كتبت صحيفة “الأخبار”:
إلى جانب الاهتمام المباشر بالوضع على الحدود الجنوبية في ضوء المواجهات القائمة بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، يركّز كبار المسؤولين في الإدارات الأميركية، التشريعية والتنفيذية، على العلاقة مع الجيش اللبناني. ويظهرون اهتماماً إضافياً في وضعية الجيش، وموقف قيادته من التطورات الحاصلة على أكثر من صعيد. لكن اللافت في الزيارة الأخيرة لقائد الجيش العماد جوزيف عون، إلى واشنطن في حزيران الماضي، أنّ الاجتماعات تناولت بشكل مفصل ما يُطلق عليه الأميركيون، ملف الإرهاب، معطوفاً على ملف النازحين السوريين. ولا سيما أن حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية زادت من قلقهم من وجود خلايا إرهابية. اطّلعت «الأخبار» على تقارير تخص هذه الاجتماعات، التي حضرها مستشار عون، الضابط المتقاعد وسيم الحلبي. وقد سمع عون من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي النائب مايكل ماكول، قوله «إن دعم الجيش اللبناني هو استثمار مهم جداً للولايات المتحدة الأميركية، والدليل على ذلك ما حدث في السفارة الأميركية في بيروت الأسبوع الماضي وكيفية حماية الجيش لمبنى السفارة وتوقيف المُهاجم بسرعة فائقة».
وكان ملف النازحين السوريين في صلب حديث المسؤولين الأميركيين الذين سألوا العماد عون عن التقارير التي تشير إلى «عمليات ترحيل قسرية لنازحين سوريين قام بها الجيش اللبناني». علماً أنّ فريقاً من المعارضة السورية كان قد راسل أعضاء في الكونغرس الأميركي طالباً ممارسة الضغط على الحكومة اللبنانية، وعلى القوى العسكرية والأمنية، كونها تسلّم حكومة دمشق معارضين سوريين بحجة مخالفتهم شروط الإقامة في لبنان. وقد طلب المعارضون السوريون إعداد لائحة بأسماء كل من شارك في هذه الأعمال وطالبوا بمعاقبتهم من قبل الولايات المتحدة.
من جانبه، كان العماد عون، قد جهّز ملفاً حول النازحين السوريين. وفي حديثه مع لجنة الشؤون الخارجية، قال عون إن لبنان «يستضيف حوالى مليوني نازح سوري بالإضافة إلى حوالى 300 ألف لاجئ فلسطيني، وإن مخيمات النازحين السوريين هي أرض خصبة للمتطرفين والإرهابيين، وصار النازحون يشكلون خطراً اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً وجودياً على لبنان».
وأوضح عون «أن دور الجيش هو في منع دخول السوريين بطريقة غير شرعية إلى لبنان عبر الحدود. وأن المديرية العامة للأمن العام مكلفة بالتنسيق والتعاون مع المفوضية العليا للاجئين، حيث يوجد تصنيفات عدة، بين من يحوزون إقامات شرعية، وبين من يحمل صفة لاجئ من المفوضية العليا للاجئين، وبين من هم من النازحين غير الشرعيين». وقال إن هناك «ادعاءات غير صحيحة عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتهم الجيش بانتهاك حقوق الإنسان، علماً أنه يجب أخذ العلم أن 40% من المساجين في السجون اللبنانية هم من السوريين».
وفي معرض حديثه عن حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية والجهة المسؤولة عنه، أشار العماد عون إلى «أن المنفذ هو سوري الجنسية، وموجود في لبنان منذ عام 2013، وقد تأثر بفكر “داعش” منذ حوالى السنتين، ولكنه كان متأثراً أيضاً بأحداث غزة، رغم أن التحقيق الأولي أظهر وجود علاقة له بإحدى مجموعات “داعش” في العراق، ومديرية المخابرات في الجيش تمكّنت خلال الأشهر الماضية من كشف وتوقيف عدد من خلايا “داعش” في شمال لبنان».
ورداً على سؤال جيم غاتيلا، الذي يعمل مستشاراً لزعيم الأكثرية الديموقراطية شاك شومر عمّا إذا كانت الخلايا الإرهابية تأتمر من «داعش» أو تعمل منفردة، قال العماد عون «إن آلية عمل الخلايا الإرهابية في السنوات الماضية كانت معقدة أكثر من اليوم، وكانت مجهزة لوجستياً أكثر من المجموعات الحالية، وكانت أشد خطورة، وتبيّن لنا أن الخلايا الحالية تمتلك قدرات بدائية، وليس لديها الأموال الكافية لشراء متفجرات متطورة، ولكنها اليوم تتأثر بما يحدث في غزة».
