هل يملك العرب قرار السلم والحرب؟

ناصر قنديل

ناصر قنديل
– ربما بسبب الكيد لحزب الله يحبّ بعض اللبنانيين التحدّث كثيراً عن فحص الجهة التي تملك قرار السلم والحرب، ولذلك تقدّم لنا معارك غزة فرصة للتفحّص على مستويات عديدة، في محاولة الجواب عن سؤال؟ وهل يمكن الحديث عن دولة كاملة الأوصاف، دون قرار سيادي بتحديد مفهوم للأمن القومي؟ وهل يمكن أن تكون مستقلة سيدة لا تملك القدرة على ترجمة مفهومها للأمن القومي بخطوات عملية، منها الحرب والسلم، دون استئذان دولة أجنبية؟
– مشهد المذبحة المفتوحة في غزة حاضر في بيانات عربية رسمية منفردة وجماعية تكشف حجم الشعور بالخزي تجاه العجز عن فعل شيء لوقف هذه المذبحة. وإذا تفاوتت النبرة بين بيان عربي وآخر، فلذلك علاقة بتقدير كل حكومة عربية قواعد التخاطب مع شارعها، بتغطية العجز بمزيد من البكائيات وتظهير العجز، أو مزيد من التهوين من الخطورة والإيحاء بفعل ما يلزم، لكن السؤال العميق هو هل ينتبه الحاكم العربي إلى أن دفتر الشروط الذي يجري تقديمه لهم من بوابة حرب غزة، يتضمن بنداً وحيداً، هو أن الدولة الوحيدة التي يسمح لها أن تمتلك مفهوماً للأمن القومي، وقدرة شن حروب لترجمته هي «إسرائيل»، وأن الآخرين مجرد إدارة اقتصادية وخدمية، وإدارة الموارد والنفقات والديون، وأن الإنفاق على التسلح لا علاقة له بخوض الحروب، بل بالواجب الاقتصادي تجاه الشركات الغربية وتشغيلها؟
– خاضت الحكومات العربية حروباً ومولت حروباً، ونظمت الجيوش غير النظامية لخوض حروب، ووضعت إعلامها وفتاوى شيوخها، والأهم أموالها، لإشعال حروب وخوضها ووضع شعاراتها، أو على الأقل هذا ما أوحت لنا به، بأنها حروبها، فهذا ما حدث في الحرب لإسقاط الدولة السورية والرئيس السوري والجيش السوري، وقد أنفق كما قال رئيس حكومة قطر السابق لهذه الحرب وحدها تريليونا دولار، وحشد نصف مليون رجل جُمعوا من أنحاء العالم، وصدرت الفتاوى وتجنّدت الأقلام والصحف والشاشات، وكذلك ولو على مستوى أدنى حرب ليبيا. أما حرب اليمن فقد وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بكارثة إنسانية كبرى، وأخيراً جاءت حرب السودان، حيث يجمع التطبيع مع كيان الاحتلال المتحاربين، كما شراكتهم في حرب اليمن، وانتهى الأمر بسودان بلا كهرباء وبلا مستشفيات وجامعات وخبز ودواء، كحال غزة اليوم، لكننا لا نحتاج لجهد كي نكتشف الفرق بين هذه الحروب وحرب غزة، فتلك حروب أجازتها واشنطن، وهذه حربها المحرمة على العرب.
– انخفض سقف طموح المواطن إلى حد قبول أن تكون الدول العربية دولاً اقتصادية، وتمارس سيادتها ونخوتها وشهامتها اقتصادياً، لكن الخيبة الاقتصادية ليست أقل من الخيبة العسكرية. فالعرب لا يملكون قرار وقف إنتاج النفط والإضراب عن بيعه، ولا يملكون قرار إقفال مضيق هرمز بالشراكة مع جارتهم إيران، ومضيق باب المندب بتعاون سعودي مصري مع أنصار الله في اليمن، أو إقفال قناة السويس، والإضراب عن التجارة، لأن واشنطن لا تجيز ذلك، المسموح لهم هو أن يزيدوا إنتاج النفط وأن يديروا الممرات المائية ويحرسونها لتعبرها السفن الإسرائيلية آمنة مطمئنة، بل إن فتح معبر رفح ممنوع، التظاهر أمام السفارات الأميركية وإزعاج السفير الأميركي والتسبب بالأرق لزوجته خلال نومها ممنوع أيضاً.
– في البلاد العربية دولة اسمها سورية، بقوا يطاردونها حتى أثخنوها بالجراح، ودولة اسمها الجزائر يحاصرونها، ودولة تلملم مقدراتها لتنهض اسمها العراق، ودولة تتعافى من جراحاتها لتنهض بموقعها القوميّ اسمها تونس، لكن هناك دولة عربية عظمى سيدة مقتدرة هي المقاومة العابرة للحدود، من فلسطين إلى لبنان إلى سورية إلى العراق إلى اليمن، وهي وحدها تملك شجاعة الإعلان عن مفهوم للأمن القومي، والوقوف عند حدود الذود عنه بالنار والدماء، وهي دولة تجمعها الروح وليس اللوائح، وروح هذه الدولة العظمى سوف تتحدث الجمعة، فينتظرها العالم كله، وأولهم واشنطن، لتعرف مَن ينافسها على قرار السلم والحرب، ولذلك تغضب جماعة واشنطن، وتقول إنه ينافس الدولة اللبنانية على قرار، ممنوع أن تمتلكه، لأن «اسرائيل» وحدها مسموح لها امتلاك قرار السلم والحرب، وهي أعلنت الحرب على لبنان منذ زمن ما قبل ولادة المقاومة، والمقاومة تدير موقعها في هذه الحرب فقط.

Exit mobile version