كتب غاصب المختار في “اللواء”:
لم يعد من شك أن معالجة الوضع اللبناني ومشكلاته الكبيرة والخطيرة تسير على إيقاع احداث سوريا والمنطقة، وبصورة خاصة على إيقاع ما يُقرره الكيان الإسرائيلي من ترتيبات وإجراءات وخطوات ميدانية وسياسية، سواء بالنسبة لمسار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب أو لمواكبة العملية الانتقالية في سوريا. ذلك ان خطواته المتسارعة في سوريا في السيطرة العسكرية على مساحة كبيرة من المناطق السورية في الجولان وجبل الشيخ، والبطيئة في لبنان للإنسحاب من المناطق الجنوبية التي دخلها في السلم بعد عجزه في الحرب، تشير الى انه يربط مسار خطواته في سوريا ولبنان بخططه ومشروعه لتحقيق انجازات سياسية وعسكرية عجز عن تحقيق معظمها سابقاً.
وإذا كان الجو السياسي اللبناني يفصل إجرائياً – وليس سياسياً – بين الاستحقاق الرئاسي وبين ما يجري في الاستحقاقات العسكرية الميدانية في الجنوب وسوريا، فإن هناك شبه تسليم في الداخل والخارج بأن الوضع السوري الذي انطلقت منه تغييرات الوضع القائم في الشرق الأوسط وفي خرائطه الجيو-سياسية، يفرض نفسه على انتخابات الرئاسة اللبنانية لجهتين: الأولى انه يفرض تسريع انتخاب الرئيس بالتوافق الصعب والمرّ ربما للبعض لمواكبة المرحلة الإقليمية المقبلة ومتغيّراتها، ولجهة انه يفرض وقائع جديدة تتحكم بالاستحقاق الرئاسي مختلفة عن الوقائع السابقة من حيث الترشيحات وبرنامج الرئيس العتيد وأولوياته.
كما ان مسار الوضع في الجنوب وما يُنتّظر من ترتيبات واتفاقات لاحقة سياسية وحدودية تفرض نفسها على المسار الرئاسي. فلم يعد الوضع القائم حالياً يسمح بفرض شروط ومواصفات للرئيس تناسب هذا الطرف اللبناني أو ذاك، بل ان هذا الوضع بات يفرض على الجميع في الداخل اللبناني التعاطي بطريقة أخرى مرنة أولاً ومتفهّمة للمتغيّرات التي تتطلب رئيساً صاحب رؤية سياسية وقرار سياسي وإصلاحياً، إن لم يكن توافقياً، ينتشل لبنان من ازماته مع حكومة مماثلة لمواصفاته تواكب عمله بتفاهم كامل.
وقالت مصادر دبلوماسية متابعة للوضع السوري وانعكاساته على لبنان لـ «اللواء»: ان طبيعة المتغيّرات السورية الداخلية غير واضحة بعد، فهناك طرفان صاعدان في سوريا الأكراد والحركات الإسلامية، وآليات نقل السلطة من العلويين الى هذين الطرفين غير واضحة بعد ولا يمكن معرفة نتائجها منذ الآن، وأي تركيبة جديدة في سوريا لو جرى تشكيلها بهدوء وليس بالدم، ستدفع لبنان الى التفكير بطريقة التعاطي معها بما يضمن مصالحه قدر الإمكان، بخاصة إذا جرت ضغوط خارجية عليه للتعامل مع الإدارة السورية الجديدة وفق ما تريد الدول الإقليمية والغربية المشتغلة بترتيب الوضع السوري.
وعليه ترى المصادر الدبلوماسية انه لا بد من انتظار تبلور الصورة بشكل نهائي في سوريا ليبني لبنان تعاطيه مع الوضع المستجدّ بشكل ثابت. لكن هذا الانتظار قد يطول وقد تطرأ عليه متغيّرات إذا تعثّرت عملية انتقال السلطة وجرت خلافات بين الأطراف السورية المتعددة التي انتظمت حالياً ومؤقتاً تحت اسم الإدارة السياسية الجديدة لسوريا. لذلك وجب تسريع انتخاب رئيس للجمهورية ليعيد انتظام الحياة الدستورية والسياسية ومواكبة المستجدات السياسية الإقليمية.
وفي السياق، ينعكس الوضع العسكري الذي فرضته إسرائيل في سوريا لا سيما على الحدود الشرقية الجنوبية للبنان على مسار تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وفق الساعة الإسرائيلية وليس الساعة اللبنانية، ووفق ترتيبات جيش الاحتلال لا ترتيبات لبنان وجيشه الجاهز للانتشار وتطبيق الاتفاق، لكن المماطلة الإسرائيلية المغطاة أميركياً تؤخّر التطبيق وبالتالي تؤخّر المرحلة المقبلة المفترض أن تلي وقف الأعمال العدائية والمتعلقة ببدء مفاوضات حول الحدود البرية لمعالجة النقاط الحدودية المختلف عليها.
وهنا تطرح الأسئلة المشروعة عن الأثمان التي سيدفعها لبنان على كل المستويات إذا فُرِضتْ عليه أجندات الخارج السياسية والأمنية والجغرافية، وكيف سيخرج سليماً معافى إذا استمرت الخلافات والمناكفات الداخلية، ولم يحصل التوافق الداخلي على كل الملفات بما فيها الملف السوري والملف الجنوبي عدا الرئاسي.
لعلّ التشاور حول الاستحقاق الرئاسي يكون أيضاً فرصة للتشاور والاتفاق على كيفية مواجهة المتغيّرات الخطيرة في الإقليم برؤية واحدة وخطوات موحّدة وقرار مشترك، لأن الوضع لا يحتمل بعد أي مزايدات وتسجيل مواقف شعبوية ونقاط سياسية من طرف على طرف. فقد ينهار لبنان الحالي الكيان والجغرافيا والديموغرافيا حسب ما يتم التخطيط له لوضع المنطقة ككل ما لم يُحصّن لبنان نفسه ذاتياً بالتفاهم والحوار والتوافق.