الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

هل فهمتم أن المقاومة لم تُهزم؟

هل فهمتم أن المقاومة لم تُهزم؟

كتب ابراهيم الأمين في “الأخبار”:

لا يخفي أبناء الجنوب والمقاومة حسرتهم على ما حلّ بهم في الحرب الأخيرة. حكايات الصمود غير المسبوق في القرى التي واجهت توغل العدو، بقيت حبيسة الأنفس التي أصابتها الحرب بقوة. وحتى عندما خرج أبناء الجيرة للتنكيل والشماتة، ما كان أهل المقاومة يردّون بغضب. كظموا غيظهم ولا يزالون، حيال أمور كثيرة حصلت معهم عشية الحرب وأثناءها وبعدها. لكنّ خصومَ المقاومة أو أعداءَها، لا فرق، لا يقيسون الأمور إلا على طريقتهم. فهم إلى جانب «كسلهم وقلة فهمهم ونقص أخلاقهم»، تبنوا خلال الستين يوماً الماضية سردية العدو بأن المقاومة هُزمت، وعُزلت بعدما تركها أهلها، وأن الساحة صارت خالية لصبية ظنوا أن الناس غافلون عن حقهم وعن حقدهم.

طوال شهرين كاملين، كانت قيادة المقاومة تمارس الصبر بكل ألوانه. التزمت بما يخصها من اتفاق وقف إطلاق النار. وقالت للجيش اذهب وانتشر في أرض أهلك، وكل ما تراه عينك من سلاح أو مسلحين خذه من دون سؤال، وتقدّم مستعيداً الأرض وسنقف خلفك، ونحن حاضرون لكل ما تريده منا كناس وكمقاومين. ومارست قيادة المقاومة ضغطاً غير مسبوق على بيئتها المجروحة، فدعت ناسها إلى التمسك بوصية السيد الشهيد بأن لا تحيدوا نظركم عن العدو الحقيقي الجاثم فوق الأرض.

وعملت مع الناس على لملمة ما أمكن من جراح، وباشرت أكبر عملية دعم للإيواء والترميم العاجل، وصرفت نحو نصف مليار دولار على أصحاب الحق. وثبّتت المقاومة التزام قواعدها بالموقف العام، فلا استفزاز ولا ردّ على استفزاز، حتى ولو كان من يقف قبالتهم ينضح بالعمالة من رأسه إلى أخمص قدميه، وأخفت عن الناس كل التآمر الذي كان قائماً خلال أيام الحرب، فلم تنشر ما تعرفه عن اتصالات قوى وشخصيات سياسية، ولا أشارت إلى أعمال مَقيتة قام بها لبنانيون منعت المقاومة ناسها من الاقتراب منهم طوال 25 سنة، ولا روت قصص الأفعال القذرة التي قامت بها دول وسفارات وقوات أجنبية كانت تلاقي العدو في حربه المجنونة. ولم تدخل في مواجهة لتعطيل الاستحقاقات الداخلية، وقبلت – وإن على مضض – بكل ما حصل من خطوات، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون، لكنها بقيت على الدوام، تلفت عناية الجميع، من اللبنانيين والعرب والأجانب، إلى أن عدم ضمان التزام العدو بالاتفاق، لن يكون من دون ردّ.

لكن، ثمة حوافز لا يمكن العثور عليها في خطب أو بيانات، بل هي عدوى التضحية والفداء. وهكذا كانت بيئة المقاومة في لبنان، تواكب انتصار المقاومة في غزة، وتشارك أبناء القطاع، فرحتهم بوقف الحرب، وتنظر بدهشة وإعجاب، مع تقدير استثنائي إلى ما تقوم به فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام. وشعرت بأن الصور الآتية من غزة خلال الأسبوع الماضي كانت حافزاً إضافياً للناس للمبادرة إلى الفعل المنتظر، وهو ما تجلّى في قرار استثنائي، يفوق بأضعاف القرار الذي عرفه الناس في أيار 2000، ولم يكن أحد يقف في وجه رغبة حقيقية عند أبناء القرى الحدودية، وتأييد أكيد من قيادة المقاومة، بالمبادرة إلى ما يجب أن يقوم به أهل الأرض، وهو السير قُدماً نحو انتزاع السيادة بالقبضة والأقدام والأصوات والدماء أيضاً. وهي مسيرة لا تقتصر على ما حصل في الأحد العظيم، بل ستكون له بقيتها في الأيام المقبلة، من اليوم وحتى إنجاز المهمة، والعنوان الواضح لكل ما يحصل، هو أن الناس أعطوا كل الآخرين من أبناء الوطن، وكل مدّعي صداقةِ لبنان من العرب والأجانب، الفرصة الكاملة لإثبات قدرتهم على استعادة الحق بالدبلوماسية، ولم تكن المقاومة تحتاج إلى رصاص ونار لتحقيق ما يجب تحقيقه، وهي التي تعرف أن ناسها الذين لم يتركوا الأرض ومنعوا العدو من الاحتلال والتثبيت، هم أنفسهم من يظهرون استعداداً لبذل المزيد من أجل تحقيق الانتصار الكبير.

