الاخبار الرئيسيةمقالات

هوامش هامشية مهمّشة

زاهر أبو حمدة

قبل بدء عدوان الاحتلال ضد جنين، نشرت «كتيبة العياش» فيديو تبني إطلاق صاروخ بدائي الصنع وقع قرب مرج بن عامر. لم يُسجل إصابات لكن الاحتلال استغل الأمر للترويج أن جنين أصبحت «بؤرة صواريخ». في البداية تباهى إعلام حركة «حماس» بذلك، وأنه إنجاز كبير لكتائب «القسام»، لكن الحركة عادت ونفت علمها بالصاروخ ومطلقيه. وهنا يُسجل التسرّع بالتساوق مع روايات الاحتلال من دون التدقيق بالأهداف والسياق، فهذه الرواية كانت ترويجاً لسبب العدوان، وربما لو فتشنا أكثر لاكتشفنا أن «الشاباك» فبرك الفيديو لا أكثر. وهذا ينسحب أيضاً على مسألة تبني الشهداء ومنفذي العمليات الفدائية، وهذا ما حدث مع عملية عبد الوهاب الخلايلة في تل أبيب. فالخطأ باسم المنفذ ومن ثم نفي أهله انتماءه لفصيل معين، يؤكد أن التنافس الحزبي بهذا الشكل أصبح مضراً بصورة التنظيم المُعلِن قبل أن يضر بصورة المقاومة بشكل عام.
■ ■ ■

تبنّت وسائل إعلام عربية مصطلح «عملية عسكرية»، إنما في الحقيقة هو عدوان مكتمل الأركان. الحرب هي حرب مصطلحات أيضاً، فحين ينقل المراسل أن «اشتباكات بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في جنين» يؤكد عن عمد أو جهل أن هناك تكافؤاً بين المهاجم والمدافع، والأصح أن فلسطينيين يتصدون لاعتداء جيش الاحتلال. والأكثر إسفافاً هو الترويج للاسم الإسرائيلي للمعركة (بيت وحديقة) بدل تكثيف الاسم الفلسطيني (بأس جنين). ولو أردنا أن نُجمّل الخطاب الإعلامي لوسائل إعلام معينة، ربما نكتشف أنها تنقل الرواية الإسرائيلية إلى المتابعين بلسان عربي، لكنه عبري في الأصل.

■ ■ ■

تابعت منصات محسوبة على حركة «حماس» اشتباكاتها «التافهة» مع السلطة وقيادتها في خلال العدوان، ولم تكتفِ صفحات مثل «مش هيك» و«الشمطلي» بالهجوم الشخصي، إنما تعدته إلى التحريض المباشر، ما يمكن اعتباره دعوة لتوجيه السلاح نحو مقرات السلطة بدل جيش الاحتلال. فيما «تفنن» تلفزيون فلسطين الرسمي بالهجوم أيضاً ضد «حماس» مع أن الاحتلال لا يفرق بين فصيل وآخر في المعركة. ماذا لو اتفق الفلسطينيون على خطاب تحريضي تعبوي ضد الاحتلال وحكومته؟ بكل تأكيد سيكون بداية الاتفاق على إدارة المرحلة الدموية. أمّا غالبية ما يُطلق عليهم وصف «المؤثرين» في «سوشيال ميديا» ربما لم يعرفوا أن هناك عدواناً في جنين، أو أنهم خائفون على تقييد حساباتهم، فتجاهلوا الدم الفلسطيني، إلا أن ميا خليفة لم تهتم وسجلت فيديو هاماً بمضمونه ولغته وتوقيته. فشكراً لميا وسحقاً للمرتجفين أصحاب ملايين المتابعين.

■ ■ ■

بعد انتهاء العدوان، دخل المراسلون الصحافيون إلى مخيم جنين، ونقلوا رسائل صحافية مهمة من الناس الصامدين. لكن تصوير ما سمّاه الاحتلال «خنادق وأنفاق» تحت المساجد ورياض الأطفال، يثبت الرواية الإسرائيلية. صحيح أنه من المهم «تصدير القوة» الفلسطينية، لكن ليس بكشف مواقع حساسة ونقلها صحافياً على أنها قدرات كبيرة وإمكانات عظيمة، وهي في الحقيقة اجتهاد بسيط للمقاومين، ولا يمكن اعتبارها أنفاقاً مؤهلة كما وصفها الاحتلال. وحبذا لو ركّز الصحافيون أكثر على القصص الإنسانية لأهالي المخيم وذوي الشهداء وعلى تدمير الاحتلال للبنية التحتية للمخيم.
■ ■ ■

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن شهداء العدوان أصيب غالبيتهم في الرأس والصدر. وعند تشييع الجثامين اتضح أن منهم مقاتلين في الميدان، وهنا يمكن العمل على تجهيز الفدائيين بخوذ للرأس ودروع للصدر، ما يخفف عدد الشهداء باعتبار أن العدوان سيتبعه عدوان آخر. وهذه النقطة هامة بمستوى أهمية السلاح والرصاص. ولعل هناك سؤال طرحه المحبون: لماذا لا يُقتل الجندي الإسرائيلي بسهولة؟ الإجابة بسيطة جداً: هذا الجندي يُكلف مئات آلاف الدولارات بالتجهيز والتدريع والتسليح والتدريب، فلو لم تكن الإصابة في مقتل (على الأغلب في مساحة مكشوفة من الجسم) فموته سيكون صعباً.

■ ■ ■

طلّ أحد قادة الفصائل الفلسطينية، ليحذّر من تجاوز الاحتلال «الخطوط الحمر» في جنين ومخيمها. لم يفصّل ماذا تعني هذه الخطوط؛ علماً أن شوارع لونها أحمر فعلاً بفعل الدماء الفلسطينية. هذا يفترض أنه تهديد، لكن مفعوله معاكس جماهيرياً، ويمكن تفسيره بشكل خاطئ، أي أن هناك معرفة لدى الاحتلال بهذه الخطوط عبر إعلامه بها مسبقاً. والأهم أن ذلك لا يعكس مصارحة واضحة مع الجمهور ما يؤثر على معنويات الجبهة الداخلية وفقدان المصداقية بين القيادة والقاعدة.
■ ■ ■

في خضم العدوان على جنين، نظّمت الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) تظاهرة أمام سفارة السويد في تل أبيب رفضاً لإحراق نسخة من المصحف الكريم أمام مسجد في ستوكهولم. وعلى أهمية الأمر، لكن حرق نسخة من المصحف قرية عوريف الفلسطينية، والعدوان على جنين لا يستحق تظاهرة من المنظمين. يبدو أن «فقه الأولويات» يحتاج إلى إعادة ترتيب عند البعض.

■ ■ ■

تظاهر اليمنيون في صنعاء تضامناً مع جنين. لكن دول الطوق لم تسجل تظاهرات متضامنة ومندّدة بالعدوان. وهنا السؤال: لماذا تأخّرت التظاهرات في المخيمات الفلسطينية؟ ولماذا لم تُنظم تظاهرة في بيروت أو دمشق؟ وحتى على المستوى السياسي، لم تجتمع الفصائل الموجودة في سوريا ولبنان وتصدر بياناً موحداً. ربما توقعوا أن يتجاوز العدوان 48 ساعة، فالمدة غير كافية للاجتماع وتنظيم تظاهرات معنوية تسند أهل جنين!

زر الذهاب إلى الأعلى