كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
لن يحجب «أحد العودة» الثاني إلى جنوب لبنان والخشية من أن يشهدَ المزيدَ من هدر الدماء على يد الجيش الإسرائيلي، ولا «هديرُ» محركات تأليف الحكومة الجديدة التي تعمل في محيطٍ مليء بـ «الأفخاخ» السياسية ذات اللبوس الطائفي والمذهبي، الأنظار عن الثلاثاء المفصلي في البيت الأبيض حيث يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي الوقت الذي تعود العدسات بقوة اليوم إلى القرى الحدودية الجنوبية التي ما زالت «خلف قضبان» الاحتلال الإسرائيلي، وإن المغطى بتمديدٍ للهدنة (حتى 18 الجاري) وسط دعواتٍ إلى «زحف شعبي» للمشاركة في الجولة الثانية من مسيراتِ العودة التي تُنْذِر بأن تتحوّل مسرحاً لصِداماتٍ بين الأهالي العزل والجيش الإسرائيلي، فإنّ جانباً رئيسياً ما سيكون عليه واقع جبهة الجنوب بات يَنتظر لقاء ترامب – نتنياهو بعد غد ليتبلور في ضوئه أفق الحرب مع «حزب الله» التي عُلّقت في 27 تشرين الثاني عبر اتفاق وقف النار الذي نصّ على مرحلة انتقالية من 60 يوماً (جرى تمديدها الأحد الماضي) كان يتعيّن أن تسحب خلالها تل أبيب قواتها إلى ما وراء «الخط الأرزق» وينسحب «حزب الله»، لمصلحة الجيش اللبناني، من كامل منطقة جنوب الليطاني مع تفكيك بنيته العسكرية فيها توطئة لاستكمال هذا المسار شمال الليطاني.
وإذ سينصبّ اجتماعُ ترامب مع أول مسؤولٍ خارجي يزور البيت الأبيض منذ تنصيبه على بحث ملف «الشرق الأوسط الجديد» وأفق حرب غزة وحرب لبنان الثالثة (في ضوء الهدنة فيهما) والتطورات في سوريا والسيناريوهات المفترَضة لمحاكاة ما يَعتبره الطرفان الخطر الإيراني الأكبر، فإنّ ترقباً يسود لـ «اليوم التالي» لهذه المباحثات بين جانبين يقفان على «الموجة نفسها» بالكامل في ما خصّ أمن إسرائيل و«حقوقها الموسَّعة» ووجوب لجْم إيران وطموحها النووي و«أدوارها المزعزعة للاستقرار»، وإن مع فروقاتٍ حيال أولوية الخيار العسكري أولاً كما تحبّذه تل أبيب، أو «دبلوماسية التشدّد الأقصى» بدايةً وفق رؤية ترامب الذي قدّم نفسه كـ «صانع سلام».
وفي الوقت الذي عبّر تحذير وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي رداً على تهديدات إسرائيل بضرب المنشآت النووية لبلاده من أن «أي هجوم سيتحول حرباً شاملة في المنطقة» عن استشعارِ طهران بمخاطر عالية بفعل تَزامُن وجود الأكثر تطرفاً في دفة القيادة في إسرائيل مع عودة الأكثر انحيازاً وتأييداً لتل أبيب إلى البيت الأبيض، فإنّ قلقاً مشروعاً يسود حيال «حصة» لبنان ما سيُرسَم للمنطقة التي «تتحوّل» انطلاقاً من الزلازل المتشابكة على صفيح المحور الإيراني الذي اهتزّ بقوة في حلقات منه (كما في غزة ولبنان) وسقط بضربة قاصمة في «همزة الوصل» الأهمّ التي شكّلتها «سوريا الأسد».
وفيما تستعيد أوساط سياسية ما أعقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن في تموز الماضي، أي إبان ولاية بايدن، من بروزِ «نسخةٍ جديدة» لنتنياهو «وقّعت» أول ضرباتها في 30 و31 من الشهر نفسه وبفارق ساعاتٍ باغتيال القيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت وإسماعيل هنية في قلب طهران، قبل أن تتدحرج الضربات التي لم يتحسّب لها الحزب وصولاً إلى «أيلول الأسود» بعمليتي البيجرز واللاسلكي واغتيال السيد حسن نصر الله ثم هاشم صفي الدين، تدعو إلى رصد ما سيكون بعد الثلاثاء المنتظَر وكيف سيتعاطى نتنياهو خصوصاً مع جبهة لبنان.
