هوكشتاين في لبنان الاثنين لتثبيت وقف النار وإعطاء “ضمانات” لإعادة الأمن الى القرى الحدوديّة
كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
يعود الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت الاثنين بعد إنجاز توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و”إسرائيل” الذي أنهى الحرب بين الجانبين لحظة دخوله حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الفائت. غير أنّ الخروقات “الإسرائيلية” الفاضحة لهذا الاتفاق لم تتوقّف حتى الساعة، وقد وصلت الى نحو ألف خرق من دون اي رادع لها. وقد تمكّنت “إسرائيل” خلال هذه الفترة من تحقيق في القرى الجنوبية الحدودية ما لم تستطع تحقيقه أثناء الحرب. فما الذي سيحمله هوكشتاين في جَعبته لمناقشته مع المسؤولين اللبنانيين قبل انتهاء مهامه الديبلوماسية مع تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني الجاري؟ وهل ستضغط الولايات المتحدة على “الإسرائيلي” لتنفيذ الانسحاب خلال فترة الـ 60 يوماً؟
مصادر سياسية مطّلعة تقول انّ زيارة هوكشتاين الى لبنان تصبّ في إطار “تثبيت” اتفاق وقف النار لما بعد فترة الـ 60 يوماً بكثير. فالإدارة الأميركية الحالية، وتلك اللاحقة، لا تريد استمرار الحرب بين لبنان و “إسرائيل”. فالرئيس الأميركي جو بايدن الذي سيغادر البيت الأبيض خلال أسابيع، أراد إنهاء هذه الحرب، وإلّا لما أرسل موفده الخاص هوكشتاين الى بيروت و “تلّ أبيب” لانتزاع هذا الاتفاق من قبل الطرفين قبل انتهاء عهده. كذلك فإنّ ترامب سبق وأن أعطى التوجيهات لرئيس الحكومة “الإسرائيلية” بنيامين نتنياهو بضرورة إنهاء القتال والحروب في المنطقة قبل دخوله الى البيت الأبيض.
وما تسعى اليه “إسرائيل” من خلال المراوغة في تنفيذ الانسحاب بهدف إبقاء قوّاتها في بعض القرى الحدودية، الى حين جعل منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح وخالية من المسلّحين، على ما تلفت، فليست سوى محاولة لن تُجدي نفعاً، كون الاتفاق ينصّ على انسحابها من القرى التي دخلت اليها خلال الفترة السابقة. أمّا منطقة جنوب الليطاني وانتشار الجيش اللبناني فيها، فيعود للحكومة اللبنانية إعادة الأمن والاستقرار اليها وتطبيق ما ينصّ عليه الاتفاق فيها بالتعاون والتنسيق فيما بينها وبين الجيش و “اليونيفيل” ولجنة المراقبة. وليس على “الإسرائيلي” نزع أو تفكيك أي سلاح، أو ضبط الأمن وما الى ذلك، لأنّ الإتفاق لا يذكر مثل هذا الأمر، وإن كان يتذرّع ببند “الحقّ في الدفاع عن النفس” الذي ورد في الاتفاق لكلّ من الطرفين. فلا أحد يتعرّض له، على ما يدّعي، ووجوده داخل الأراضي اللبنانية كونه يُشكّل انتهاكاً للسيادة اللبنانية، كما لاتفاق وقف النار وللقرار 1701، هو الذي يُعرّضه للخطر، الأمر الذي يفرض عليه الإنسحاب سريعاً قبل انتهاء مهلة الـ 60 يوماً من جميع القرى الحدودية التي دخلها وتوسّع فيها ودمّرها وحرق أراضيها، خلال فترة وقف إطلاق النار وليس قبلها.
أمّا هوكشتاين، فيأتي للإطلاع على ما يحصل على أرض الواقع، ولإجراء المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين، على ما أكّدت المصادر، وللاجتماع كذلك بلجنة المراقبة التي ليس عليها فقط الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار، إنّما المساهمة في تطبيقه والحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة. وكان هوكشتاين قد قال إن هذا الاتفاق قد وُضع ليستمر لعقود، في إشارة الى ما كان عليه الوضع جنوباً من أمن واستقرار بعد صدور القرار 1701 في 11 آب 2006 وحتى 7 تشرين الأول 2023. وخلال هذه الفترة، لا بدّ من تطبيق بنود القرار 1701، واستكمال المفاوضات غير المباشرة لتثبيت الحدود البريّة بين لبنان و “إسرائيل” والتي تسمح لعودة الهدوء الى المنطقة، ووقف التعديات والخروقات للسيادة اللبنانية.
وتتوقّع المصادر أن يعطي هوكشتاين “ضمانات” لكلّ من لبنان و”إسرائيل” لاستمرار وقف إطلاق النار بين الجانبين، سيما وأنّ المرحلة المقبلة تتطلّب الأمن والاستقرار من أجل إعادة الإعمار عند الحدود الجنوبية من الطرفين، بهدف عودة سكّان القرى والمناطق الحدودية في أسرع وقت ممكن. كما أنّ الهدوء من شأنه، إعادة العمل بعمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز من البلوكات البحرية، في حين أنّه من شأن عودة الحرب الى المنطقة الجنوبية وقف الاستثمارات النفطية في الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة. وهو الأمر الذي لا تريده الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا دول “الخماسية” المعنية بملف النفط في لبنان.
ومن المتوقّع أن يتطرّق الموفد الأميركي خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، على ما أفادت المعلومات، ولكنّه قد لا يحضرها حتى وإن تزامنت مع وجوده في لبنان، لكي لا يُقال إنّه يمارس الضغوطات على اللبنانيين، أو قد يُغادر لبنان قبل موعدها في حال أنهى جميع لقاءاته في بيروت. فانتخاب رئيس الجمهورية أمر حسّاس يتعلّق أيضاً بكلّ الملفات الداخلية والخارجية المتعلّقة بترسيم الحدود وعودة النازحين السوريين الى بلادهم، وعودة الإستثمارات الى لبنان، وبناء الثقة في الداخل والخارج، وإعادة بناء المؤسسات والقيام بالإصلاحات وما الى ذلك…
وترى أنّ هوكشتاين لا يأتي الى لبنان لفرض اسم رئيس الجمهورية الذي تريده الولايات المتحدة الأميركية، إنّما لمحاولة التقريب في وجهات النظر بين جميع القوى السياسية. الأمر الذي لم يحصل حتى الساعة، ويجري السعي لتحقيق التوافق على اسم الرئيس قبل الخميس المقبل، موعد جلسة الانتخاب في 9 كانون الثاني. وتقول انّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مع الرئيس التوافقي، وما دام دعا الأفرقاء الى التوافق على اسم معيّن. ويصرّ على أن تُنتج الجلسة المرتقبة رئيس الجمهورية المنتظر، وسيقوم بكلّ ما يستطيعه لكي يخرج الدخان الأبيض من البرلمان، في حال لم يتمّ تعطيل النصاب القانوني للجلسة. غير أنّه بمفرده مع حلفائه لا يُمكنه انتخاب الرئيس من دون توافق غالبية الكتل النيابية على اسم معيّن. لهذا يجري السعي خلال الأيام المقبلة التي تفصلنا عن جلسة 9 كانون الثاني الى تحقيق توافق ما على اسم مرشّح توافقي من بين الأسماء الكثيرة المتداولة، في حال صدقت النيات.