هوكشتاين «الرئيس المدني»… فمن هو «الرئيس اللبناني»؟!
كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
ليس من الحكمة التعمّق في البحث عن اسم رئيس الجمهورية العتيد مخافة أن تسقط بعض التوقعات. ذلك انّ توجيه الدعوة إلى انتخابه في 9 كانون الثاني ليس كافياً لإنهاء فترة خلو سدّة الرئاسة في العاشر منه. وعليه، فإنّه من الأفضل انتظار ما ستنجزه لجنة الإشراف والمراقبة من خطوات لإنهاء الاحتلال ونشرالجيش في مرحلة يديرها «رئيسها المدني» عاموس هوكشتاين. وعندها تكتمل مواصفات رئيس الجمهورية الجديد الذي سيدير المرحلة اللاحقة بما ستحمله من تطورات. وهذه بعض مما هو متوقع من خريطة الطريق اليها؟
بعد أيام قليلة على الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار عند الرابعة صبيحة الأربعاء في 27 تشرين الثاني الماضي، انتظر اللبنانيون اياماً للتثبت مما يوفره من استقرار وأمن وهدوء إلى أن تيقنوا من انّه لن يكون كاملاً ولا شاملاً قبل ان تتوقف الاعتداءات الاسرائيلية المتمادية لليوم السادس على التوالي، وإلى ان يكتمل انسحابها بعد 60 يوماً. ولذلك فهم يسعون إلى تلمّس خريطة الطريق المؤدية إلى تطبيق مندرجاته بدءاً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقرى الحدودية وانسحاب «حزب الله» الى ما وراء مجرى نهر الليطاني تمهيداً لتعزيز انتشار الجيش في تلك المنطقة وحتى الحدود الجنوبية، وليمسك بأمن المنطقة إلى جانب بقية القوى الأمنية الأخرى كما عدّدها القرار 1701 في اعتبارها القوة الوحيدة التي أُنيطت بها هذه المهمّة بالتنسيق والتعاون مع قوات الأمم المتحدة المعززة («اليونيفيل») ومن دون اي شريك آخر.
وتزامناً مع ما كان مطروحاً من أسئلة حول الآلية التي ستُعتمد لضمان تنفيذ الخطوات العسكرية المطلوبة في المرحلة الاولى، لم يتبلّغ اللبنانيون بعد سوى بوصول رئيس لجنة الإشراف الخماسية المكلفة مهمّة ضمان تطبيق القرار 1701 الجنرال الأميركي جاسبير جيفيرز، والذي لم يتعرّف إليه اللبنانيون قبل زيارته الاولى لقائد الجيش العماد جوزف عون في اليرزة للبحث في ما سمّته مديرية التوجيه في بيانها الرسمي «الأوضاع العامة وآلية التنسيق بين الأطراف المعنية في الجنوب».
وفي انتظار تسمية الجانب الفرنسي لممثله في هذه اللجنة يترقّب اللبنانيون الاجتماع الاول لها، ذلك انّه سيكون مخصصاً لوضع آلية مهمّاتها المتعددة، وأبرزها النظر في مجموعة كبيرة من الشكاوى اللبنانية التي تمّ توثيقها للخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف النار التي لم تتوقف بعد، والبت بالخطوات التنفيذية الأولى التي تضمن تطبيق ما تقرّر من خطوات تنهي الاحتلال الاسرائيلي. بالإضافة إلى مواكبة الإجراءات الفورية التي اتخذها الجيش في المناطق الجنوبية التي بقيت خارج المساحة التي احتلتها اسرائيل في عمليتها البرية المحدودة، وهي التي تبلّغت عبر قيادة «اليونيفيل» بما اتخذته القيادة اللبنانية من إجراءات في بعض القرى الجنوبية، بعدما وصلت تعزيزات عسكرية إلى قيادة القطاع الغربي في شمع التي أخلتها قوات الاحتلال قبل سواها من المناطق، حيث انتشرت وحدات إضافية من الجيش تمهيداً للانتشار في كل القطاعات الثلاثة فور إخلائها من الجيش المحتل. كما تبلّغت بدخول وحدات اخرى إلى القليعة ومحيطها من قرى القطاع الأوسط، حيث ما تمكنت من دون أي احتكاك مع مواقع قوات الاحتلال.