مردّ هذا الرصد إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يطبّق اتفاق وقف النار وفق «مفهوم» تل أبيب «المعزَّز» بكتاب ضماناتٍ ملحقٍ بينها وبين واشنطن ويمنحها حرية التصرف في كل لبنان لإزالة أي تهديد وشيك أو في طور التشكُّل، بات شبه محسوم أن يتجه مع نهاية الفترة الممدَّدة لهدنة الستين يوماً إلى عدم الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية والاحتفاظ أقله بـ 5 تلال إستراتيجية في جنوب لبنان هي: جبل بلاط، وتلال اللبونة والعزية والعويضة والحمامص.
وتتقاطع معطيات عند أن واشنطن، التي تترأس اللجنة الخماسية المولجة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار، تتفهّم «الحاجة الأمنية» لإسرائيل للبقاء في هذه النقاط التي ربما تريد تل أبيب ربْط الانسحاب منها بحصولِ تطبيق شامل لاتفاق 27 تشرين الثاني بنهائيّاته التي توصل، وفق روحيته ومندرجاته وتفسيرها له، إلى إنهاء وضعية سلاح «حزب الله» خارج الشرعية، وتالياً بملف الحدود البرية مع لبنان والنقاط المتنازَع عليها، إلى جانب احتمال حصول تداخُل بين هذا الملف وقضية أسرى الحرب الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية.
وإذ ستشكل الزيارة التي يُتوقّع أن تقوم بها المبعوثة الأميركية الجديدة (خليفة أموس هوكستين) إلى لبنان مورغان اورتاغوس (بعد زيارةِ نتنياهو للبيت الأبيض) أول اختبارٍ لِما تريده وتطرحه واشنطن في ما خص ما بعد 18 شباط، وهي المعروفة بدعْمها الكبير لإسرائيل وكانت من أقلّ المتحمّسين لوقف النار مع «حزب الله»، فإنّ القلقَ يتصاعد من ألا يكون لبنان خرج نهائياً من منطقة «الخطر العالي» في ضوء إمكان أن يَعتقد نتنياهو أن وجود ترامب في البيت الأبيض سيوفّر له غطاءً، ولو لم يُمنح ضوءاً أخضر صريحاً، لمزيدٍ من سياسات «الانقضاض» العسكري، ناهيك عن أن «حزب الله» يُعطي إشاراتٍ عدة إلى أنه يُعاند ضعفَه المستجدّ في ضوء نتائج حرب الـ 65 يوماً المدمّرة.
ولم يكن عابراً أن يربط الجيش الإسرائيلي ضمناً بين الغارات التي شنّها الجمعة على مواقع بين منطقتي جنتا والشعرة عند الحدود اللبنانية – السورية ضدّ ما قال إنها «بنى تحتية لحزب الله تحت الأرض لتطوير وإنتاج وسائل قتالية بالإضافة إلى بنى تحتية للعبور على الحدود السورية -اللبنانية» وبين «إطلاق الحزب الخميس مسيّرة الاستطلاع التي كانت في طريقها إلى المجال الجوي الإسرائيلي»، وذلك في مؤشرٍ إلى هشاشة الهدنة التي صارت مفتوحةً في مآلاتها، القريبة أو الأبعد مدى، على مسار ومصير ملف سلاح «حزب الله».
وهذه النقطة تحديداً باتت «المسرح السياسي» الأكثر تعقيداً الذي يُعمل على ألا تعلق في شِباكه محاولات تأليف الحكومة العتيدة، وسط تَوَقُّفِ أوساط سياسية عند مناخاتٍ عبّر عنها قريبون من «قوى الممانعة» وتشي بأن هذا الملف يُدار من «حزب الله» خصوصاً بخلفية منْع تحقيق «الأهداف السياسية» للحرب من خلال حكومةٍ تشكل مدخلاً لإضعاف نفوذه في مَفاصل الدولة وإداراتها وتكون «طليقة اليدين» في ما خص عناوين إستراتيجية وأخرى تتّصل بموضوع السلاح، رغم الاقتناع بأن الأخير أصبح محكوماً في مآلاته بالموازين الإقليمية التي انقلبت رأساً على عقب وبمسارٍ يُرسم له داخلياً تحت سقفِ حوارٍ في شكل أو بآخَر.