
كتب مبارك بيضون /اللواء
دخلت البلاد مرحلة جديدة بعد عملية تأليف الحكومة المنتظرة، لكن ما شهدناه من القصر الجمهوري كان أولى الإشارات التي أكدت الاهتمام والوصاية في آنٍ معاً، من خلال ما قالته السيدة الأنيقة التي أتت قبل يوم واحد من التأليف، لتطلق سهاماً تؤكد أن «الوصيّة الوحيدة» علينا هي الإدارة الأميركية ولا وصايات أخرى علينا سواها.
من على المنبر الرئاسي شكرت العدو الصهيوني، لتؤكد أنّها وإدارتها داعمان لكل ما قامت به دولة الكيان من أعمال تخريبية واعتداءات لم تتوقف منذ بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار الذي لم يُطبق حتى الساعة، إضافة إلى تمديد الهدنة الهشّة التي تتلازم مع نسف المنازل والبيوت والاعتداءات خارج منطقة جنوب الليطاني، لتطال البقاع والنبطية في آنٍ معاً، في قصف متفرّق دون أي رقيب وحسيب، ما يعطي قيمة مضافة للكيان على ما يقوم به من تلك الاعتداءات، ويرعى في الوقت نفسه اللجنة التي من شأنها أن تقوم بالإجراءات والمراقبة والرقابة وضبط الإيقاع، لكنها فشلت وليست لها أي قيمة أو معنى لكلمة وقف إطلاق النار أو الالتزام ببنود الاتفاق، والخروج بعيداً أكثر فأكثر من القرار الدولي الذي من المفترض أن يكون هو من يرعى أي اتفاق أو الالتزام بأية قرارات دولية وهو القرار 1701.
كل الدلالات تشير إلى أنّ وصاية جديدة دخلت في عمق الداخل اللبناني، الذي يظهر انقساماً حاداً داخلياً مع تفسير وحيد بأنّ جهات تتماشى والمعطيات والإملاءات، تحت مظلّة حكومية تكنوقراطية، لكنها ربما لا تعلم بأنّها مُخيّرة وليست مُسيّرة بأي أداء، لتنفيذ أيّاً من المقررات التي أتت بها «السيدة الأنيقة» التي صالت وجالت على الرؤساء والمسؤولين لـ«تؤكد المؤكد» وكيف ستكون المرحلة الجديدة بعد تنفيذ الوصاية الاميركية، بدءاً من البيان الوزاري، الذي أتت على ذكره السفارة الأميركية في عوكر، لتستكمل ذلك داخل قبّة البرلمان للمجموعات التشريعية التي تعبث بالتشريع والشرعية القانونية، في نسف لكل المواثيق والاتفاقات الدولية، فندخل في انقسام ستظهر معالمه في القريب العاجل، ونتائجه التي أظهرها توزيع الحقائب ما بين سيادية وعادية، وكأنّ الأمور مزاجية في مكان ما، وقانونية في مكان آخر بمعايير بعيدة كل البُعد عن كل ما له علاقة بالمؤسسات الدستورية التي من المفترض أن ترعى شؤون البلاد، ولا سيما الشأن العام الاجتماعي المزري للمواطن الذي بات تحت خط الفقر دون أي أمل لإعادة ما نهب من مال كان قد ادّخره خلال عمر ومشقة لآخرته.
باختصار، المشهد ينقسم إلى قسمين: الأول ميداني والثاني يؤرشف بالسياسة، فبعد الميدان وفشله، نجد محاولة لتظهير نصرٍ صهيوني وهمي، أداته التخريب والتدمير ونكث في المعاهدات والاتفاقات التي أخلّت بها كل الجهات التي كان من المفترض أن تحمي بنود اتُّفِقَ عليها، ومن ثم أُخلّ بها لتبقى الاعتداءات هي اللغة السائدة فترة 60 يوماً إضافة الى التمديد لغاية 18 من شباط.
فها هو المشهد الذي يُعبّر عن عملية استراتيجية بعيدة كل البُعد عن أي مواثيق أو اتفاقات وضرب لكل ما له علاقة بالحريات وطعن للمفاهيم الإنسانية، حتى أنّ محاكم العدل الدولية باتت قاصرة ومقصّرة عن أي إدانة أو اتهام لأي جريمة حرب أو انتهاك لحقوق الإنسان.
أخيراً لا يمكن أنْ تستمر الأمور على ما هي عليه، مهما اشتد غضب الغاضبين والمستهترين والغادرين، لأنّ المعركة أولاً وأخيراً معركة حق على الباطل، والتاريخ شاهد على أن نهاية المطاف لن تكون إلا للحق وللأحرار في العالم، خاصة أنَّ من بات لا يعرف من هو الظالم والمعتدي والمجرم، قد تظهّر للعالم أجمع.
ولن تكون الغلبة إلّا لصحوة تظهّرت في العالم أجمع على مسامع أصوات لا يفهم منها سوى الاستغلال لمصالح الدول كل الدول دون استثناء رأس مالها إجرام مادي واستثمارات على حساب شعوب المنطقة دون هوادة أو اعتبارات لاستغلالها.