الأميركيون يريدون من لبنان إبقاء ملف النازحين على حاله، ومواصلة التعاون مع مفوضية اللاجئين والمنظمات غير الحكومية
ورداً على سؤال عما سيكون الوضع عليه إذا استلمت قوى الأمن الداخلي أمن العاصمة بيروت، قال العماد عون «نحن نقوم بعمل قوى الأمن الداخلي لناحية مكافحة المخدرات والخلايا الإرهابية والهجرة غير الشرعية، علماً أن دور الجيش اللبناني هو حماية الحدود اللبنانية».
وقال عون إن ملف النازحين السوريين «يشكّل خطراً كبيراً. وهؤلاء يأتون إلى لبنان بسبب توفير الأموال لهم من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الأممية، وهناك عدد منهم يستفيد من هذه الأموال بينما هو موجود فعلياً في سوريا». وأضاف :«على سبيل المثال، شارك الكثير من النازحين السوريين في الانتخابات الرئاسية السورية التي جرت في لبنان في السفارة السورية الأخيرة، وهؤلاء لا تنطبق عليهم مواصفات اللجوء». وقال عون «إن الوضع على الأرض صعب جداً، وهؤلاء صاروا قنبلة موقوتة وخطراً على استقرار لبنان. وإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تتعاون مع الدولة اللبنانية ولا تسلم الداتا حول النازحين السوريين إلى السلطات اللبنانية، ما يعقّد الأزمة أكثر».
من جهته، اعتبر السيد روبرت كرم مستشار الأمن القومي لزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، أن الإدارتين الأميركيتين السابقتين «فشلتا في حل الأزمة السورية، ولكن العرب اتخذوا القرار بالانفتاح على (الرئيس السوري بشار) الأسد، رغم استمرار تهريب المخدرات وتصدير الإرهاب من سوريا واستمرار دعم الأسد للإيرانيين الذين يتحركون بحرية على كامل الأراضي السورية». لكن عون لم يجب مباشرة على سؤال كرم عما «إذا كان هناك من نتيجة للانفتاح العربي على الرئيس الأسد؟».
لكن الموقف الفعلي للإدارة الأميركية كان حاضراً في لقاء السفير جون باس، وهو وكيل وزير الخارجية للشؤون السياسية مع العماد عون. وقد تحدث المسؤول الأميركي بصورة مفصلة عن ملف النازحين السوريين. وقال له إن واشنطن مهتمة بأن تعرف «ما إذا كان الوضع الراهن قابلاً للاستدامة لمدة قادمة من الوقت». فأعاد العماد عون على مسمعه رأيه في ملف النازحين، مبرزاً «نسخاً عن مجموعة من بطاقات دفع الرواتب التي توزعها UNHCR، وأنها ضُبطت مع موقوف سوري حضر من سوريا إلى لبنان، وكان في حوزته بطاقات دفع عدة تعود لسوريين مقيمين في سوريا ويدّعون أنهم لاجئون في لبنان، ويتقاضون المساعدات من UNHCR، بينما هم يقيمون فعلياً في بلدهم سوريا، حتى إنه تبيّن أن أحدهم هو جندي في الجيش السوري». كما تحدّث العماد عون عن «توقيف شخص تبيّن أن لديه هاتفاً يحمل تطبيقاً لما يعرف بمجموعة حركة المرور التي تراقب تحركات الجيش اللبناني بهدف تسهيل عمليات التهريب».
لكن السفير باس، لا يبدو أنه اقتنع بحديث قائد الجيش. وجاء رده على شكل مختلف. فأعرب عن «الأسف لأن يتحول الموضوع إلى تجارة مربحة، ولكن على لبنان مواصلة العمل بشكل وثيق مع المفوضية السامية لشؤون النازحين، ومع المنظمات الدولية المعنية» وتوجه بلهجة تحمل طابع الإنذار إلى قائد الجيش قائلاً: «إذا قام الجيش اللبناني بالمشاركة في عمليات الترحيل الواسعة، فإنه سيكون لذلك صدى سلبي في واشنطن».
وفي لقاء مع النائب دارين لحود، كرر الأخير الأسئلة عن الوضع على الحدود اللبنانية السورية وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات وعن كيفية وقف تهريب الأسلحة إلى حزب الله. وردّ عليه قائد الجيش بأن الحدود اللبنانية السورية «طويلة جداً ولا يمكننا مراقبتها والسيطرة عليها بشكل كامل، ولكننا نقوم بجهد كبير لمكافحة التهريب. وهناك نسبة ثمانين في المئة نجاح لهذه العمليات، وإن النزوح السوري يشكّل عنصراً أساسياً وتحدياً كبيراً حيث يعبر السوريون إلى لبنان بهدف الاستفادة من أموال المفوضية العليا للاجئين، أو بهدف العبور بصورة غير شرعية عبر البحر إلى أوروبا».
