وداعاً شآم … أمل ان لا يطول السفر
كتب سامي سماحة في “الديار”:
نحن عشقنا السفر منذ أقلعت سفننا من شواطينا محمَّلة بكنز الاحرف الأبجدية وكنوز الصباغ الأرجواني الى الاتجاهات الأربعة من العالم، منذ كنا قدوة للتبادل والتفاعل ونقل الفكر والثقافة الى عوالم كانت تعيش في غياهب الجهل.
نسافر حين نتوجع، ونسافر حين نحتاج وحين نريد اكتشاف معالم العالم، ولكن كنا نعود بعد كل سفر على متن الاثم الكنعاني.
شآم نائمة على سفر قد يطول إذا لم تُغرّد حساسين الأودية والسهول، ولم تصح نسور القمم، وتنادي الأرض الأرواح المتمردة.
شآم على سفر دون حقائب، دون جوازات سفر، دون وداع . فقد أودعت الحقائب أمانة أسرّة الأطفال وأودعت الجوازات أصوات شرطة المرور، وخافت ان ترى دموع المودعين فغادرت دون شوشحة للمودعين الذين ملأوا الشرفات، وغطّت دموعهم مساحات الخوف لأنها تخاف شماتة أولئك الذين أعطتهم وخانوها حين احتاجتهم، وحزن أولئك الضعفاء الذين استسلموا لإرادة ذاك الغازي الآتي من سواد الليل، والمزود بخناجر تصطاد لهب الشمع وبصيص ضوء القناديل بخناجر الغدر والعتمة.
شأم على سفر، فقد أنهكها الصبر، وأتعبها زمن الوصل، وما عادت راغبة بممارسة العشق مع رواد السهر الذين أشبعت غرائزهم حتى الثمالة .
شآم على سف، فلم تعيد تطيق ان تكون ضيفا دائما على طاولات الميسر في أسواق البيع والشراء، ولا ان تكون ممرا للطامحين الى كراسي الألقاب والمشتهين مواسم الخير في حقول العطاء والذين يحلمون بالوضوء بمياهها والصلاة في مساجدها ورفع القداديس في كنائسها .
أراك ايتها الصبية المغتصبة من حُرّاسها وذوي القربى والجيران وأصحاب المصالح بفستان عرس مزّقته الخناجر ورمته على التراب وهي لا تدري ان ذرّاته ستنبت من جديد وتكسر الحناجر وتحطم الكراسي وتغلب الطامحين الى إشباع غرائزهم بجمالها.
شآم يا شقيقة لبنان وفلسطين في الضيم والوجع والآه وآخات الميدان وغدر بعض الاهل وذوي القربى، شآم يا قرّة عين سوريه ونبض قلبها وفستانها الزاهي الحاضر دائما في أعراسها، أيتها المُضمِّدة للجراح من يُضمد جراحك النازفة وأنت تقاومين في ساح الميدان.
شآم انت اليوم على نوب وسوريه كلها على نوب.
أنعتذر منك لأننا لم نكن على مقاسك الكبير، أنعتذر منك لأننا خذلناك ولم نكن على مستوى مداواة جراحك، لأننا شبعنا من كوثرك ولم نُعطك شرايين الحياة، لأننا غازلناك طول النهار وحين جاءتك العتمة اختفينا كما تختفي النعامة تحت الرمل حين تشعر بالخطر، لأنك كنت الأم البارة وكنا الأولاد العاقين.
أنعتذر منك أو نعتذر من حالنا الذي غدرنا به حين كان بأمس الحاجة الينا.
لا أعرف كيف هّنت علينا، فهل يهون المرء في معنى أن يكون.
أنعتذر من الحاضر الذي خرّبناه كما يخّرب الأطفال ألعابهم أو المستقبل الذي أودعناه وديعة في قصور الغرباء، من المستقبل لأننا لم نزوده بقيم الحق والخير والجمال ونهضة تصنع للأمة عظمة ومجدا وحياة جديدة.
شآم ايتها المسافرة الى المجهول على متن سفن و تجيد السباحة الى ما وراء نور الشمس ولا تعرف الإقلاع من مرافئ البحر السوري إلا الى حيث تريد إرادة الشعب السوري، أيتها المكسورة بفعل من كان وفعل من جاء، شأم ايتها الحارنة في مساحات المجد والعظمة لن يكون سفرك سوى رحلة صيد تعودين بعدها كما يعود الظافرون بالغنائم الحلال، شآم يا ابنة الماضي والحاضر والمستقبل لن ينتصر عليك أولاد الماضي ولن ينال منك من ليس لهم جذور في التاريخ ولن يخطفك خفافيش الليل في البلدان المجاورة والبعيدة ولن ينالوا من مستقبلك مهما بلغ بأسهم وتعاظمت قوتهم.
لن يطول سفرك يا شام وستعودين على متن الاثم الكنعاني ويعود الزمان الى المكان ونحيا بفعل الفصول الأربعة.