هوكشتاين يسوِّق “السيناريو” المتفائل
كتب طوني عيسى في الجمهورية:
بدءاً من يوم غد، وحتى 27 كانون الثاني، ثلاثة أسابيع ستقرّر اتجاه لبنان: إما الحلول الطويلة الأمد، وإما الانزلاق إلى مرحلة أشدّ سوءاً. وواشنطن تضغط لإنجاح الاتجاه الأول.
يقول ديبلوماسي غربي إنّ ما تفعله الإدارة الأميركية الحالية في أسابيعها الأخيرة هي السعي إلى تبريد النقاط الساخنة التي تعني واشنطن عبر العالم، استعداداً للورشة التي سيطلقها دونالد ترامب بعد دخوله إلى البيت الأبيض. فالرجل يريد استثمار كل ولايته لكي يبرم الصفقات الدولية الرابحة، وهو تعهّد بذلك بعد فوزه في الانتخابات.
وفي الشرق الأوسط، تتسارع التطورات التي من شأنها أن تمهّد للصفقات. وقد شملت لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية، ويُحتمل أن تصل إلى اليمن قريباً، فيما يبقى الاستحقاق الأكبر هو إيران نفسها، إذ سيوضع نظامها بين خيارين: إما أن يرضخ للشروط الأميركية، وإما أن يواجه جدّياً مخاطر التعرّض لضربة كبرى ربما تؤدي إلى إضعافه.
الخبراء يقولون إنّ الإدارة الجمهورية الآتية إلى البيت الأبيض تمتلك طموحات لم تكن موجودة عند غالبية الإدارات السابقة. فلم يسبق مثلاً أن أظهر رئيس أميركي إصراره على ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة، كما حال ترامب. وأما الشرق الأوسط فمرجح أن يدخل عهد «السلام الأميركي» Pax) americana)، بأبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية، من دون الحاجة إلى استدراج وجود عسكري أميركي كثيف في المنطقة. وهذه الفلسفة تخالف تلك التي اعتمدتها الإدارات الديموقراطية (أوباما وبايدن تحديداً) والتي تقوم على الانسحاب من المنطقة وإبقائها تتخبّط وحدها في الأزمات. ويقول الجمهوريون إنّ هذه الاستراتيجية أحدثت فراغاً في الشرق الأوسط ملأته إيران وروسيا والصين.
ومن أبرز ملامح الانخراط الأميركي المستجد، الانحسار الدراماتيكي لنفوذ النظام الإيراني من كل الخريطة الإقليمية، ثم من إيران نفسها. وفي الموازاة، تراجَعَ نفوذ روسيا بعد سقوط بشار الأسد. وسيتراجع نفوذها أيضاً، ومعها الصين، بمجرد حسم المواجهة الأميركية ـ الإسرائيلية مع طهران.
وفي شكل مفاجئ، باتت المساومة المنتظرة بين ترامب وفلاديمير بوتين أسهل. فالجميع كان يفكر في أنّ المقايضة بينهما، من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، ستكون حصراً على الأراضي الأوكرانية. وتوقّع كثيرون أن يقدّم ترامب رأس زيلينسكي وجزءاً من أوكرانيا هدية لبوتين لكي يوقف هذه الحرب. ولكن، سريعاً، ومن دون مقدمات، فُتح باب جديد للمقايضات ميدانُه الشرق الأوسط. وقبل أسابيع قليلة، أي قبل سقوط الأسد، لم يكن أحد يفكر في أنّ بوتين سيفقد قواعده العسكرية وحليفيه في سوريا ولبنان، وربما يخسر حليفه الإيراني نفسه لاحقاً، أي نظام طهران. وهذه العناصر لها تأثيراتها في أي صفقة بين ترامب وبوتين حول أوكرانيا.
في هذا الخضم، يمكن إدراك طبيعة المشهد في لبنان، أي حصته من هذا «السلام الأميركي». ويشير بعض المطلعين إلى أنّ ما يفعله هوكشتاين حالياً يندرج تماماً في هذه الرؤية. فهو يعمل على إعادة تشكيل النظام السياسي في لبنان بالطريقة التي يثق فيها الأميركيون، وتتضمن انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تحمل برنامجاً إنقاذياً محدداً. وعلى الأرجح، سيتبع ذلك إنتاج مجلس نيابي جديد بانتخابات نيابية قد تكون مبكرة، ما يسمح بنقل لبنان إلى وضع داخلي وخارجي مختلف تماماً.
ويتوقع هؤلاء أن يعمل ترامب على استئناف عمليات السلام الإبراهيمية. وقد يكون ثمن الاعتراف الغربي بالحكم السوري الجديد ورفع العقوبات عن الاقتصاد السوري هو دخوله في هذا المسار. ولا يبدو الأمر معقّداً. كما أنّ لبنان لن يكون بعيداً من مسار التفاوض الذي يبدأ بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب ثم ترسيم الحدود البرية، بما في ذلك حسم ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهذا الحسم سيفتح الباب لاحقاً لترسيم الحدود أيضاً بين لبنان وسوريا. وهذه ورشة بعيدة الأمد، ولكن انطلاقها بات أمراً ممكناً مع تغيّر الحكم في سوريا واقتراب ملف غزة من الحسم.
ووفق هذه الرؤية، يتخلّى «حزب الله» عن سلاحه بإرادته. فهناك 4 عوامل تجعل هذا الأمر بديهياً، ولا يُفترض أن يكون موضع خلاف داخلي، لأنّ «الحزب» نفسه سيشارك في أي مفاوضات حول أي نقطة حساسة، وسيكون له رأيه في أي خطوة يتمّ الاتفاق عليها. وهذه العوامل هي:
1- انسحاب إسرائيل الكامل من الجنوب تنفيذاً لاتفاق وقف النار والقرار 1701. ويرافق ذلك زوال الالتباسات حول مزارع شبعا، التي كانت حجّة «الحزب» الأساسية للاحتفاظ بالسلاح.
2- ضعف محور إيران على مساحة الشرق الأوسط، وقطع طريق طهران ـ بيروت.
3- انتقال السلطة في لبنان إلى فريق من خارج دائرة النفوذ التقليدي لـ«حزب الله».
4- دخول لبنان وسوريا ودول عربية أخرى في مدار مفاوضات مع إسرائيل، ربما تقود إلى اتفاقات ومصالح اقتصادية يحتاج إليها لبنان للنهوض من أزمته. وفي ظلّ هذه المناخات لن يكون هناك مجال للعودة إلى العمل المسلح.
إذاً، المرحلة الحاسمة في لبنان والشرق الأوسط باتت تُقاس بالأيام والأسابيع لا بالأشهر والأعوام. وما يفعله هوكشتاين هو تسويق «السيناريو» المتفائل، سواء في ملف الرئاسة أو في ملف وقف النار. والاتجاه هو إبرام الصفقات لا إشعال الحروب.