ماذا تفعلون في مكافحة الكبتاغون؟
كان موضوع تجارة وتهريب حبوب الكبتاغون مادة في نقاش حصل بين قائد الجيش ومسؤولين في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأميركي. وقد سألت المُستشارة غابريلا زاتش قائد الجيش عن «تجارة الكبتاغون وتهريبه من سوريا إلى لبنان وكيفية مكافحتها» وأشارت إلى “«قانون الكبتاغون الذي يهدف إلى تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والإتجار بها». وقد أجابها عون بأن الجيش «يقوم بمهمات مكافحة صناعة وتهريب المخدرات وخاصة الكبتاغون. وباتت هذه التجارة وتصنيعها في لبنان أصعب بكثير مما كانت عليه سابقاً، بعدما قام الجيش بتفكيك المصانع ومكافحة تصنيع المخدرات وتهريبها، وأصبحت 90% من عمليات الإنتاج والتهريب شبه متوقفة ومجمدة في لبنان». وقال عون أيضاً إن الجيش «قام أخيراً بمصادرة كميات كبيرة من المخدرات من أحد المخيمات الفلسطينية في ضواحي بيروت، وتقوم مديرية المخابرات بجهد كبير في هذا الإطار، وقد خسر الجيش عدداً من الجنود خلال عملية مداهمة لتوقيف تاجر كبير».
سبق لمنسقة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية السفيرة إليزابيت ريتشارد، أن عملت سفيرة للولايات المتحدة في لبنان بين عامي 2016 و 2020. وكانت حاضرة بقوة خلال أكثر مراحل الحرب ضد «داعش» والتي كانت تحصل في سوريا والعراق وحتى في لبنان. والسفيرة نفسها، هي من كان قد طلب من الرئيس ميشال عون ومن قيادة الجيش اللبناني، عدم المشاركة في عملية تطهير جرود السلسلة الشرقية من إرهابيي «داعش». رغم أنها كانت في لقاءاتها غير الرسمية، تعكس موقفاً مختلفاً، ويررد صديق قديم للسفيرة أنها كانت تقول «لا أعرف كيف يفكرون في واشنطن، ولكن لا يمكنني أبداً نفي أن حزب الله هو رأس حربة في مواجهة داعش في لبنان وسوريا والعراق أيضاً».
ريتشارد التي عُينت في العام الماضي في منصبها الحالي، التقت مع قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن. وكان البند الرئيسي على جدول الأعمال يتعلق بتنظيم «داعش». وهي قدمت في بداية الاجتماع مطالعة وكان البارز فيها قولها: «لقد اعتقدنا طويلاً أننا وضعنا اليد على “داعش”، وها نحن سنحتفل هذا العام بمرور عشر سنوات على تأسيس التحالف الدولي لهزيمة “داعش”، ومرور خمس سنوات على هزيمة الخلافة الإسلامية من الناحية الجغرافية. لكننا، نرى اليوم أن المشكلة ليست محصورة في فرض القانون. كون أتباع “داعش” انتقلوا إلى نوع آخر من الأعمال».
وأضافت السفيرة ريتشارد «اعتقدنا أننا سيطرنا على التنظيم في العراق وسوريا، إلا أنه عاد للظهور من جديد. ولدينا معلومات عن تواصل عناصر التنظيم مع أفغان وباكستانيين لضمهم إليه، كما يتواصلون مع الطاجيك ليتحركوا في موسكو، ويظهر أن دينامية التنظيم تقوم على تجاوز حرس الحدود. ولديكم مكمنان للخطر في لبنان، أولهما، هو اللاجئون السوريون وثانيهما المخيمات الفلسطينية». لكنها قفزت فجأة إلى سؤال من نوع آخر قائلة للعماد عون: «نرغب في سماع رأيك ومعلوماتك عمّا إذا كان هناك رابط بين “داعش” وحماس في المخيمات الفلسطينية».
من جانبه، رد قائد الجيش قائلاً إنه «يوجد في لبنان 12 مخيماً فلسطينياً مرتبط بالسلطة الفلسطينية، والجيش يراقب هذه المخيمات، ولكن من غير المسموح لنا الدخول إليها. ويوجد مجموعات صغيرة في مخيم عين الحلوة مرتبطة بـ”داعش”. وتم ضبط أسلحة في أحد المخيمات السورية في محيط بلدة عرسال، ويمكن لمؤيدي داعش التواصل عبر الإنترنت أو تطبيقات الهاتف».