ثمة أمور لا يمكن شرحها بأي كلمات. من لم يفهم أن المقاومة لم تُهزم، وأن ناسها لم ينفضّوا من حولها، كان يحتاج إلى مشاهد الأمس. كان لزاماً على أهل المقاومة إفهام الجميع، في الداخل والخارج، أن جرائم العدو لا يمكنها التغطية على حقيقة أن المقاومة هي قدرنا في مواجهة هذا الوحش. وكان لزاماً على أهل المقاومة، إفهام أغبياء – وأكثر من أغبياء – بأن المعادلات السياسية لا تُرسم على مائدة سفير دولة القتل الأميركية، وكان لزاماً على الناس أن يشرحوا لبقية أهل البلاد، من أحباء وأصدقاء، بأن المقاومة باقية، كما كان عليهم أن يشرحوا بلوحة مباشرة لخصومهم، أنِ اعتدِلوا وتهذّبوا وافْهموا، بأن هذه الفئة القليلة من الناس، التي تعرّضت لأقسى حرب لم يجرّبها أحد وقُتل فيها أغلى القادة وأعز الناس، ودُمّرت فيها عشرات آلاف المنازل وآلاف المنشآت المدنية، وسقط فيها نحو خمسة آلاف شهيد وجُرح نحو عشرين ألفاً، وتحولت القرى والدساكر إلى ركام، وصارت الضاحية عبارة عن مدينة يفصل الدمار بين قاطينها، بأن كل هؤلاء، خرجوا في ساعة واحدة، في مشهد أولي، عما سيراه اللبنانيون والعالم يوم تشييع السيد الشهيد، لقول عبارة واحدة: رجاءً لا تخطئوا الحسابات!

مشكلة خصوم المقاومة أنهم، إن لم يتعلموا دروس الماضي، سيذهبون إلى البحث عن مقاصد أخرى لما حصل ويحصل، وسنسمع ضجيجهم حول ما سيحصل في مسار تطبيق القرار 1701، أو كيفية تشكيل السلطة الجديدة في البلاد، وقد يخرج من أغبيائهم من يقول إن تحرير الناس لأرضهم هو فعل سياسي بوجه العهد الجديد، وبوجه الحكومة المنتظرة، وسيخرج منهم إعلاميون وسياسيون وناشطون وصبيان السفارات ليرفعوا في وجه المقاومة كل ذرائع خيبتهم وتخاذلهم. لكنهم لا يعرفون، وهم يفعلون ذلك، أنهم يؤكدون لنا مرة جديدة أنهم ينظرون إلى كل الخطوات التي جرت في البلاد منذ وقف إطلاق النار، على أنها نتيجة لما اعتبروه هزيمة للمقاومة على يد الاحتلال.

ولأنهم يتصرفون على هذا النحو، فلا بأس أن يفهموا بأن المقاومة لم تهرب من التزام تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، لكنها ليست في وارد تقديم فروض الطاعة لأحد، بقدر ما عليها أن تعمل ليلَ نهارَ من أجل التأكيد على أن المقاومة هي وصية الشهداء، وهي إرثهم الباقي فينا، وأن لا معنى لبلاد ولا لسيادة ولا لحكم أو حكومة من دون هذه المقاومة… وهذه حقيقة قائمة، مهما كره الكارهون!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى