤ في التوقيع على عريضة الاتهام وعدم إيصال الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يدخل ضمن حماية من يثبت تورطه ليس في ملف القاضي بيرم فقط، إنما في الملفين الآخرين أيضاً اللذين يوازيان الملف الأول في الفساد والهدر المنظم والممنهج والذي تمّ عن سابق تصوّر وتصميم. إشارة هنا إلى أن هذه الملفات خرجت من الرقابة البرلمانية التي قامت بها بشكل أساسي لجنة الاتصالات النيابية التي كان يرأسها النائب حسين الحاج حسن ونتيجة مراكمات وثّقها النائب حسن فضل الله واستند إليهما ديوان المحاسبة في أجزاء من تقريره الشامل. إذ توصل الديوان إلى كشف مخالفات وتجاوزات واختلاسات تتعلق بإنفاق شركتيّ الاتصالات وأوجيرو، بحيث بلغ الهدر 6 مليارات دولار! لذلك، امتحان النواب اليوم، كما رئيس المجلس، يكمن في متابعة هذه الخطوة الإصلاحية بإيصالها إلى المحاسبة لا ضبضبتها بتسوية سياسية كما يحصل عادةً.
التيار نحو التوقيع
لم يحسم التيار الوطني الحر قراره بعد في شأن التوقيع على عريضة الاتهام تمهيدا لتحويل الاحالة القضائية الى لجنة تحقيق برلمانية خصوصا أن القضية تتعلق بأحد نوابه الحاليين وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي. وتقول المصادر ان التيار واقع بين معضلتين: الأولى ان هذا الاجراء القضائي والبرلماني هو من صلب مطالبه منذ سنوات وبالتالي لا يمكنه أن يقف ضده، والثاني خوفه من تسييس الملف في اطار الحرب الواقعة من قبل الفريق المعارض على التيار ورئيسه جبران باسيل. لكن المعلومات تشير إلى اتجاه الى اتخاذ قرار بالتوقيع بعد مناقشة الموضوع في اجتماع التكتل اليوم. علماً أن صحناوي أكّد استعداده «للمثول امام اي لجنة اذا ما كانت تقوم بعمل مهني بعيدا عن الشعبوية والخصومة السياسية».