وإلى هذه الوقائع تترقّب الأوساط الديبلوماسية والسياسية الحراك السياسي المنتظر لمقاربة ملف الاستحقاق الرئاسي. فالدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب لعقد جلسة انتخابية في 9 كانون الثاني ما زالت موضع جدال لمعرفة الخلفيات التي بنى عليها بري موعدها، فكل خطواته في هذه المرحلة باتت موضع ترقّب وحذر لتبيان ما هدف اليه، بعدما استبق وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى مكتبه في ساحة النجمة بتوجيه الدعوة في مستهل الجلسة التشريعية التي كانت مخصصة لتمديد ولاية قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية سنة كاملة ومعهم الضباط من رتبة عميد وما فوق.
وفي الوقت الذي ينتظر المراقبون التطورات ساعة بساعة، توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية امام مضمون بيان القيادة الوسطى للجيش الاميركي التي واكبت وصول جيفيرز إلى بيروت إيذاناً ببدء مهمته، ومعه فريق مكون من 12 ضابطاً مساعداً من رتب مختلفة من ضباط النخبة، للبت بالخطوات اللوجستية والادارية التي ستتخذها اللجنة، وسط مشاريع عدة رُسمت بالخطوط العريضة لمهمتهم الإشرافية والرقابية في المشاورات الجانبية التي شهدتها مرحلة الترتيبات الأولى المحدّدة في اتفاق وقف إطلاق النار، وهو أمر لن يكتمل الّا بانضمام الضابط الفرنسي المنتظر تسميته بين لحظة واخرى، ما لم تكن الخطوة رهن وصول وزير الدفاع الفرنسي إلى بيروت حاملاً معه الاسم المكلّف تمهيداً لاجتماعها بعد أن سمّت قيادة «اليونيفيل» قائدها ليكون عضواً فيها وليسمّي الجيش اللبناني من يمثله الذي ستكون رتبته في مستوى الضباط الآخرين.
وكان لافتاً انّ بيان القيادة الاميركية أعطى صفات جديدة لرئيس الفريق، عندما قال انّ جيفيرز سيعمل «رئيساً مشاركاً لآلية تنفيذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان»، كما أعطى صفة جديدة للموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين بأنّه سيكون «الرئيس المدني» حتى «تعيين مسؤول مدني دائم». وهو ما ترجمته المراجع المراقبة بأنّ المهمّة طويلة إذا كان مضموناً أنّه باقٍ في مركزه عند انتهاء ولاية الرئيس الحالي جو بايدن وتسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مهماته في 20 كانون الثاني المقبل.
وفي أول تعليق على الأوصاف الجديدة السياسية لهوكشتاين والعسكرية لجيفيرز، احتار المراقبون حيال من سيلعب دور «الحاكم الأميركي» الذي قاد العراق الجنرال بول بريمر بعد انتهاء غزوه، وأشرف على كل شاردة وواردة في تلك المرحلة لإعادة بناء العراق على أسس أنهت مفاعيل حكم صدام حسين في نيسان 2003. وهو أمر قاد هؤلاء المراقبين إلى القول انّ «الرئيس المدني» الأميركي سواء بقي هوكشتاين أو غيره، ستكون له الكلمة الأساسية على المستوى السياسي، لتُدرج مسألة انتخاب الرئيس من ضمنها، بحيث انّ الايام المقبلة بما تحمله من تطورات ستكون كفيلة بتسمية رئيس الجمهورية الجديد، لأنّه بكل تأكيد لن يكون «طبخة لبنانية خالصة». وربما سيكون لواشنطن دور في التوفيق بين أعضاء الخماسية الديبلوماسية لاختيار هذا الرئيس الذي يجمعهم واللبنانيين ولا يفرّقهم في آن. فلم يعد سراً القول انّ «الخماسية العربية والدولية» بآرائها المختلفة باتت تعكس ما يعيشه اللبنانيون من فرز سياسي تجاه هذا المرشح او ذاك، وهو ما سيثبت في الايام المقبلة وإلى فترة لا تتعدى مدار 9 كانون الثاني المقبل.